Menu

مشروع الضم والتهجير: ما العمل في مواجهته؟

بوابة الهدف الإخبارية

خاص بوابة الهدف

75 عامًا على النكبة، تغيّر نوع البنادق وتم تحديث معظم الأسلحة وزيادة عددها وثقلها الناري لدى عصابات الغزاة الصهاينة، لكنها ما زالت عصابات، كل من فيها محض لص وقاتل، كما ما زالت المنظومة الصهيونيّة ملتزمة بهدفها الأوّل، تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على الأرض والحفاظ على قدرة المستوطنين الغزاة على قتل كل من عاداهم من أهل المنطقة متى رغبوا.

الهدف الأساسي أمام المنظومة الصهيونيّة في هذه المرحلة بالذات هو الاستيلاء على معظم أراضي الضفة المحتلة، وانفاذ جملة من القرارات والسياسات الهادفة لطرد سكّانها الفلسطينيين، وهو ما شرعت به بالفعل منذ عدة سنوات، فلقد تم الاستيلاء على أراضي الأغوار الفلسطينيّة المحتلة، وطرد معظم سكّانها خلال السنوات الماضية، وحاليًا يجري تكرار الأمر في معظم المنطقة المصنفة "ج" حسب التصنيف الاحتلالي الذي ورطتنا اتفاقيات أوسلو بقبوله.

حاليًا أمامنا كفلسطينيين وأنصار للقضية الفلسطينيّة وقوى وطنيّة وبنى سؤالًا أساسيًا إذا ما كان لدينا الإرادة والقرار الوطني لمنع العدو من ضم هذه المناطق، ودعم صمود ووجود الفلسطينيين فيها، وهو ما تحرّكت له بعض من القوى الوطنيّة من خلال تقديم رؤى ومبادرات وطنيّة، ولكن هذا التحرّك ليكتسب فعاليته ويتحوّل لاستراتيجيّة تتخذ طريقها للتنفيذ، تحتاج لاستجماع إرادة وموارد المجموع الوطني، وإلى حين توفّر ذلك فما لدينا على الأرض، حيث تدور المواجهة في الأرض المهددة، قليل جدًا قياسًا بحجم المهمة والهدف المطلوب.

تخوض قوى ومجموعات المقاومة المسلّحة نضال وكفاح يومي تقدّم فيه تضحيات جسيمة، ولكن هذا الفعل النضالي المسلّح يحرص العدو على حصاره داخل المخيمات الفلسطينيّة وقلب بعض التجمعات، ويطلق حملة قتل واغتيالات ممنهجة لتصفية الفاعلين فيه، وإن كانت بعض التشكيلات التي تمارس المقاومة المسلحة قد نجحت في تنفيذ عمليات في هذه المساحة، على مستوى المؤسّسة الرسميّة الفلسطينيّة، فإنّ العمل على هذه القضية الاستراتيجيّة محدود ومحصور في بعض من الجهود للجهاز الدبلوماسي، أو مبادرات لعمل جماهيري تديره هيئات لمناهضة الاستيطان أقصى قدرتها هو حشد متضامنين ذو اهتمام خاص بهذه القضية تحديدًا، ولكنها لا تصل إطلاقًا لسقف الحشد الجماهيري المطلوب والذي يحتاج لبناء حالة من الإجماع الوطني حول هذا الهدف، وتطوير الأدوات والعناوين والأنشطة التي تجري لمواجهة مساعي الضم.

ليس من الجموح في الخيال أو الطوباويّة والمثاليّة، تصوّر وجود عمل فلسطيني موحّد تتشارك فيه كل البنى والقوى الفلسطينيّة الفاعلة، حسب مواردها وأدوارها وتخصّصاتها وقطاعاتها، لمواجهة إجراءات الضم، وتحويلها لنقطة لكسر إرادة العدو وهزيمته، ولكن هذا يتطلّب توفّر الإرادة السياسيّة.

نعم هناك عوائق جديّة تعترض هذا المسار الوطني، تتمثّل في حالة الترهّل التي أصابت المؤسّسات الوطنيّة الفلسطينيّة الرسميّة، والعجز الذي يهيمن على قرارها وأدائها، وكذلك سياسات التنسيق الأمني التي تكبّل الفلسطينيين وتخنقهم وتسلّط مؤسّسات السلطة الفلسطينيّة على شعبها، وحالة التفرّد بالمؤسّسات الوطنية التي تعرقل بناء الإجماع الوطني، وأيضًا الانقسام والمناكفات السياسيّة، ولكن إطلاق عمل فلسطيني مشترك ضمن هذا السقف الذي يجب أن يحظى بتوافق وطني وفقًا لكونه يُلائم مجموع البرامج السياسيّة المطروحة فلسطينيًا، وهذا السقف لا يمنع مضي المقاومة في جهدها الوطني الضروري في توسيع مساحة المواجهة والاشتباك.

قد يبدو ما تقدّم دعوة لقبول فصائل المقاومة وجل أبناء شعبنا لبرنامج السلطة والعمل بسقفه، ولكنه بالأساس ليس إلّا دعوة للسلطة الفلسطينيّة وقيادتها وقيادة منظمة التحرير الفلسطينيّة، للالتزام بعملٍ فلسطيني وحدوي وطني، واختبار جدّي لما تبقّى من إرادةٍ وطنيةٍ في هذه المؤسّسات الرسميّة التي يفترض أن تكون في موقع المبادر والداعم لصمود أهلنا.

إنّ اليأس واستسهال الاحباط، والقول بعجزنا وطنيًا عن البناء والفعل المشترك، أو تخيل أبديّة التنسيق الأمني، والالتزامات المذلّة، ليس وصفة للمقاومة، بل وصفة لتضييق الرؤية لما يمكن لنا انجازه وطنيًا، وتسليم بأنّ ما فرضته أوسلو قدّر أبدي على شعبنا برمته أو على أولئك الذين تورّطوا في مسار أوسلو، وقول بأننا خسرنا للأبد مؤسّساتنا الوطنية وهو جواب لم تذهب له حتى أقصى القوى الفلسطينيّة معارضة لحقبة أوسلو وما ترتّب عليها من آثارٍ كارثيّة.