Menu

أسبوع حاسم على جبهة الشمال

حلمي موسى

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حلمي موسى*

شن حزب الله يوم أمس أكبر عملية عسكرية له منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وأطلق صواريخ مركزة على عدد من المواقع العسكرية والاستيطانية على الحدود. وقادت هذه العملية وما تبعها من غارات بمسيرات إلى إطلاق صافرات الإنذار في 90 بلدة ومستوطنة في الشمال بينها مناطق تطاق فيها صافرات الإنذار للمرة الأولى منذ بدء الحرب. وفيما أعلن حزب الله أن هذه الإطلاقات تأتي في نطاق الرد الأولي على عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحزب الله الشهيد صالح العاروري في بيروت رأت وسائل إعلام إسرائيلية أن الإطلاقات مجرد استعراض لعينة مما ينتظر إسرائيل إذا توسعت الحرب مع لبنان. غير أن هذه العملية بددت آمالاً راودت الكثير من الإسرائيليين بأن التهديد بتدمير بيروت أو الجنوب كفيل بدفع حزب الله للقبول بتسوية تبعد المقاومة إلى ما وراء الليطاني.

وقد حاول الجيش الإسرائيلي التقليل من أهمية إطلاقات حزب الله مدعياً أنها سقطت إما في أماكن مفتوحة وإما أنها ألحقت أضراراً مادية محدودة. وفي المقابل ادعى أن غاراته الجوية على لبنان بعد الإطلاقات طالت مواقع استراتيجية للحزب وأنها ألحقت بها أضراراً كبيرة. لكن كل هذه المحاولات لم تفلح في خلق الانطباع الذي تدعيه لا لجهة ردع حزب الله وتقريبه من قبول التسوية السياسية المقترحة ولا لجهة إقناع مستوطني الشمال بالعودة. بل أن الانطباع الأكبر ما حدث هو أن حزب الله لا يخشى المواجهة مع إسرائيل. وربما أن هذا الانطباع هو ما قلل من إطلاق التهديدات الإسرائيلية هذه المرة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية المجندة في معركة الوجود الصهيوني حالياً حاولت أيضاً إظهار التراجع عن إطلاق التهديدات إلى نصائح أميركية. فقد طلب المبعوث الإسرائيلي الأميركي عاموس هوكشتاين من قادة إسرائيل النزول عن شجرة التهديدات ومحاولة التعامل بطول نفس مع حزب الله. واعتبر أن هذا التعامل الإيجابي يبعد شبح الحرب ويقرب فرصة إبعاد حزب الله عن الحدود بطرق سلمية.

ويحاول قادة إسرائيل التعامل في الشأن اللبناني على أنه نقطة خلاف أخرى مع الإدارة الأميركية. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم أنه ليس هناك أساس للتفاؤل الأميركي بشأن الوصول لتسوية سياسية مع لبنان بعد القصف العنيف الذي حدث يوم السبت. والواقع أن سكان مستوطنات الشمال لم يرق لهم طريقة تعامل الجيش الإسرائيلي مع الإطلاقات واعتبروا ذلك استمراراً لسياسة الاحتواء التي قادت إلى 7 أكتوبر في غزة وقد تقود إلى ما هو أسوأ منها على الحدود الشمالية.

 وكان وزير الحرب يؤآف غالانت قد أعلن أثناء تقدير للوضع في قيادة الجبهة الشمالية أن قوات الجيش الإسرائيلي تقوم بعمل جيد جداً، ضد حزب الله، وتضربه كما تضرب المنظمات الفلسطينية التي تحاول العمل من لبنان. وادعى أن إنجازات الجيش على هذا الصعيد مذهلة جداً. وأنهم يزيدون في إبعاد حزب الله عن الحدود. وقد أوقعوا في صفوفه أكثر من 150 قتيل والعملية مستمرة. ولم يكتف بهذا الكلام بل أضاف "أننا نواصل ونعاظم العمل على طول الجبهة بقدر ما يتطلب الأمر. ولنا هدف واضح وهو إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم. ولغرض تحقيق ذلك هناك بديلان: الأول سياسي، ونحن نعمل عليه بكامل قوتنا". وأضاف أنه اجتمع إلى مبعوث الرئيس الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين, وأنه سيلتقي قريباً مع وزير الخارجية الأميركي بحث في هذه الإمكانية ورؤية ما إذا كان بالوسع التوصل إلى تفاهمات تسمح بإعادة سكان الشمال بأمان إلى بيوتهم.

وفي ختام كلامه قال أنه بموازاة ذلك بحث مع هيئة الأركان ومع قيادة الشمال في احتمال أن "نضطر لتنفيذ هذا بعد أن ننفذ بالقوة وبعملية حربية في الشمال من أجل إعادتهم. و"بودي القول بشكل واضح أننا نفضل طريق التسوية السياسية عبر اتفاق. لكننا قريبون من النقطة التي ستنقلب فيها ساعة الرمل".

وتشعر إسرائيل, وفق ما تنشر وسائل إعلامها, أنها في مأزق خصوصاً بعد التلميحات الأميركية بعدم رغبتها في توسيع نطاق الحرب وبالتالي عدم وجود رعاية أميركية للحرب مع لبنان خصوصاً بعد سحب حاملة الطائرات جيرالد فورد وتوابعها. كما أنها في مأزق لجهة عدم معرفتها ما إذا كان هذا هو رد حزب الله على اغتيال العاروري أم أن هذه مقدمة لعمليات أخرى في الأيام المقبلة. وعداً ذلك ورغم إعلان حزب الله أنه لا مفاوضات بشأن ترتيبات مستقبلية قبل إنهاء العدوان على غزة وأن للبنان اشتراطاته لمثل هذه الترتيبات إلا أن الباب بقي موارباً نحو تسوية لاحقة. وبديهي أن أي ترتيب سياسي سيكون مقابله ثمن تدفعه إسرائيل يمس بحرية عملها في الأجواء وعلى الأرض اللبنانية.

في كل حال يبدو واضحاً أن إسرائيل ورغم تهديدات قادتها السابقة بتدمير لبنان وتحويله إلى غزة أخرى إلا أن المصاعب التي تواجهها في غزة تجعلها تفكر ألف مرة في جر لبنان للحرب. فالتكاليف الاقتصادية والبشرية والمعنوية للحرب في غزة تكاد تكون فوق طاقة إسرائيل فماذا سيكون الحال لو دخل حزب الله الحرب.

عموماً يرى كثير من الإسرائيليين أن الأسبوع الحالي حاسم من حيث استمرار المعارك في الشمال والخوف من اندلاع حرب شاملة. وإذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي فإن احتمالات الحرب تتزايد بشكل كبير لأنه من الواضح لإسرائيل أن الوضع الذي كان سائداً على الحدود عشية 7 أكتوبر لا يمكن أن يعود. لذلك فإن الكثير يعتمد على دور الأميركيين في تخفيف حماسة إسرائيل لفتح جبهة جديدة. وهذا هو الدور الحقيقي لكل من هوكشتاين ووزير الخارجية بلينكن الذي يصل قريباً لإقناع إسرائيل أن أمريكا ليست متشجعة لحرب أخرى في المنطقة. وأن اللعب بالنار الذي بدأ باغتيال العاروري ينبغي أن يتوقف وربما أن مدخل ذلك وقف النار في غزة.

*كاتب صحفي فلسطيني من غزة