Menu

النرجسيّةُ اليهوديّةُ (مظاهر وأسباب)

سعيد بشتاوي

يُعدّ الكيانُ الصهيونيُّ مجتمعًا يعجُّ بالعنصريّة والتعصّب للهُويّة اليهوديّة؛ ما يجعلُهُ كيانًا لا يقبلُ التعايش مع غيره من شعوبٍ أو أديان، وإنْ كان هذا التعايشُ يظهرُ على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إلا أنَّه في الحقيقة تعايشٌ تمثيليٌّ غيرُ حقيقي؛ غايتُه تحقيقُ مآربَ وغايات سياسية.

إنَّ عنصريَّةَ هذا الكيان أو هؤلاء الجماعة لا تحتاج إلى كثيرٍ من البحث والتقصي؛ إذ تبدو جليّة، ففي معتقدهم الديني يُعرَف غيرُ اليهود بالأغيار، وهو - لا شك - مصطلحٌ تمييزيٌّ هدفه تمييزُ اليهوديِّ وتفريقُهُ من غيره، ولا شكّ أيضًا أنّ قانون القوميَّة الذي طُرِح في عهد نتنياهو في الكنيست الصهيوني، كان أيضًا من مظاهر عنصريّة هذا المجتمع، كما تبدو هذه العنصرية أيضًا في محاولة الكثير من الحاخامات المتطرّفين المتحفّظين في تضييق معايير اعتناق الأغيار للدين اليهودي، في محاولتهم لحكر هذا الدين عليهم، أو لأنَّهم يرَون أنَّ هذا الدين لا يستحقُّ دخولَه أيًّا كان، في إشارةٍ واضحةٍ لانكفاء الجماعة على نفسها وعدم تقبّلها للغير، وقد رأى الحاخام اليهودي إبراهام إسحق -كما جاء في كتاب الفكرة الصهيونية- أنَّ البشرية إذا بدأتْ بالانهيار فإنَّ ولادتَها من جديد تكون بولادة الشعب اليهودي.

يؤمنُ اليهودُ أنَّهم الوحيدون الذين يخدمون الربّ من خلال الصلاة وتطبيق الوصايا التوراتيَّة، وقد آمن اليهودُ بفكرة اختيار الله لهم ليطهروا هذا العالم من النجاسة والظلام، وهذا المعتقد متجذّرٌ في معتقداتهم ما ساهم في تعميق ظنِّهم بأنَّهم خير من وطئ هذه الأرض؛ الأمر الذي يزيد عنصريّتَهم تُجاه الغير. ويعتقدون بكونهم الشعبَ الوحيد الذي يُحَقُّ له حملُ رسالة الربّ عن سائر الديانات الأخرى ولا يُحَقُّ لغيرهم ذلك؛ إذ هم مختارون عند الله دون غيرهم لتخليص العالم من الشرور وتربية الأمم على الأخلاق والقيم لذا تراهم قد رسّخوا هذا الفكر من خلال تلقينه أطفالَهم منذ نشأتهم. كما نجحوا في إقناع الشعوب الغربية من أوروبا والولايات المتحدة بأنَّ دينهم دينُ حضارة وسلام ومحبَّة؛ لذلك يسعى الغربيون جهدَهم في دعم هذه الرسالة اليهودية، ولا سيما في احتلال فلسطين التي آمنوا بأحقيّتهم فيها من خلال وعد إلهيٍّ يعيدهم إلى هذه الأرض – أرض الميعاد، ولا غرابة في ذلك؛ فالأوروبيون يحتفون بالاستيطان الأوروبي لأستراليا، كما أنَّ الأمريكيين يحتفون بسلب أرضهم من أصحابها الأصليين من قبل كولومبوس، فلا ضير في دعمهم لكتلة معينة تحتلّ أرضًا ما يريدونها، فاتّفق المذكورون في غاياتهم وتوجهاتهم.

نجد الكاتبة الصهيونية روز مارين أنها رأتْ أنَّ الشعبَ اليهوديّ بما يملكه من إرث ثقافي وحضاري وأخلاقي ومثل عليا هو الذي ساهم برفد الحضارة الإنسانية بالأدب والأخلاق والفنون.

لقد دأب اليهود على إحياء العواطف الدينية المتعصبة في محاولةٍ منهم لكسر ولاء اليهوديُّ نحو البلد الذي يعيش فيه، والمجيءُ به إلى أرض فلسطين، التي سيحصل فيها على جميع حقوقه بفضل دولة (إسرائيل). ولقد بلغتْ نرجسيَّةُ اليهود ذروتَها عندما قال رئيس الوزراء البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي اليهودي درزائيلي: إنَّ الذين يؤمنون بحضارة اليهود وتراثهم ويؤمنون بالقوة الأخلاقية التي يتمتّع بها الدين اليهودي هم الوحيدون المهيؤون لقيادة الكون. في إشارة منه إلى أنَّ الشرط الوحيد لقيادة هذا العالم هو أن تكون يهوديًّا بامتياز. وكأنَّ غيرَ اليهودي غيرُ مؤهلٍ لحكم العالم؛ لأنَّ اليهودي صاحب الأخلاق والمبادئ وصاحب الإرث الحضاري الوحيد في الكون.

لكنِ السؤالُ الذي يطرح نفسَه، كيف تأصّلت هذه الروح العنصريَّة والنرجسيَّة عند هؤلاء الجماعة، وما غايتُهم من عنصريتهم ونرجسيتهم. الجواب يكون بالعودة إلى النص الديني اليهودي؛ فقد ورد الكثير من نصوص العهد القديم (التوراة) ما يؤكّد أحقيَّتَهم في تطهير العالم من الدنس وأولويتهم عند الله دون سواهم. جاء في العهد القديم: (أنا يهوه إلهكم الذي خيّركم من الشعوب) [لاويين: 20/26] وقد ورد أيضًا: (أنتم أولاد للربّ إلهكم، وقد اختارك الربُّ لكي تكونَ له شعبًا خاصًّا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض) [تثنية: 14/1] وجاء مؤكّدًا على تلك الخصوصية عند الرب: (واعدُك الربُّ أن تكونَ له شعبًا خاصًّا وأن يجعلك مستعليًا على جميع القبائل وأن تكونَ شعبًا للربِّ إلهِك) [تثنية: 26/18].

هذه النصوص وغيرُها في التوراة أسهمت إلى حدٍّ كبيرٍ في تجذير فكرة تميزهم على غيرهم للدرجة التي اعتقدوا فيها أنهم أولادُ الإله الذي وعدهم بالمجد والتجمّع بعد الشتاتِ والتيهِ وإقامة مملكتِهم الموعودة، كما ساهمت هذه النصوص بتعميق سيادة اليهودي على غيره أو على كل هذا العالم، وأنَّ الناسَ تبعٌ له؛ جاء في سفر إشعيا: 60/10: (وبنو الغريب يبنونَ أسوارَك وملوكُهم يخدمونك). كما وصل بهم الحال إلى الإيمان بأنَّ الأغيار الأجانب عليهم حق خدمة اليهودي وعبادته: (ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بنو الغريب حرّاثيكم وكرّاميكم أما أنتم فتُدعَون كهنة الرب؛ تأكلون ثروةَ الأمم وعلى مجدها تتآمرون). [إشعيا:61/5]. وإذا ما قرأنا وصايا الدين اليهودي المشهورة: لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق.. إلخ نجدها وصايا على بعضهم؛ أي لا يجوز أن يفعلوا ما عكس هذه الوصايا ببعضهم. ويجوز لهم فعلها بغيرهم من الشعوب، ويهمّنا من هذه الوصايا وصيتهم (لا تقتل) يقول الدكتور جورجي كنعان في كتابه (أمجاد بني إسرائيل) إنَّ موسى أو يهوه الموسوي أو من دوّن شريعةَ موسى لم يقصد بوصية (لا تقتل) النهيَ عن ارتكاب جريمة القتل بحق الناس الآخرين. وإنَّما هذا النهي هو نهيٌ عن قتل اليهودي لليهودي أما الشعوب الأخرى من غير اليهودية فشرعٌ قتلُها، وما يؤكّد هذا القول إنَّ الرب أمرَ موسى بأن ينتقم له وينتقم لبني إسرائيل من المديانيين فجنّدوا أنفسَهم لقتال المديانيين والقضاء عليهم. وذلك بيّنٌ في سفر العدد: 31/1: (فتَجنَّدُوا على مديان كما أمر الربُّ وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم).

وفي الحقيقة فإنَّ قتلَهم لغيرهم لم يقتصر على المديانيين بل إنّ أولَ مجزرة لهم كانت على المديانيين ومن يطالع كتاب التوراة يجد الشواهد كثيرة باعترافهم بحقهم لقتل وإفناء غيرهم. كما أنَّهم لم يشرّعوا فقط قتلَ غيرهم بل أيضًا شرّعوا تدبير المكائد والقلاقل للأقوام غيرهم؛ ابتغاء تدميرهم وإنهاء وجودهم حتى يتّسع مدُّهم اليهودي أو حتى يحقّقوا مآربَهم الشخصيَّة؛ فمثلًا النبي داود الملك كما جاء في شريعتهم قد أُعجِب بإحدى زوجات جنوده فدبّر مكيدةً كي يتزوج بهذه الامرأة، فأصرّ داود أن يخرج زوجُها إلى إحدى مهمات القتال وقد دبّر لهذا الرجل خطَّةً يُقتَل من خلالها الرجلُ في المعركة بسهمٍ من خلفه حتى تصبح زوجته أرملةً ويتزوجها داود. ولا تخفى المكيدة التي دبّرتها رفقة زوجة إسحق كي تغتصب حق النبوة من عيسو لابنها يعقوب (إسرائيل).

أما تشريعُهم لقتل غيرهم فلاعتقادهم أنَّ جميع الشعوب دونهم وأعداء لهم وأنَّ أموال هذه الشعوب حلالُهم وعليه فإنَّ لهم الحق في إبادة أي شعب وإفناء كل القبائل التي ينالونها وكل ذلك مردُّه إيمانُهم بتفوقهم على غيرهم، وغيرهم لا يستحق الحياة.

تتضخّم الأنا اليهودية خصوصًا عندما يأمرهم شرعُهم أن يُفْنُوا كلَّ شعب من غيرهم وأن يسحقوا كل قوم لا يدينون لهم بالولاء وأن يعامل اليهود بعضهم غيرَ معاملة العبيد والشعوب التي لا تخضع لهم. ويظهر هذا التشريع في سفر لاويين 25/39 إذا جاء فيه: (لا تستعبد أخاك استعبادَ عبد، ولا تتسلّط عليه بعنف، وأما عبيدك وإماؤك فيكونون لك من الشعوب الذين حولكم؛ تستملكونهم من بعدكم ميراث ملك، تستعبدونهم إلى نهاية الدهر).

فأي دينٍ سَمِح يسمح بذلك، وأي دين سامٍ هذا الذي يدعو إلى استعباد الغير حتى نهاية الدهر. نجد هذا في الواقع تغوّل كبير في النرجسية ظنًّا منهم أنهم الأنقى والأسمى والأجدر في هذا الكون.

لقد كان لإله اليهود الذي أسمَوه يهوه كثيرٌ من الأسباب التي عمّقت نرجسية الجماعة لأنه إذا نظرنا في شخصية هذا الإله فسنجدها شخصية نزقة منفعلة متعطشة للقتل والغدر؛ إذ لا يجد هذا الإله حرجًا في أن يأمر أتباعه بسبي الشعوب الأخرى وسلبها وسرقتها، وهذا كله مشروع ما دام أنهم ليسوا بيهود. وإذا نظرنا في الأديان الأخرى على اختلاف مسمياتها وأنواعها فإننا سنجد فيها شيئًا من الدعوة إلى الرحمة وإن لم يكونوا أتباعًا لتلك الأديان، على عكس الدين اليهودي الذي يأمر باسم الإله بإفناء وقتل أي شعب غير يهودي، وإنِّي فيما وقفتُ عليه من نصوص يهودية لم أجد ما يدعو إلى استمالة الغير بالحسنى، ويأخذنا الدكتور جورجي كنعان إلى حقيقة مفادها: أن الشعب اليهودي حاول أن يرسم هذه الصورة لإلههم تشريعًا منهم لتحقيق أهدافهم وغاياتهم وأطماعهم ونواياهم [أمجاد بني إسرائيل: 124]؛ فيظهر الإله يهوه إلهًا يبارك العنف ويتّخذ من الانتقام سلاحًا داعيًا أنبياءه إلى ذلك من غير حرج.

وإذا ما نظرنا في بناء هذه النصوص الدينية التي اتخذتها شواهد تبيّن نرجسية اليهود، مضمونًا وشكلًا، فإننا سنجدها نصوصًا لا ترقى إلى أن تكون نصوصًا إلهية قيلت عن الرب، أو نبيّ ما، وهي لا تعدو أن تكون قصصًا سردية تُكتب من بشر، ولا ترقى أن تكون كلام إله، ما يجعلنا نعتقد أو نظن أنها نصوص مبتذلة كُتِبَت وحُوّرت من قبل بشر لتحقيق مطالب وغايات ما، على أن يكون الدين والرب مشرّعين لذلك.