Menu

اغتيال العاروري يفتح باب الجحيم

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

 

اغتيال إسرائيل للعاروري ومدخل الجحيم

من الواضح منذ زمن بعيد أن إسرائيل تتحين الفرص لاغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري. ولم تخف رغبتها هذه في يوم من الأيام وقبل وقت طويل من طوفان الاقصى في ٧ أكتوبر. فقد نظرت إليه أنه الرجل الأكثر فاعلية في تحريك المقاومة في الضفة الغربية وأن استهدافه يشكل ضربة قوية للعمل المقاوم في الضفة.

وبعد ٧ أكتوبر ازداد السعار والحماس الإسرائيلي لملاحقة قيادة حماس وفي مقدمتهم العاروري.

لكن هذا التقديم التاريخي ليس هو الأهم  في توقيت استهداف العاروري في بيروت. ولفهم هذا التوقيت ينبغي إعادة قراءة بعض المعطيات.

وفي مقدمة هذه المعطيات الإعلان الأميركي عن سحب حاملة الطائرات جيرالد فورد وتوابعها من المنطقة. ثم استذكار إعلان وزير الحرب قبل حوالي شهر عن معنى الضرب في بيروت. وبعد ذلك يمكن التذكير بتحذير الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من لجوء إسرائيل لاغتيال لبنانيين أو فلسطينيين في بيروت وأن الرد سيكون قاسياً.

وقد أشار المعلق العسكري لصحيفة " هآرتس" عاموس هارئيل إلى أن انسحاب حاملة الطائرات جيرالد فورد  يحمل رسالة أميركية واضحة بأن أميركا تسحب رعايتها لهذه الحرب. ومعروف أن الخلاف اشتد مؤخراً بين أميركا وإسرائيل حول مدة الحرب ووجهتها وحول اليوم التالي. وليس صدفة أن تتناقل وسائل الإعلام تصريحات مسئولين أميركيين حول عدم علم الإدارة الأميركية مسبقاً بعملية الاغتيال.

ومن المعروف أن الحشد العسكري الأميركي حول إسرائيل تم لأسباب كثيرة أهمها تعزيز ثقة إسرائيل بنفسها بعد هزة ٧ أكتوبر ومحاولة ردع إيران. وكان الحشد أيضاً يرمي إلى إبعاد إيران عن الحرب وحصرها في إضيق نطاق وإبعادها أيضاً عن لبنان.

ولم تكن سياسة أمريكا هذه تروق للإسرائيليين الذين كانوا يطمحون أولاً إلى البدء بلبنان حتى قبل غزة وتوقهم إلى مشاركة أميركية في حرب ضد إيران. ولكن مخططهم فشل حتى موعد اغتيال العاروري.

وهنا يطرح سؤال حول ما إذا كان اغتيال العاروري رسالة أولاً إلى أميركا بأن لا شيء يمنع إسرائيل عن الاستمرار في تحقيق أهداف الحرب ليس فقط في القطاع وإنما أيضاً في لبنان حتى لو قاد ذلك إلى حرب إقليمية.

وكانت أول نتيجة لاغتيال العاروري إعلان وزير الخارجية بلينكن تأجيل زيارته التي كانت مقررة لتل أبيب والتي كانت تهدف لمناقشة وجهة الحرب وكثافتها واليوم التالي.

وبعد ذلك يأتي الحديث عن موقف إسرائيل من حماس وسعيها لتوجيه ضربة معنوية لقيادتها. وواضح أن استهداف الرجل الثاني في قيادة حماس والنجاح في قتله مع آخرين في لحظة حساسة، له دلالات هامة. وإذا لم تكن لذلك أهمية على مستوى مجريات الحرب فعلى الأقل أهميتها تكمن في إثرها على الرأي العام الإسرائيلي. وهي رسالة موجهة لحماس بأن الحرب لن تتوقف وأن لا شيء يمنع إسرائيل من مواصلة استهداف قادة حماس. وهذه عملية جارية بشكل أو بآخر منذ اليوم الأول لحرب ٧ أكتوبر. إذ وضعت إسرائيل قائمة شبه معلنة لمن تستهدفهم من قيادات حماس السياسية والعسكرية. بل أنها وجهت  على لسان كبار قادتها، تهديدات باستهدافهم في أي مكان في العالم.

وذكرت وسائل إعلام صهيونية أنه يمكن النظر إلى العملية على أنها بداية التزام إسرائيلي بالقضاء على كل من شارك في تخطيط وتنفيذ هجوم 7 أكتوبر أيضاً في الخارج.

ولكن يبدو  أن الأكثر أهمية في التوقيت هو البعد اللبناني ذاته.

فقبل أسابيع قليلة، قال وزير الحرب يوآف غالانت خلال مؤتمر صحافي: «عندما تسمعون أننا هاجمنا في بيروت، ستعرفون أن نصر الله تجاوز الخط الأحمر». وإذا قرأنا تصريح غالانت من كل الأوجه فأن معناه أن إسرائيل تستهدف عبر اغتيال العاروري في بيروت إيصال رسالة أيضاً إلى حزب الله وإيران بأنها لا تخشى المواجهة وجاهزة للذهاب إلى الحد الأقصى أي الحرب الشاملة. وإذا لم تقد هذه العملية إلى هذه الحرب فإنها على الأقل تخلق ردعاً في مواجهة مكونات محور المقاومة وفي مقدمتها إيران.

 

وبديهي أن هذا التهديد يضع حزب الله أمام اختبار صعب: هل سيرد بالمنطق والقواعد التي كان حددها أم سيقرر احتواء الموقف والرد موضعياً.

وكما سلف مؤخراً هدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إسرائيل خشية أن تتجرأ بالرد على السابع من أكتوبر باستهداف كبار مسؤولي حماس على أراضيها. وأوضح أنه إذا نُفذت مثل هذه الاغتيالات في لبنان فإن حزب الله سوف يرد تبعاً لذلك.

وكان حزب الله قد حدد قواعد للرد بينها عسكريين ضد عسكريين ومدنيين ضد مدنيين والعمق بالعمق. ولذلك فإن رد حزب الله سيوزن بميزان ذهب عند كل الأطراف.

وفي إسرائيل ثمة من يعتقد أن اغتيال العاروري في جوهره هو محاولة لاستعادة هيبة فقدتها في ٧ أكتوبر وعملية ترمي إلى الإعلان عن اجتيازها حاجز الخوف من ردات الفعل وجاهزيتها للتصرف كأزعر الحارة من جديد. كما أنها تترك الانطباع بأن العملية هي نتاج اختراق استخباراتي رفيع المستوى، وأن سهولة تنفيذ عملية اغتيال في الضاحية في بيروت، التي تعتبر المعقل الأكثر حماية لحزب الله ينبغي أن تبدد الثقة التي يتعامل بها كثير من القيادات اللبنانية والفلسطينية هناك .

وخلاصة لا بد منها:

إسرائيل بنوع من المقامرة تجتذب الحرب مع لبنان وتقول لأميركا أنها لا تخاف توسيع الحرب حتى من دون وقوفكم إلى جانبنا. ومنطقي الافتراض أن هذه المقامرة شديدة الخطورة وكثيرة العواقب.

*كاتب صحفي من غزة