"لا يوجد شيء اسمه الضفة الغربية... إنها يهودا والسامرة." بهذا التصريح الحاد، افتتح مرشح ترامب لمنصب سفير واشنطن لدى الكيان الصهيوني، مايك هاكابي، مرحلة جديدة في العلاقات الأمريكية- "الإسرائيلية"، حيث وضع الأسس الإيديولوجية لما يُسمى بـ"صفقة القرن" التي تمهد الطريق لضم الضفة الغربية تحت السيادة "الإسرائيلية". هذه الرؤية التي تبناها هاكابي، لم تكن مجرد كلمات بل انطلقت لترسيخ واقع جديد قاده "بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سيموتريتش"، كل منهما مستندًا إلى قوة دفع أمريكية غير مسبوقة.
صفقة القرن: إحياء المشروع الاستيطاني بعد طوفان الأقصى
تصريحات هاكابي كانت بمثابة الضوء الأخضر لتسريع خطة الضم، التي وضعت أطرها منذ عام 2020 تحت مظلة صفقة القرن. ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ الكامل إلا بعد طوفان الأقصى، حيث استغل "سموتريتش" هذه اللحظة لتعزيز مشروعه الاستيطاني متذرعًاً بالأوضاع الأمنية المتدهورة. هنا، برزت رؤيته للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية كضرورة استراتيجية لـ "تأمين السيادة الإسرائيلية"، متبنيًا نهج الضم التدريجي أو ما يُعرف بـ "الضم الزاحف".
بدأت الخطط بالتركيز على منطقة E1""، المحورية في قطع التواصل الجغرافي بين القدس الشرقية وباقي الضفة الغربية، حيث دُعمت بموازنات ضخمة للبنية التحتية وشبكات الطرق. هذه الخطوة لم تكن مجرد توسع استيطاني بل إعلان صريح عن إنهاء فكرة حل الدولتين.
سيموتريتش والتشريعات: الضم عبر الأدوات القانونية
لم تكن السياسات الميدانية كافية، فجاءت التشريعات لتكمل مشروع "سموتريتش". أبرزها قانون "تقليص صلاحيات الإدارة المدنية"، الذي ينقل السلطات المدنية في الضفة إلى الوزارات "الإسرائيلية"، مُحدثًا بذلك تحولًا جوهريًا في واقع الضفة. ما يبدو قانونيًا هو في حقيقته إجراء يهدف إلى فرض السيادة "الإسرائيلية" عمليًا، مستغلًا الدعم الأمريكي الذي وصل ذروته مع تصريحات هاكابي وتوجيهات ترامب.
هذه التشريعات لم تتوقف عند الضم بل تجاوزت ذلك إلى تقويض الوجود الفلسطيني عبر قوانين تُشرعن مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات. هذه القوانين، وإن بدت بيروقراطية، تحمل في طياتها استراتيجية لإضعاف الفلسطينيين ودفعهم نحو التهجير القسري، وهو ما وصفه "سموتريتش" بـ"الحل النهائي للصراع الديمغرافي".
التصعيد الأمني: الضم تحت غطاء "الردع"
التصعيد الأمني كان السلاح الأكثر وضوحًا في يد "سموتريتش". بعد طوفان الأقصى، ازدادت الاقتحامات والهجمات على المدن الفلسطينية، مُسندة بدعوى "تأمين المستوطنين". هذه السياسة الأمنية جاءت لتكمل رؤية الضم، حيث تم إحكام السيطرة العسكرية وتكثيف الحواجز، مما عمّق من معاناة الفلسطينيين وحوّل حياتهم اليومية إلى كابوس مستمر.
"سموتريتش"، من خلال هذه الإجراءات، لم يسع فقط إلى قمع المقاومة الفلسطينية بل إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، في إعادة تدوير للمشروع الصهيوني القائم على الإحلال السكاني.
خاتمة: مقاومة الضم والتحولات الدولية
بين تصريحات هاكابي ودعم ترامب من جهة، وتحركات "سموتريتش" ونتنياهو من جهة أخرى، يبدو المشهد الفلسطيني أمام تحديات غير مسبوقة. الضم لم يعد مجرد خطة على الورق، بل تحول إلى واقع يتطلب مواجهته استراتيجيات مقاومة شاملة تتجاوز الخطابات التقليدية. ومع استمرار هذا الزحف الصهيوني، تبقى المقاومة الفلسطينية، بشتى أشكالها، حجر الزاوية في كبح جماح هذا المشروع الإحلالي، في معركة وجودية تتطلب دعمًا دوليًا وقانونيًا حقيقيًا يعيد الاعتبار للحق الفلسطيني المسلوب.