Menu

لا تموتوا فُرادى

من مكان استشهاد محمد الفقيه

لساعاتٍ طوال قاتل الشهيد محمد الفقيه في وجه الآلة العسكرية الصهيونية، قبل أن ينفّذ وعده المقاوم، لا استسلام ولا انكسار، وقتال حتى الشهادة، ولساعاتٍ أطول واصل الفلسطينيون ذكر مآثر الشهيد وبطولته، فيما أعلن الاحتلال انتهاء عملية إغلاق الحساب مع منفذي عملية "عنتائيل".

وبدون شك فإنّ أي حالة بطولة فردية تشكل نموذجًا يغذّي الوعي العام بإمكانية مقارعة الاحتلال وهزيمته، فيما أسماه العديد من المناضلين ذات يوم " قوة المثل" أي ذلك البطل الذي سيسعى الكثيرين لاكتساب صفاته وجلده وشجاعته واستعداديته للتضحية، ويسهم بنهايته البطولية بإنتاج عشرات أو مئات وربما آلاف من النماذج النضالية.

لكن الأكثر تأكيدًا هو أنّ نماذج البطولة الفردية إن قلت أو كثرت لا يمكن أن تحمل لوحدها مشروع تحرر وطني لإلحاق الهزيمة بالاحتلال بكافة تمظهراته، هذا كان الداعي الأساسي لتشكل حركات المقاومة في كل أرض عانت من ظلم أو احتلال، ولانتظام هذه الحركات في أطر وطنية جامعة، تتغلب بها على الفوارق الأيديولوجية وتوحد جهودها في مواجهة أعدائها.

نكوص كبير شهدته الحالة النضالية الفلسطينية في وجه الاحتلال عن ذلك الشوط الطويل الذي قطعه الفلسطينيون لتطوير وتنظيم نضالهم، ففي حالة أخرى يقف الأسير بلال كايد ليشتبك مع الاحتلال في خندقه المتقدم من زنزانة سجنه، ويتضامن معه رفاقه من أسرى الجبهة الشعبية، ليخبرنا هذا النموذج عن مدى التراجع الذي ألم بالحركة الوطنية الأسيرة، التي اعتادت فيما سبق خوض معاركها الجماعية في وجه الاحتلال بإرادة وطنية موحدة، وكذلك التراجع الذي ألمَّ بالمشهد الفلسطيني ليقتصر التضامن الجماهيري على عناصر الجبهة الشعبية وبضعة من وطنيين مخلصين ومهتمين بقضايا الأسرى، وليقتصر دور الفلسطيني كذلك في حالة الشهيد محمد الفقي على متابعة اخبار صموده والاشادة ببطولته.

فيما مضى وفي فترات عافية النضال الوطني الفلسطيني وقواه الحية، كانت تجارب صمود وبطولة مثل هذه تتحول لفرصة لتوسيع دائرة الاشتباك مع المحتل، والالتحام الجماهيري مع المناضلين، بهذا النمط المتلاحم خاض الفلسطيني انتفاضته الأولى، وتجارب صموده الجمعي، ليجبر الاحتلال في مرات عدة على التراجع او ليربك حساباته ويستنزفه.

إعلان الانتخابات المحلية لا يشكل مناسبة ديمقراطية فلسطينية فحسب، بل يشكل فرصة للنظر لحجم الترهل والعجز الذي أصاب الأجسام والمؤسسات الفلسطينية، ولاستذكار أنّ تلك الاتحادات والمؤسسات الشعبية التي كانت رافدة للعمل الجماهيري والحشد الوطني قد تكلست، وباتت عاجزة عن القيام بدورها، فحدث كاستشهاد محمد الفقه أو صمود بلال كايد، كان كفيل بخروج مسيرة مثل تلك المسيرة النسوية التي قادتها المناضلة خالدة جرار في مدينة البيرة المحتلة ابان انتفاضة العام 1987.

هذا التكلس بجانب الانقسام والتناحر الفلسطيني الفلسطيني، وكذلك فقدان الجماهير للأمل والإيمان بقدرتها الذاتية على هزيمة الاحتلال، وفقدان الإيمان بهذه القدرة للقوى الفلسطينية المنفردة، بات يلزم هذه القوى اليوم بإعادة حساباتها واستخلاص العبر حول تضاؤل القدرة الفلسطينية على العمل النضالي خصوصًا في شقه الجماهيري.

إنّ إعادة احياء النماذج النضالية الجمعية في وجه الاحتلال ضرورة وليس ترف، بما يصاحب هذه النماذج من زخم جماهيري، وإنّ التقليل من شأن الفعل الجماهيري ووضعه كمضاد أو مقابل لنظيره العسكري الكفاحي هو جريمة بحق القضية تتيح للاحتلال تعرية مناضلي شعبنا من حاضنتهم الجماهيرية، واستثمار اقصى طاقة لآلته الامنية والعسكرية في مواجهة هؤلاء المناضلين.

القوى الفلسطينية على اختلافها اليوم مطالبة بإعادة إيمان الشارع الفلسطيني وأمله في العمل النضالي، وهذا يتطلب الكثير من الجهد، سواء بإعادة طرح برنامج وطني موحد، أو بإعادة بناء الأجسام والمؤسسات الوطنية على أساس ديمقراطي دون فصل عملية البناء هذه عن عملية الاشتباك مع الاحتلال، هذه الضرورة تنبع من محاولات حثيثة يبذلها المشروع الصهيوني ومن تحالف معه لتصفية القضية الفلسطينية، في ظل تراجع وانهيار للموقف العربي يترك الفلسطينيين في العراء إن لم يتحول لضاغط عليهم، ما يلزم الكل الفلسطيني بزيادة وتثمير جهدهم الوطني كي لا تتم تصفية قضيتهم أو يقتل أبطالهم وأبنائهم فرادى.