Menu

الصفقة "قيد الدرس"

حلمي موسى

 

 

كتب حلمي موسى*

 

خرج الناطق بلسان الخارجية ال قطر ية بتصريح مقتضب جاء فيه أن حماس وإسرائيل ردتا بالإيجاب على مقترح تبادل الأسرى على مراحل الذي صاغته قمة باريس الاستخبارية. وقبل أن يتردد صدى صوته أو تغريدته حتى انطلقت الاحتفالات في مناطق متفرقة من قطاع غزة احتفاء بوقف إطلاق النار. وكان الانطباع السائد هو أن الاتفاق بات قاب قوسين أو أدنى من الإعلان عنه وانتهاء الحرب. وطبيعي أن خبراً كهذا يفرح شعباً بقي تحت النار والدمار أربعة أشهر كاملة تقريباً وفي ظروف بالغة الصعوبة. لكن التصريح لم يكن دقيقاً، على أقل توصيف، وكان متسرعاً وفق معلقين إسرائيليين ومثل نوعاً من الحرج للوسيط القطري الذي سرعان من أزال التصريح عن موقعه وقام بتعديله.

فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، مساء أمس، أن قطر حصلت على "موافقة مبدئية إيجابية" من حركة حماس على الخطوط العريضة لصفقة التبادل. وفي وقت لاحق تم حذف الرسالة ونشرت مكانها رسالة جديدة مفادها أن "حماس تسلمت اقتراح وقف إطلاق النار بأجواء إيجابية وننتظر ردهم". وكان معروفاً أن كابينت الحرب الإسرائيلي سيجتمع ليلة أمس لبجث خطة المراحل قبل عرضها على المجلس الوزاري السياسي الأمني الموسع. كما أن من المعروف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو طمأن وزراءه المتطرفين بأن لديه خطوطاً حمراء لن يتجاوزها وكلها تتناقض مع فكرة التسوية كما يمكن أن تقبلها حماس.

وفور الإعلان القطري الأولي أعلنت مصادر إسرائيلية أنها غير مطلعة من الجانب القطري على أية تحديثات بشأن موقف حماس. وسرعان ما هدأت الموجة وعادت لمستوى الحديث عن توقعات إيجابية بردود إيجابية من دون تأكيد على قرب إعلان اتفاق. وعادت حماس على لسان أحد قادتها، أسامة حمدان، للإعلان عن أنه ليس هناك حديث عن التوصل إلى اتفاق وأن المفاوضات لا تزال في بدايتها. كما أن مسؤولين فلسطينيين على علاقة وثيقة مع حماس أعلنوا أن حماس أبلغتهم بأن اقتراح باريس لا يزال "قيد الدراسة".

ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مسؤول أمني إسرائيلي مطلع على التفاصيل أنه رغم التقارير الواردة من قطر، فإن وزارة الدفاع لم تتلق بعد أية إشارة إيجابية رسمية. ويعتقد في إسرائيل أن الإشارة ستصل إلى رئيس الموساد عبر رئيس الوزراء القطري الذي يتوجه الآن من واشنطن إلى الدوحة.

في كل حال أمس نشرت "وول ستريت جورنال" تقريراً عن الصفقة وعرض تفصيل جديدة عن مسودة الاتفاق الذي وافق عليه رئيس الموساد. وتتناول مسودة الاتفاق ثلاث مراحل لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين. وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لصحيفة "وول ستريت جورنال" أنه في المرحلة الأولى من الصفقة، سيُطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع - وكذلك وقف نشاط الطائرات والطائرات بدون طيار في القطاع.

وبينما تقوم إسرائيل بوقف إطلاق النار، ستقوم حماس بجمع الإسرائيليين المحتجزين لديها من أجل إطلاق سراحهم. ووفقاً للتقرير، فإن المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح الإسرائيليين الذين لم يبلغوا سن التجنيد – وبالتالي لا يتم تعريفهم من قبل حماس على أنهم "جنود". ويقال أن حماس ستطلق في هذه المرحلة سراح المختطفين المسنين والأطفال والمرضى من الأسر. وتنص المرحلة الأولى على السماح لمواطني غزة بالتنقل بحرية في جميع أنحاء القطاع، وستكون المساعدات اللازمة قادرة على الوصول إلى جميع المناطق.

إذا نجحت المرحلة الأولى من الصفقة، فسوف ينتقل الطرفان إلى المرحلة الثانية، والتي سيتم فيها إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين من الأسر أيضاً، مقابل زيادة المساعدات الإنسانية للقطاع. في المرحلة الثالثة، بحسب الخطوط العريضة التي تم تقديمها في باريس، ستطلق حماس سراح الجنود الإسرائيليين وجثث الرهائن. وتطالب حماس أيضاً بأن تسلم إسرائيل جثث المسلحين الفلسطينيين الذين قتلوا خلال هجوم حماس في 7 أكتوبر.

وجاء في "وول ستريت جورنال" أنه من المتوقع أن تكون المرحلة الأخيرة من الصفقة هي الأصعب، لأن قادة حماس في غزة قد يبقون لديهم عدداً صغيراً من الأسرى في القطاع كورقة مساومة ودروع بشرية. كما قد ترفض إسرائيل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين الذين يعتبرون من ذوي المكانة العالية من سجونها.

وحسب الصحيفة وجد الجانبان قصوراً في الخطوط العريضة، وفي الاتصالات لا تزال هناك قضايا محل خلاف، بما في ذلك العلاقة بين إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، مطلب حماس هو إطلاق سراح 150 أسيراً مقابل كل جندي محتجز في غزة. وتريد إسرائيل إطلاق سراح جميع المختطفين في غزة، ولم يتم بعد تحديد عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابلهم.

غير أن كل هذه التفاصيل تتقزم أمام حجم الخلاف داخل إسرائيل حول مثل هذه الصفقة. وكما سلف أعلن نتنياهو خطوطه الحمراء وبينها لا للانسحاب من غزة ولا للإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين ولا لبقاء حماس في إدارة شئون غزة. كما أن وزير الحرب، ومعه قيادة الجيش، لا تزال ترى أن العملية لم تنته في غزة وأن صفقة التبادل والهدنة لن تغير شيءً من أهداف الحرب وأن الجيش سيكون جاهزاً لإتمام مهمته وخصوصاً في رفح. ولكن ليس هذا كله ما يعيق إسرائيل عن إبرام اتفاق هدنة وإنما طبيعة الصراعات داخل حكومة نتنياهو حول الأمر. وطبعاً لا بد من الأخذ بالحسبان مستوى الضغط السياسي الأميركي المتزايد الداعي لإبرام الاتفاق. ولكن ينبغي لنا أن نتذكر أنه من المهم لأميركا أن تتوصل مع إسرائيل لتفاهمات حول اليوم التالي في غزة. وأميركا تضغط ربما منذ الأسبوع الأول للحرب من أجل ذلك لكنها حتى اليوم لم تفلح في إجبار نتنياهو على مناقشة الموضوع في الحكومة رغم وضعه على جدول الأعمال عدة مرات.

ونتنياهو يخاف من اليمين الإسرائيلي المتطرف أكثر من أي شيء آخر. فهذا اليمين رباه ورعاه وأوصله إلى ما هو عليه ويعرف كيف يعاقبه. واليوم سموتريتش وبن جفير هما أبطال اليمين الذين لا يتورعون حتى عن الصدام مع أميركا. وبن جفير وسموتريتش هددا بتفكيك الائتلاف إن وافق نتنياهو على مقترحات تبادل أو هدنة تقلل من قدر إسرائيل أو تقيد جيشها عن "تحقيق الانتصار" على الفلسطينيين ليس في غزة وإنما في الضفة أيضاً.

وقد نظم بن جفير حملة ضد قبول مقترح باريس. وذكر التلفزيون الإسرائيلي أنه في ضوء الأنباء التي تتحدث عن تبلور صفقة التبادل وبعد التهديدات بحل الحكومة، بدأ الوزير بن جفير بخطوة جديدة تمثلت بالتوجه إلى قاعدة الليكود في محاولة لزيادة المعارضة للصفقة.  وفي إطار الحملة تم إرسال 5 ملايين رسالة نصية قصيرة تحت عنوان "السنوار أطلق سراحه أيضاً في صفقة شاليط". وجاء في الرسالة الكاملة أيضاً: "قل لا لصفقة غير شرعية. وقع الآن". وفي وقت لاحق من الرسالة، يتم إرفاق رابط للتوقيع على نوع من الالتماس ضد الصفقة.

وطبعاً هذا غيض من فيض المعارضة اليمينية التي يرغب بها نتنياهو لمقترح باريس. وبأمل أن تظهر الأيام ما كان خافياً.

 

*كاتب صحفي من غزة