بعد الترحم على أرواح الشهداء الذين قضوا تباعاً في مجزرة البيجر 17 -9 ومجزرة أجهزة اللاسلكي 18-9 ومجزرة الضاحية 20-9 ، التي راح ضحيتها ارتقاء قائد عمليات حزب الله "جواد عقيل" والقائد الميداني في قوة الرضوان "أحمد وهبي" و 14 مقاتلاً من حزب الله إضافة إلى 14 شهيدا وعشرات الشهداء والجرحى من المدنيين اللبنانيين ، حان الوقت والوقت من دم، أن ينتقل حزب الله من قواعد الاشتباك وحرب إسناد قطاع غزة ، إلى ما هو أكثر من ذلك ، بعد أن مزق العدو الصهيوني كافة الخطوط الحمراء.
لست وليس أي مراقب هنا ، بصدد توجيه قيادة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله لما يجب عمله حيال مواجهة الاختراقات الأمنية ، ولما يجب عمله حيال هذه التطورات والضربات الأمنية اللاحقة، فالحزب بالتأكيد سيتخلص الدروس بهدف معالجة الخلل الأمني ، ويعرف كيف يرد ومتى سيرد على مجزرة الضاحية وعلى مجزرتي البيجر واللاسلكي ، التي استهدفت بشكل سافر المدنيين في لبنان ،وأدت إلى ارتقاء وإصابة ما يزيد عن 3000 مواطن من بيئة الاحتياط المقاتل لحزب الله ومن حاضنته الاجتماعية ومن مؤسساته الطبية والخدمية.
إذ إنه رغم اعتراف الأمين العام للحزب بخطورة الضربات المؤلمة وفداحتها قائلا " في الحروب يوم لك ويوم عليك" ، ورغم تصريحه بأن مجازر البيجر واللاسلكي غير مسبوقة في تاريخ الصراع ،إلا أنه رفع قفاز التحدي في وجه نتنياهو بتأكيده على ثوابت لن يتزحزح الحزب عنها قيد أنملة عنها ، وعلى رأسها : أن الحزب لن يمكن المستوطنين من العودة إلى مناطق الجليل ، وأن المنطقة الأمنية العازلة في الجليل التي صنعها الحزب بقواته وانتصاراته ستظل قائمة ، وأن جبهة الاسناد لقطاع غزة ستظل قائمة ، وأن السبيل الوحيد إلى إعادة المستوطنين إلى شمالي فلسطين المحتلة هو وقف العدوان على قطاع غزة والضفة الغربية، مؤكداً على أن مراهنة العدو على كي وعي حاضنة حزب الله فشلت فشلاَ ذريعاً.
ولم يكتف رد نصر الله على التأكيد على ثوابت الحزب الأساسية، بل هدد بالرد بقوله :"أنّ مجزرتي الثلاثاء والأربعاء، اللتين نفذهما الاحتلال الإسرائيلي ضد لبنان، هما "تجاوُز لكل الضوابط والأخلاق"، وتُعَدّان بمنزلة "إعلان حرب"، مضيفاً أنّ ما حدث "سيُواجَه بقصاصٍ عادل وحسابٍ عسير، "ولن أتحدث عن وقتٍ ولا مكان فالخبر هو فيما سترونه لا فيما ستسمعونه، لأننا في الجزء الأكثر دقة وحساسية وعمقاً في المواجهة، ونحتفظ به في أضيق دائرة".
فحزب الله الذي توعد بالرد القاسي على مجازر العدو ، من حيث يحتسب أو لا يحتسب وأن القصاص العادل قادم لا محالة ، بدأ يرد بشكل متدرج منذ يوم 19 سبتمبر الجاري بتوجيه ضربات صاروخية هائلة لمستوطنات ومواقع العدو بواقع ضرب (31) موقعاً قياديا عسكرياً واستخبارياً للعدو خلال يومين، ومن ضمنها قاعدة الاستخبارات الرئيسية في المنطقة الشمالية( ميشار) المسؤولة عن الاغتيالات ، وقاعدة ميرون التجسسية ، ومقر قيادة اللواء 188 التابع للفرقة المدرعة 36 ، وإلحاق دمار هائل في المستوطنات وخاصة مستوطنة المطلة ، التي جرى تدمير 300 مبنى فيها ما يعادل نصف مباني هذه المستوطنة ، حيث امتدت عملياته على مساحة تزيد 100 كيلو متر من رأس الناقورة وصولاً إلى مزارع شبعا والجولان .
وتوعد حزب الله بالرد القاسي ، يقتضي - وفق العديد من الخبراء العسكريين - أن يشق مجرى أكثر عمقا ، خاصةً بعد استشهاد قادة كبار من قوة الرضوان ، وأن يتجاوز الحزب قواعد الاشتباك ، وأن يتجاوز مساحة الرد الذي امتد من صفد وطبريا إلى المنطقة الفاصلة بين خليج حيفا وعكا وصولاً إلى نهاريا ، لا سيما وأن قادة العدو أعلنوا أنهم تجاوزوا قواعد الاشتباك، وأنهم بصدد الاستمرار في توجيه الضربات لحزب الله وبيئته الحاضنة حتى لو أدت إلى حرب شاملة ، وأن مرحلة جديدة بدأت لا تراجع عنها من أجل إعادة المستوطنين إلى منازلهم في الجليل ، ومن أجل إعادة قوات الرضوان إلى ما وراء نهر الليطاني ، ومن أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 وفك الارتباط بين جبهة غزة وجبهة الاسناد في جنوب لبنان ، التي استنزفت الاحتلال عسكريا واقتصاديا وديمغرافياً
باختصار شديد : نتوقع وبالضرورة أن يضرب حزب الله بصواريخه الدقيقة تل أبيب ومنطقة غوش دان وسط الكيان الصهيوني وحيفا وما بعد حيفا ،وأن يضرب قواعد العدو الجوية التي تنطلق منها الطائرات الحربية الإسرائيلية ، لقصف قطاع غزة وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية ، إذ إنه بدون مثل هذا الرد سيتمادى العدو في تحقيق أهدافه المعلنة سابقة الذكر ، التي سيحملها نتنياهو إلى الأمم المتحدة ، والتي تتضمن أيضاً مقترحات يائسة وبائسة ، تتجاوز بنود صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني الواردة في ورقة 2 تموز (يوليو) ، وتتحدث عن فتح ممر آمن لخروج القائد يحي السنوار من قطاع غزة ، والإفراج عن كافة الأسرى الفلسطينيين لدى المقاومة ، وقيام إدارة مدنية في القطاع بإشراف أمني إسرائيلي بدون مشاركة حركة حماس .
خلاصةً نشوة نتنياهو بما حققه في الأيام السابقة ، وما طرحه من أهداف جديدة بتنسيق وبدعم أمريكي ، قابلة للسحق عندما يقوم حزب الله برده النوعي ، وعندما تتكامل الضربات من أطراف محور المقاومة من قبل المقاومة الإعجازية في قطاع غزة والضفة الغربية ، ومن قبل حركة أنصار الله والمقاومة العراقية ، وعندما تتجاوز إيران الصبر الاستراتيجي بتنفيذ وعد مرشد الثورة علي خامنئي بشأن الرد على اغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية ، بعيداً عن اللغة الهادئة والباردة لرئيس الجمهورية الإصلاحي مسعود بزشكيان ونائبه جواد ظريف.
بقي أن نشير إلى مسائل محددة أبرزها :
1-أن هذه الهجمة الإسرائيلية المتجاوزة لكل الخطوط الحمر في غزة والضفة ولبنان مردها أن العدو لا يزال يعيش مأزقاً وجودياً جراء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر المجيد ، وجراء استراتيجية حزب الله التي تستهدف البعد الوجودي للكيان الصهيوني ، وفي الذاكرة ما سبق وأن قاله نصر الله " سيأتي اليوم الذي ستغادرون فيه فلسطين المحتلة عمودياً وأفقياً".
2- أن إضعاف مقاومة حزب الله يضرب في الصميم قوة المقاومة وحركة حماس في قطاع غزة ، فحزب الله هو درة تاج وحدة الساحات ، وهو ليس مجرد عامل إسناد لغزة بل عامل دعم للمقاومة في مفاوضات وقف إطلاق النار.
3- أن حزب الله في معركته الإسنادية لقطاع غزة ، يدافع أيضاً وبشكل أساسي عن لبنان في مواجهة خطط العدو المبيت ضده.
4-أن المقاومة بحضورها النوعي العسكري الهائل في فلسطين ولبنان و اليمن والعراق قادرة على تعميق هذا المأزق، وإفشال استهدافات العدو من عملياته الإرهابية الأمنية في لبنان ، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن المقاومة هي الأخرى بكل أطرافها باتت هي الأخرى تعيش مأزقاً وجودياً ، في ظل تآمر معظم أطراف النظام العربي عليها واندغامها في المشروع الصهيو أميركي .
وأخيراً : نقول رغم تمكن العدو من تحقيق إنجازات تكتيكية في الأيام السابقة ، خاصة بعد تمكنه من اغتيال قيادات من الصف الأول في المقاومة الإسلامية ، ورغم عمليات القصف المستمرة لطائراته الحربية لمواقع عديدة في جنوب لبنان ، إلا إنه فشل وسيفشل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية ، لا سيما وأن ما حدث في مجازر البيجر واللاسلكي ومجزرة الضاحية ، لم يؤثر على دور المقاومة وحضورها في جنوب لبنان ولم يؤثر على منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات التي لا تزال تعمل بكفاءة استثنائية .
كما أنه رغم تبجحه بإنجازاته التكتيكية ، لن يتمكن من إعادة المستوطنين إلى الجليل لأنه لا يجرؤ على شن حرب برية ، تمكنه من إعادة قوات المقاومة إلى ما وراء الليطاني ، بحكم عدم جهوزية وإمكانية قوات الاحتلال للقيام بهذه المهمة.