Menu

ثلاث رسائل هامة خلف اغتيال العاروري

غسان ابو نجم

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب غسان أبو نجم*

 

عمد الكيان الصهيوني قبل أيام إلى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي ل حركة حماس الشيخ صالح العاروري الذي عرف بعنفوانه وشخصيته الوطنية الجامعة وإشرافه على أهم ملف في علاقة المقاومة الفلسطينية بمحور المقاومة وإشرافه المباشر على كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية

فماذا أراد الكيان الصهيوني من وراء هذه المحاولة الجبانة وما الرسائل التي حاول إيصالها من وراء اغتياله

بداية حرص الكيان ومنذ اللحظة الأولى من بداية معركة طوفان الأقصى أن يغتال أي شخصية قيادية في المقاومة الفلسطينية من حماس أو غيرها من الفصائل لاعتقاده بأن اغتيال القادة سيؤثر على معنويات المقاتلين ويظهر اليد الطولى للموساد الصهيوني في الوصول إلى أي هدف يريدون وبالتوقيت والطريقة التي يختارها هو لذا نجده جاداً ويلهث خلف اغتيال السنوار والضيف وغيرهم من القادة العسكريين الذي فشل فشلاً ذريعاً في الوصول إليهم مما دفع بعض أركان الكيان بالاحتفال لوصولهم إلى حذاء يحيى السنوار مما يدل على عجز أجهزة الاستخبارات الصهيونية في الوصول إلى أي من قادة المقاومة. لقد نجح الموساد الصهيوني هذه المرة في الوصول إلى أحد قادة حماس في الخارج رغم أن الشيخ صالح العاروري لم يكن من القادة التي تعيش هواجس أمنية وهذا خطأ باعتقادي وكان يتحدى الاحتلال ويظهر في كل المواقف والمواقع في بيروت ويزاول مهامه من مكتبه في حارة حريك في الضاحية الجنوبية في ظل حماية أمنية من حزب الله وبعض أخوانه من المقاتلين الذين أقنعهم بأن الموت واحد والرب واحد ولن يغير أسلوب حياته خوفاً من الموت لتطاله يد الغدر الصهيوني عبر صواريخ موجهة من طائرة صهيونية فجرت مكتبه واستشهد هو ورفاقه الستة وبعض عناصر الحراسة من حزب الله

ولكن ماذا أراد الكيان من هذا الاغتيال وما أهميته في هذا الوقت بالتحديد 

 

هناك ثلاث رسائل أراد الاحتلال إرسالها من عملية الاغتيال

الأولى موجهة للداخل الصهيوني

الثانية موجهة لحزب الله ومن خلفه إيران

والثالثة للمقاومة الفلسطينية

أما الرسالة الأولى فلقد أدرك قادة الاحتلال وحكومة نتنياهو بأن الأهداف التي تم وضعها للحرب على غزة يصعب تحقيقها وأن الجيش الصهيوني الذي يتعرض لخسائر فادحة في الأرواح والمعدات عاجزاً عن تحقيق أي هدف من الأهداف الأربع التي وضعتها القيادة السياسية فلا استطاع القضاء على المقاومة الفلسطينية ولم يستطع إيقاف ضرب الصواريخ على الكيان ولا استرجع أية رهينة من رهائنه لدى المقاومة ولا استطاع السيطرة والتموضع داخل قطاع غزة بل العكس زادت قوة المقاومة وزاد عنفوانها بل أصبح من مصلحتها عدم وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الصهيوني لتكبيده المزيد من الخسائر وإظهاره جيشاً عاجزاً مهزوماً ويدفع وحداته وجنوده إلى التقهقر والانسحاب الإجباري كما حدث مع الكتيبة ١٢ من لواء جولاني وتعميق الأزمة بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية حيث تضغط حكومة نتنياهو لتحقيق أي هدف من أهداف المعركة للخروج بماء الوجه أمام المجتمع الصهيوني الغاضب والذي بدأ بفقدان الثقة بقيادته السياسية ولاحقاً العسكرية والذين ظهروا أمامه عاجزين عن استرجاع الرهائن أو العودة لبيوتهم في غلاف غزة أو وقف الصواريخ التي لا زالت تمطر سماء تل أبيب ومع ازدياد ضغط المعارضة الصهيونية على الحكومة وعلى نتنياهو تحديداً واتهامه بأنه يجر الكيان إلى حرب شخصية لتلافي محاكمته وتعمق الخلاف بينه وبين شريكه في الحرب النازية بايدن وإدارته على آلية تنفيذ المعركة وأهدافها لكل هذه الأسباب كانت الحكومة الصهيونية بحاجة إلى نصر ولو بحجم اغتيال قائد سياسي من قادة المقاومة ليظهر أمام الرأي العام الصهيوني أنه يحقق إنجازاً على الأرض وأنه فقط يحتاج للوقت لتحقيق بقية الأهداف وأظنه نجح في إقناع جزء من جمهورالكيان بذلك وبعض حلفائه وخاصة الأميركي مما يخفف من ضغط الجمهور الصهيوني عليه وضغط المحكمة العليا التي ألغت قانون عدم المعقولية وأجلت قانون عزل رئيس الوزراء لما بعد الدورة الحالية للكنيست الصهيوني ووجد نتنياهو الفرصة المناسبة لطلب تأجيل المحاكمة بسبب انشغاله بالحرب أما الرسالة الثانية فهي موجهة للمقاومة اللبنانيه وإيران وهي متسقة مع الرسالة الأولى حيث أن نتنياهو يدرك بأن الحرب على غزة أصبحت حرباً عشوائية كما أسماها حلفاؤه وأن استمرارها بدون تحقيق أي من أهدافها أمر صعب بل مستحيل أمام حجم الخسائر التي تعرض لها الجيش الصهيوني وازدياد الضغط الداخلي والخارجي على حكومة الحرب الصهيونية خاصة بعد المجازر والمذابح التي ارتكبها بحق أهل غزة وحجم الدمار والقتل والتجويع والترويع والتهجير الذي مارسه بحق شعبنا في غزة دون تحقيق أي هدف كما أسلفنا سابقاً مما يدفع نتنياهو إلى التخطيط لتوسيع دائرة الحرب لأن الاستمرار في حالة الحرب هو الحل الوحيد أمامه للبقاء في السلطة وعدم محاكمته مما يدفعه إلى دفع المقاومة اللبنانية التي شاركت في الحرب ضمن خطة استراتيجية اعتمدت التدخل المحدود للحفاظ على أمن وسلامة لبنان وعدم جر المنطقة لحرب أقليمية يسعى نتنياهو جاهداً لحدوثها وتوريط شريكته الولايات المتحدة بها وإيران ويكون بذلك حقق ما تحلم به الصهيونية الدينية الفاشية شريكته في الحكومة لتوسيع قاعدة تمددها نحو خريطة إسرائيل الكبرى في حال تحقيق النصر واستطاع هو إطالة أمد حكومته وبالتالي منع دخوله السجن الذي ينتظره فأقدم على خطوة اغتيال الشيخ صالح العاروري وقبله موسوي معتدياً بذلك على بلدين عربيين سوريا ولبنان من جهة ومستفزاً إيران والمقاومة اللبنانية من جهة أخرى التي أعلنت أكثر من مرة وعلى لسان أمينها العام حسن نصرالله بأن أي اعتداء على أي شخصية عربية أو فلسطينية أو لبنانية على أرض لبنان سيواجه برد قوي وحاسم من المقاومة فجاءت عملية اغتيال الشيخ صالح العاروري في قلب بيروت وفي قلب معقل المقاومة في الضاحية الجنوبية ليضع المقاومة اللبنانية في موقف صعب جداً يخل بمنظومة التوازنات التي حرصت عليها وأهمها العدو اللبناني الداخلي الذي يتربص بها في حال أعلنت الحرب على الكيان الصهيوني وتبع عملية الاغتيال هذه سلسلة التفجيرات في كرمان بمناسبة مرور أربع سنوات على استشهاد قاسم سليماني ليضع إيران والمقاومة اللبنانيه أمام استحقاق بتقديري وجب حدوثه مما ينذر في حال حدوثه بحرب إقليمية ستتوسع في حال اختارت إيران ومحور المقاومة الدخول في حرب مفتوحة مع الكيان وهذا قرار صعب وخطير يستدعي المزيد من الدراسة والتروي ورسم الحسابات وهذا ما ستظهره الأيام القادمة.

أما الرسالة الثالثة التي أرادها الكيان من اغتيال الشيخ صالح العاروري فهي موجهة للمقاومة الفلسطينية البطلة في الضفة الغربية وقطاع غزة بأن يد الاحتلال طويلة وقادرة على الوصول إلى أهدافها وأنها جادة وعازمة على اجتثاث المقاومة وقتل واغتيال كل من شارك في أحداث السابع من أكتوبر وأن سلسلة الاغتيالات ضد قادة المقاومة لن تتوقف إلا في حال الاستسلام الكلي للاحتلال والموافقة على شروطه وأنه ماض في سحق المقاومة وتدمير الأنفاق حتى على رؤوس رهائنهم معتقداً أي الاحتلال بأن اغتيال شخصية سياسية أو عسكرية من رجالات المقاومة سينهي هذه المعركة ويخل بتوازن هذا الفصيل أو ذاك مع أن التاريخ الذي لا يريد الاحتلال أن يقرأ دروسه اثبت بالملموس بأن اغتيال القادة مع أنه خسارة كبيرة لشعبنا إلا أنه كان دوماً يعطي المقاومة دفعة للأمام ولا يزيدها إلا صلابة ومزيداً من القوة والإصرار على المواجهة والنضال ضد المحتل فاغتيال أحمد ياسين والشقاقي و أبو علي مصطفى والرنتيسي وصلاح شحادة واسماعيل أبو شنب وأبو جهاد وأبو إياد وكمال عدوان وكمال ناصر وغسان كنفاني والقائمة تطول لم تثنِ هذا الشعب عن المقاومة ولم تثنِ مقاومته عن النضال والدليل أنها هي نفس المقاومة التي خسرت كل هؤلاء القادة ولا زالت وستظل تنجب المزيد منهم حتى دحر الاحتلال. إن الاحتلال ورغم الجرائم الموصوفة التي ارتكبها ويرتكبها ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة وبلدان الشتات من حالات قتل للأطفال والنساء والشيوخ والاعتقال والقتل وتدمير المباني والمدارس والمستشفيات ودفع المواطنين للهجرة القسرية من بيوتهم دفع ويدفع أبناء الشعب الفلسطيني للتمسك بثورته واحتضان مقاومته وإفشال كافة مخططات الاحتلال وحلفائه في تدمير بنية هذا الشعب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وتحويله إلى لاجئين مشتتين في أصقاع الارض.

*كاتب أردني