أقر كنيست الاحتلال الاثنين الماضي، بشكل نهائي، بالقراءتين الثانية والثالثة، قانونًا يحظر نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، داخل الكيان الصهيوني.
ويهدف القانون الذي قدمه عضو الكنيست بوعز بيسموت، إلى "منع أي نشاط للأونروا في أراضي دولة الكيان، وينصّ تشريع الاحتلال على "ألّا تقوم أونروا بتشغيل أي مكتب تمثيليّ، ولن تقدم أيّ خدمة، ولن تقوم بأي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الأراضي المحتلة.
هذا القرار لم يكن مفاجئًا، فالهجمات التي تتعرض لها (الأونروا) من قبل الاحتلال الصهيوني ليست جديدة، بل تعكس سياسة ممنهجة لطالما اتبعتها "إسرائيل" ضدها، وقد تزايدت هذه الهجمات بشكلٍ ملحوظ بعد عدوان الاحتلال على قطاع غزة الذي بدأ في السابع من أكتوبر في العام الماضي 2023، حيث زعم جيش الاحتلال بأنّ عددًا من موظفي الأونروا شاركوا في معركة "طوفان الأقصى".
عمدت "إسرائيل" إلى استهداف الأونروا منذ بداية الحرب، واستهدفت مراكزها والمدارس والعيادات ومراكز النزوح التي تُنشئها وتُشرف عليها، حيث قال المفوض العام لـ"الأونروا" فيليب لازاريني، إنّ أكثر من 70% من مدارس الوكالة في قطاع غزة، قد دمّرت أو تضررت، وهذه الهجمات أدت إلى استشهاد 207 من العاملين لدى الأونروا وذلك بحسب حصيلة رسمية أصدرتها الوكالة في 19 آب/ أغسطس الماضي.
وفي تعقيب الوكالة على قرار الحظر أصدرت بيانًا قالت فيه إنّها تعمل بتفويض من الأمم المتحدة يتم تجديده كل 3 سنوات، ولن تأخذ تفويضًا من "إسرائيل"؛ لأنها ليست تابعة لها ولا تعمل بأمر منها، مضيفة أنّ أحد الأسباب التي دفعت الاحتلال إلى تعليق عمل الوكالة في القدس ، أن "لديها اعتقادًا بأنه بتصفية الوكالة ستتم تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك تصفية الحل السياسي".
هذا القرار حظى بإدانة واسعة من الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الحقوقيّة المحليّة والدوليّة، معتبرين أنه انتهاكًا للمواثيق والقوانين الأممية والدولية.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أكدت أنّ قرار الاحتلال بحظر أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) هو جريمة تعبِّر عن تغوُّل الاحتلال على المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، برعاية وشراكة أمريكية، مستفيدًا من صمت المجتمع الدولي على جرائمه وسياساته الإرهابية.
وشددت الجبهة على أنّ إصدار هذا القرار يأتي كنتيجة للدعم والشراكة الأمريكية الكاملة مع الاحتلال في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وهو جزء من حرب الإبادة على شعبنا بكل مكوناته، وأداة جديدة يستخدمها الاحتلال في تنفيذ سياسات التطهير العرقي وتصفية الوجود الفلسطيني.
من جانبها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، إنّ قرار "الكنيست الإسرائيلية" حظر عمل (الأونروا)، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع في قطاع غزة، لافتة إلى أنه لا توجد منظمة أخرى قادرة على الوصول إلى الأطفال والعائلات المحتاجة، أو تزويد المستشفيات والمراكز الصحية بالطواقم الطبية، والمدارس بالمعملين، كما وصفت الحياة في غزة بالصعبة للغاية، مؤكدة أنها ستصبح شبه مستحيلة إذا تم منع عمل الأونروا.
المتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" عدنان أبو حسنة قال إنّ "القرار يُعتبر غير مسبوق تاريخياً، حيث أنّ دولة عضو في الأمم المتحدة تمنع إحدى أكبر منظمات الأمم المتحدة، وهي الأونروا، من العمل في المناطق ذات "السيادة الإسرائيلية"، مشيرًا إلى أنّ "الاحتلال لا يسمح منذ فترة لموظفي الأونروا بالدخول إلى القدس والضفة الغربية وقطاع غزة".
وأضاف أبو حسنة خلال حديثه لـ"الهدف الإخبارية"، أنّ "من شأن هذا القرار أن يدفع العمليات الإغاثية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى أنظمة الصحة والتعليم، إلى حافة الانهيار"، مشيرًا إلى أنّ "الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيرتش" سيتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لوضع الحقائق أمامها".
ولفت أبو حسنة إلى أنّ "مجلس الأمن الدولي أصدر اليوم بيانًا أكّد فيه على الدور الحيوي الذي تلعبه (الأونروا) في تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة للاجئين الفلسطينيين، وأنّ الأونروا تظل العمود الفقري لجميع الاستجابات الإنسانية في غزة، ولا يمكن لأي منظمة أن تحل محل قدرة الأونروا وتفويضها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين".
وقال الموظف في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" يوسف شهاب الذي يعمل مشرفاً في إحدى مراكز النزوح التي تُقيمها الأونروا، إنهم "يتعرضون منذ بداية عدوان الاحتلال على قطاع غزة لهجمة متعمدة من الاحتلال، حيث كانت مراكز الأونروا هدفاً دائماً للاحتلال، مما جعلنا نشعر بعدم الأمان وأننا دائماً في دائرة الاستهداف، ومع ذلك نؤكد أننا مستمرون في عملنا ونتخذ قراراتنا بشكل مستقل بعيداً عن ضغوط الاحتلال".
وأشار شهاب خلال حديثه لـ"الهدف الإخبارية"، إلى أنّ "الاحتلال الصهيوني لن يقبل أن تبقى وكالة أممية مثل الأونروا مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني وتدعم حقه في الأرض"، لافتًا إلى أنّ "وجود الأونروا يؤكد على أنّ "إسرائيل" دولة احتلال للأراضي الفلسطينية، ولولا هذا الاحتلال لما كانت هناك حاجة لوجودها".
كما لفت شهاب إلى أنّ "الأونروا" تتمتع بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقرار الاحتلال بحظر نشاطها يشكّل انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة، واعتداءً على وكالاتها ومنظماتها، وعلى الأعراف والاتفاقيات الدولية.
اللاجئ الفلسطيني سعيد مصطفى، أكّد أنّ "الأونروا تقوم بدور حيوي في إغاثة النازحين، حيث تقدم الدعم اللازم من خلال توفير مراكز الإيواء وتوزيع الطحين والطرود الغذائية"، مشيرًا إلى أنّ "هذه الجهود تعكس التزام الأونروا بتلبية احتياجات النازحين وتخفيف معاناتهم في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها".
وشدد مصطفى في حديثٍ لـ"الهدف الإخبارية"، على أنّ "الاحتلال يسعى إلى تجويع الشعب الفلسطيني في سياق التهجير القسري الذي يحاول فرضه على أبناء شعبنا".
جدير بالذكر، أنّ "الأونروا" تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمس، الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة.
هذا القرار ليس الأول، ولن يكون الأخير في سياسة الاحتلال الرامية إلى التضييق على الشعب الفلسطيني وعلى كل من يمثل حقوقه أمميًا أو دوليًا، وسيستمر الاحتلال في مساعيه للتضييق على الأونروا، كونها الإثبات الدولي الرسمي الأول على احتلال الأراضي الفلسطينية.