Menu

لنضع حداً لهذا الاختفاء

مروان عبد العال

الشهيد نضال عبد العال

موقع أكاديمية دار الثقافة

نحبك أيّها المحارب المثقف الجميل ، وأنت  من ثابر وعاند وتعلّم وعلّم، من فكر وكتب وقرّر ونفذ، الانسان الجريء و المتفائل الحذر و المتفاني المرح، والقائد الذي يقرأ يترجم ويفعل  ويقتفي  أثر    مسيرة  كل  الذين  وهبوا  انفسهم  لأقدس وأنبل  وأعظم  قضية  في هذا العالم. 

لقد  اجتاز   بجدارة  عبء  المسافة الهائلة  في سباق النضال،  وتحمل في أقسى الظروف  أثقل المهام،  فالقضية بالنسبة لك وعي وإلتزام وصراع إرادات وليست مجرد خرافة و لغو فارغ،  إنّها  سباقٌ مرير  وشائك و طويل الأمد ، والمسؤولية عنده  واجب اخلاقي ووطني،  فكان في مرتبة  الصف الاول من المعركة،  وبرتبة عشق وشرف ومبدأ  وموقف  مدروس  ومتين  بصلابة الصخر لا يلين ، وعنفوان البحر  الذي  أحبّه، كم يشبهه بغضبه وموجه وصفائه، وحين كتب على شواطئه  أحلامه الشاخصة  دوماً  نحو  الأفق  البعيد الممتد نحو الشمس،  ولم  يقنعه أكثر من الوصول  الى  خط النهاية. 

ظل  دوماً  في حالة يقظة  وتأهب، لشيء  قادم، فلا  يؤجل عمل اليوم  الى الغد أبداً، لا يهمل ولا يهدأ، لا يضيع   لحظته  الحالية  بكل ما فيها من ضحكات و مزاح  ومسرات صغيره و تفاصيل مشوقة.

لمن لا يعرف كم جمعنا حب الأهل والحارة  وأولادها  وناسها،  فالمخيم  واحد  من أسرارنا العائلية، حين نلتقي هناك أخاله في قمة سعادته،  وعلى عجل يسرق  الوقت  المقتطع   لتعويض التواصل  مع  كل من عرفتهم. ومنعتك الظروف من التواصل الاجتماعي والعائلي والرفاقي. المخيم كان استراحة محارب  لوصل ما انقطع  قسراً،يحتفل باللّقاء  كأنها فرصة ضائعة  متمسكاً بها  بالقدر  الممكن ويرسم المتعة على كل الوجوه.

ومهمتي المعتادة  طمأنة الأهل عليه،  ولكن وفي اليوم الذي سبق الحدث، غامر   بالاتصال بي  يسأل عن  خصوصيات الظرف الذي نمر به، عن "حرب الجيل الرابع" التي ناقشناها كثيراً، وكيفية  التعامل معها فهي أمامنا.  استجمع فيها  كل ما أوتي من قوة  وغضب ولوم  وأن مواجهة هذا  النوع  من الحروب  أن  أسمع   تحذيره  ويلوم تأخري  في تنفيذ المقرر  للانتقال الضروري للمكان الاكثر أماناً. وازداد صراخه  عندما  ادرك اني  كنت متردداً، وأن الأولوية تكون  له وليست لي.

فختم كلامه مطمئناً وأنه يتكلم في المكان المناسب والأكثر آمناً.

هكذا  تقرر أن تختفي مجدداً  ولكنك حظيت  بصحبتك في  الحياة  والنضال  والهدف  ليكونوا  ذاتهم   عماد  وعبودي ومن تبع  من رفاق الشهادة،  تعرف أنهم يعنون لي الكثير أيضاً، وحتماً  نشتاق للذين نحب أن نراهم  كالعادة،  لأصدقاء  الظروف  المختلفة و الذكريات الجميلة التي جمعتنا ، اعذرنا أن فشلنا في إدارة مشاعرنا، خاصة  عند لحظات في غاية الدقة ولكن سنظل ننتمى للحب ذاته،للعهد ذاته وللدرب ذاته ، و للأحبة  ذاتهم واتجاه  كل  من حولك، من  الطفلة التي أحببت،  ولطالما تجولت عاقدة اليدين تنتظر  عودتك، إلى الوالدة الجالسة على ردهة الدار تراقب مدخل الشارع، كي تستقبل حضورك و توزع علينا القبلات والدعوات والرضى.
 
يا نضال لم أعد أرغب في غيابك مجدداً، لتضع حداً لهذا الاختفاء ،وتخرج إلى العلن سائراً  في الضوء، ربما  تنكشف الحفلات التنّكرية و الشعارات الزائفة  ويختفي المتسلقون ..و تجدد حضورك.. روحاً وفكرة التي تكسر قيد  العزلة المقيتة.

أيها الحبيب اطمئن، لقد تعودنا  الحنين بدل  الحزن، و  ما تعوّدنا  أن نرثي البطولة أبداً، فالبطولة الاستثنائية المدهشة تليق بك  وبشعب استثنائي لذلك، فهي حيّة ترزق  و لم تمت كي ترثى ، هي على  قيد الحياة والأمل والبقاء، ونراك يومياً  على وقع  الرصاص و إشراقة الرجال والبنادق المشرّعة  في وجه الغُزاة .. وكما أوصيت مودعاً:

عذراً يا أحبتي لكل نضالٍ كلفة  ولكل  نصرٍ ثمن.