Menu

سلاح التجويع حاضرًا في العدوان: لا لبقاء المزروعات

أحمد زقوت

خاص_ بوابة الهدف الإخبارية

استخدم الاحتلال "الإسرائيلي" التجويع كسلاح حربٍ ضد الأهالي في قطاع غزة خلال عدوانه في السابع من أكتوبر الماضي، إذّ تحولت المساحات الخضراء والأراضي الزراعية إلى مساحاتٍ قاحلة وجرداء بفعل تجريفها من آليات وجرافات الاحتلال العسكرية، ما نجم عن ذلك انتشار المجاعة في القطاع، نتيجة النقص الحاد في الغذاء خصوصًا مع حرمان الاحتلال الأهالي من المساعدات بمنع دخولها.

وتتركز الأراضي الزراعية التي يعتمّد عليها معظم سكان غزة في المناطق المحاذية للسياج الأمني "الإسرائيلي" في شرق القطاع وشماله، حيث يمنع الاحتلال المزارعين من الوصول إلى أراضيهم منذ شن عدوانه قبل أكثر من 11 شهرًا، إلى جانب الاستهداف المباشر لهم ما أدى إلى استشهاد وإصابة عدة مزارعين.

تجريف وقصف

المزارع محمد شلحة (35 عامًا)، جرفت آليات الاحتلال أرضه الزراعية الواقعة في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، يروي لـ"بوابة الهدف الإخبارية" ما حلّ بأرضه، قائلًا: "لم يترك جيش الاحتلال بأرضي البالغة مساحتها دونمًا لا شجر ولا زرع، فقد كانت قبل الحرب خصبة ومليئة بأشجار الخضراوات والفواكه، مثل الطماطم، والبطاطا، والفلفل الأخضر، والليمون، والبرتقال، والخوخ وغيرهم الكثير من الأصناف".

ويضيف شلحة بحزن، أنّه تكبد خسائر فادحة، لأنّ الاحتلال حوّل مساحة أرضه إلى رمال قاحلة، حيث جرفها وبنى سواتر ترابية بدلًا من الزرع والأشجار التي كانت مزروعة، مشيرًا إلى أنّه "في بداية الحرب قصفت الطائرات الحربية معظم الأراضي والدفيئات الزراعية، ما أجبر المزارعين على إخلاء أراضيهم عنوة حفاظًا على أرواحهم".

ويلفت شلحة، إلى أنّ معظم المزارعين منعوا من دخول أراضيهم لأنّ نيران الاحتلال تلاحقهم، وهو ما أدى إلى خسارة مصدر رزقهم الوحيد الذي يعتمّدون عليه في توفير احتياجات عائلاتهم من بيع المزروعات التي تنتجها أراضيهم، مبينًا أنّ الاحتلال استهدف الإنتاج الغذائي في القطاع بشكل ممنهج بتدمير المحاصيل الزراعية بالقصف والتجريف، تنفيذًا لهدفه المتمثل في تجويع السكان وحرمانهم من أبسط مقومات حياتهم وهو الطعام.

ففي الوقت الذي تمتلئ فيه الأسواق العربية من شتى أصناف الخضروات والفواكه، يعاني المواطن الغزي من مجاعة حقيقة، حيث لا يجّد شيئاً يسد رمقه ويكسر حدة جوعه، بسبب منع الاحتلال دخول المزروعات المختلفة إلى القطاع خصوصًا المناطق الشمالية فيه.

الجوع القاتل

يصف المواطن محمود الحلبي (28 عامًا) الوضع في القطاع بـ "المأساوي"، معبرًا عن حجم المجاعة التي يعاني منها سكان القطاع، بالقول: "عمره الناس في غزة ما جاعوا، لكن هذه الحرب مختلفة تمامًا، فلم يجوعوا فقط بل ماتوا وزهقت العديد من الأرواح بسبب الجوع، ففي شهر فبراير الماضي وقعت مجزرة على دوار النابلسي، تلاها مجزرة الكويت للحصول على الطحين، ما خلف عددًا من الشهداء والجرحى".

ويوضّح الحلبي، لـ "بوابة الهدف"، "أذهب إلى السوق لشراء أي شيء يمكنه سد جوع أطفالي الذين يشتهون أي نوع من الفاكهة أو الخضرة، لكنني أرجع إلى بيتي المدمر جزئيًا خائب، لأنني لم أجد في السوق أي شيء سوى المعلبات التي توفرها بعض المؤسسات الإغاثية بالتنسيق مع الاحتلال"، لافتًا إلى أنّ أطفاله الصغار يبكون عند تناول المعلبات لأنّهم يأكلوها لما يقارب من عام ولم يحصلوا على أي طعام صحي مثل الخضروات والفواكه.

ويؤكّد أنّ "المجاعة مستمرة وليس كما يدعي الاحتلال أنّه يدخل الغذاء والطعام إلى سكان غزة، فهو يدخلها بكميات محدودة لا تكفي ليومين أو ثلاث فقط للمواطنين"، مشيرًا إلى أنّ محاولات ومخططات الاحتلال بتهجير أهل القطاع من خلال التجويع لن تنجح، لأننا متشبثين في أرضنا ووطننا ولا بديل عن ذلك إلا الموت بكرامة، وفق الحلبي.

الاحتلال يستخدم التجويع كسلاح

من جهته، أكّد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنّ الاحتلال أخرج أكثر من 75% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة، مبينًا أنّه منع إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية في إطار تكريسه للمجاعة واستخدام التجويع كسلاح حرب، ضمن جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي في بيانه، أنّ قوات الاحتلال عملت بشكل منهجي منذ بدء هجومها العسكري في أكتوبر الماضي على تدمير منهجي وواسع النطاق للأراضي الزراعية ومزارع الطيور والمواشي بنمط واضح ومتكرر؛ بهدف تجويع سكان القطاع وحرمانهم من السلة الغذائية من الخضار والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، وجعل أمر نجاتهم مرهونًا بالقرار "الإسرائيلي" بإدخال أو منع إدخال المساعدات الإنسانية.

وأشار إلى أنّ الاحتلال جرف ودمر جميع الأراضي الزراعية على امتداد السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة وشماله بعمق يصل إلى قرابة 2 كيلو متر، وبذلك تكون أخرجت ما يقارب من 96 كيلو متر مربع، في محاولة لضمها بالقوة بما يخالف قواعد القانون الدولي، يضاف إليها نحو 3 كيلو متر مربع، جراء شق طريق ومنطقة عازلة تفصل مدينة غزة عن وسطها من محور نتساريم، مبينًا أن هذه المساحة تمثل نحو 27.5% من مساحة القطاع.

وشدد الأورومتوسطي، على أنّ حق الوصول إلى الغذاء والمياه والصرف الصحي هو حق إنساني معترف به دوليًّا، وهو حق أساسي لضمان صحة السكان والحفاظ على كرامتهم، ولا يمكن تحقيقه إلا من خلال وقف جريمة الإبادة الجماعية ورفع الحصار بوصفه عقابً جماعيًّا وجريمة حرب، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القطاع الذي بات غير قابل للحياة على كل الصعد، مطالبًا المجتمع الدولي بالتدخل الفوري والجاد لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في القطاع، وللضغط عليه أيضًا لضمان دخول المساعدات الإنسانية  بما يشمل دخول العناصر الأساسية الغذائية وغير الغذائية الضرورية للاستجابة للكارثة الصحية والبيئية بشكل فوري وآمن وفعّال، بما في ذلك إلى شمال قطاع غزة.

بدوره، اتهم مقرر الأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري، الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ "حملة تجويع" ضد الفلسطينيين أثناء حربها على قطاع غزة، التي دخلت شهرها الثاني عشر على التوالي، مؤكدًا أنّ "الاحتلال استخدم المساعدات الإنسانية كسلاح سياسي وعسكري لإلحاق الأذى وقتل الشعب الفلسطيني في غزة".

وقال فخري، في تقريره، إنّ حملة التجويع "الإسرائيلية" بغزة بدأت بعد يومين من حربها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والتي خلفت حتى الآن أكثر من 135 ألف بين شهيد وجريح ومفقود فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، مضيفًا أنّ غالبية المساعدات المحدودة التي دخلت إلى غزة ذهبت في البداية إلى جنوب ووسط القطاع، وليس إلى الشمال حيث أمر الاحتلال الفلسطينيين بالتوجه إلى هناك.

وأشار المقرر الأممي، إلى أنّه "بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2023، أصبح الفلسطينيون بغزة يشكلون 80% من سكان العالم الذين يعانون من المجاعة أو الجوع الكارثي"، لافتًا إلى أنّ "هذا الوضع لم يحدث في تاريخ الحروب السابقة أن جاع شعب ما بهذه السرعة وعلى هذا النطاق الواسع كما حدث مع 2.3 مليون فلسطيني في غزة".

ولفت فخري، إلى أنّه منذ بدء الحرب، تلقى تقارير مباشرة عن تدمير النظام الغذائي في القطاع، بما في ذلك الأراضي الزراعية وصيد الأسماك، وهو ما وثقته واعترفت به منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) وغيرها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ حملة التجويع بحق أكثر من مليونَي مواطن، والمتواصلة لأكثر من 345 يومًا، تحديدًا في محافَظَتَي غزة والشمال؛ بدأت بإعلان رسمي من وزير حرب الاحتلال "يوآف غالانت"، وذلك بفرض إجراءات حصار مشدد على غزة، تم خلاله منع الماء والغذاء والدواء والوقود والكهرباء عن القطاع في جريمة بشعة غير مسبوقة.