إنها لحظة تاريخية، بكل ما تعنيه الكلمة، تلك التي رأينا فيها بأم أعيننا السماء وهي تَبرق رعدًا بالصواريخ القادمة من إيران؛ رأس محور المقاومة، والمقاومين الخُلّصُ الميامين، خاصة وأن العدو انفلت عقال إجرامه، إلى أبعد مدى وأوسع مما كان يتوقع الكثير أو القليل ممن لا يفقهون.. إنها لحظة تاريخية فارقة وصادمة في آن، ورسالة تاريخية بالنار، بعد أن انتشى العدو ووصل به الزهو ما وصل، بعد ضرباته المؤلمة والموجعة التي وجهها، للعديد من قوى المقاومة، ولبنان منها بالذات، إنها رسالة بالنار، تقول: أن محور المقاومة ورأسه بالذات، لم ولن يتخلى عن وحدة ساحاته، ولن يعطي للعدو فرصة؛ أن يستفرد بأحدها، مهما طال عمر عدوانه، أو اتسعت فاشيته، وتَرجَمَ أيديولوجيا القتل والإرهاب والإبادة التي يجيدها، منذ تأسيسه، إن لم يكن قبل ذلك بسنين، منذ أن تحالف بعض قادة مشروعه مع النظام النازي، ومارسوا معًا هولوكست عصرهم، الذي يريدون تحميل؛ العرب ومنهم الفلسطينيين على وجه الخصوص، مسؤوليته منذ سنة ١٩٤٨، بإنشاء دولة الكيان الصهيوني على أنقاض أصحاب الأرض الأصلانيين، وممارسة هولوكست التهجير والإبادة الجماعية والتطهير العرقي؛ المستمر طوال العصر الحديث والمعاصر، بحق أمتنا العربية ومنها شعبنا الفلسطيني، على أرضية حلمهم "التوراتي" الذي ليس أكثر من أساطير الأولين. ورسالة بأن زهو العدو بقوة ردعه، مهما بلغ، سيرتد عليه، بقوة الرعب الذي يجسده المحور؛ المستند إلى قاعدتي الدفاع عن النفس والحق، بالاسناد ومبادرة الهجوم الذي يجب أن يستمر، بحيث لا نعطي للعدو، مجالًا لالتقاط أنفاسه أو امتلاك زمام مبادرة مُباغتة القتل والاغتيال والإجرام، بحق المقاومة والمقاومين. ورسالة بأن المحور لن ولم يخشَ كل التهديد والوعيد الذي أطلق ضده، من كل حلف العدو من عجم وعرب، وأنه لا يفل الحديد إلا الحديد، وهنا موقع الياسين والبتار والغول والفادي والقادر وفتاح والبالستي المجنح والفرط صوتي والطيران المُسير؛ جائبًا سماء وربوع فلسطين؛ داكًا، حصون المعتدين، وهتا يجب أن تكون رسالتنا الواضحة: استمروا في الهجوم، فهنا وعد النصر الصادق للصادقين. ورسالة أن المقاومة هي خيار شعوب الأمة كلها، من طنجة الرفض إلى ولجة فلسطين، ومن صنعاء العرب إلى وهران الثورة ضد المحتلين، والتي أخرجتهم منها بعد طول سنين، وأن عمر العدو مهما استطال هو أقصر من عمر الشعوب التي تخضع للمحتلين، أو تغدوا سقائين وحطابين كما يريدون لنا أن نغدوا ولو بعد حين، هنا رمزية فلسطين، التي تعادل الحرية والعدالة الإنسانية والسلام الذي لن يتحقق إلا بالقتال الذي لا يلين أو يستكين. ورسالة معنوية، عنوانها أن شِقوا طريقًا للفرح، رغم كيد المعتدين، ولا تتركوا مجالًا لاحتلال إرادتنا ومعنوياتنا، من بوابة احتلال عقولنا، وهذا ما رأيته بأم عيني في فرحة/معنويات أهلي في غزة فلسطين التي ضجت بها وجوههم، كما رأيتها في مآقي العيون؛ الباكية فرحًا، من وسط ألم مقيم.. والصادحة حناجر؛ صغارهم وكبارهم؛ رجالهم ونسائهم المنهكين، من حجم وهول العدوان والإبادة والتهجير؛ الصامدين والثابتين على نهج فلسطين؛ تهتف للسماء وهي تمطر رعدًا أحمر، قادم من المحور الذي يمثلنا؛ محور الواقفين على الحق والمدافعين عنه، ليس في وجه العدو الصهيوني وحلفائه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل في وجه الصهاينة العرب ومثلهم من الكتبة والمثقفين المأجورين أو المدفوعين أو السطحيين.. لتُعبّرَ غزة واهلها، عن ضميرها ووعيها الجمعي المقاوم، وأنها (أي فلسطين) بمسافة الثورة، كطريق أقصر للوصول للهدف الذي لم يختلف عليه الفلسطينيون، إلا من كانوا قصار قامة؛ قوميًا وإسلاميًا ووطنيًا؛ فكريًا وسياسيًا؛ من كامب ديفيد إلى الإبراهيميين؛ فجُندوا لصالح القتال ضد عروبتهم وإسلامهم وأرضها، وضد فلسطينيتهم وقضيتها، بسلاح النار والكلمة واغتيال الإنسان وهدر مقدرات أمتنا وتغييب الحقيقة والتلحف بالكاذبين... ولا يقل الضال ضد هؤلاء ضراوة عن النضال ضد المحتلين، بل قد يعدو أولوية توازي الأولى الثانية في النوع والدرجة معًا؛ كي نصل لحسم الصراع مع العدو الخارجي، بطريقٍ سليمٍ؛ طريق الثورة، الذي شقه سليل المقاومين الأوائل، وخطه غسان كنفاني بقوله الواضح، وضوح شمس الحقيقة التي يعرفها، من وقف في صف الفدائيين: "في الوقت الذي كان يناضل فيه بعض الناس، ويتفرج بعضٌ آخر، كان هنالك بعض أخير يقوم بدور الخائن"، واستمر الخط، بجرأة ناجي العلي؛ منقطعة النظير، في قذف حجارة حنظلة، ضد كل الخائنين، ولم يُسكت رسمه كما قوله، زيف/رصاص مدعي الثقافة والسياسة والتباكي على فلسطين، بالاصطفاف مع عدوها؛ من بوابة الهجوم على سراج أهلها المخلصين.
من وسط قطاع غزة المكلوم وأهله الذين تعرضوا لأبشع إبادة جماعية في التاريخ الحديث والمعاصر؛ والذي لم يكويه هول وحجم الإبادة والعدوان، كما أقلام وإعلام من يصطف معهم، من الطابور السادس الثقافي؛ غزة خزان الثورة الفلسطينية المستمرة، التي لم ولن يطوي صفحة مجدها لا باغٍ ولا طاغٍ ولا مأجور سفيه.. إنها غزة؛ المنعة والعزة ودرب النصر والتحرير ورأس حربة وحدة العرب، التي بوابتها فلسطين؛ التي كانت وستبقى قضيتهم الأولى على مر السنين.. من غزة، كل مجد وتحية عز؛ لمن يقف ويصطف مع فلسطين.