Menu

دموع الرجال رقة في المشاعر أم نقطة ضعف

أرشيف

أحمد الشاذلي

التنشئة الأسرية تتحكم في بكاء الرجال، وشخصيته تشكل عاملا مؤثرا في ذرف الدموع وهي حالة طبيعية يمر بها كل إنسان.التنشئة الأسرية تتحكم في بكاء الرجال، وشخصيته تشكل عاملا مؤثرا في ذرف الدموع وهي حالة طبيعية يمر بها كل إنسان.

دموع الرجال الغالية التي لا تسقط بسهولة، هي مؤشر رئيسي على رقة القلب ورهف المشاعر وعلامات الإيمان، فليس معنى الرجولة أن تكون مشاعر الرجل جامدة كالصخر أو أن يكون الرجل صاحب قلب متحجر.

يؤكد أحمد خالد، مهندس معماري، أن صعوبة بكاء الرجل تفوق كثيرا سهولة بكاء المرأة التي تذرف الدموع في أيّ وقت ولأتفه الأسباب، فلكي لا يظهر الرجل ضعيف الشخصية يبكي في الداخل ويكتم مشاعره، ويقول عن نفسه: أنا لا أبكي أمام الناس، ودموعي لا يراها أحد حتى زوجتي لا تظهر دموعي أمامها، لأن هذه العملية صعبة للغاية، فإذا كانت دموع المرأة تخفّف عنها وتحسّن من حالتها النفسية، فإن دموع الرجل تفعل العكس تماما، وتسبّب له المزيد من المشاكل وتعكّر صفو حالته النفسية.

ويستنكر سيد علي، طالب جامعي، بكاء الرجال، مؤكدا أنه لا يجد شيئا يستحق أن يبكي عليه الرجل، وأعجب جدا من رجل يفشل في قصة حب فيعتزل الحياة، ويبكي ويسمع الأغاني العاطفية، هذه مظاهر ضعف مرفوضة، فالرجل لابد أن يواجه كل الأمور بقوة ولا يخاف من شيء.

ويضيف سيد عبدالحميد، مترجم ومرشد سياحي: أنا إنسان لي مشاعر وطاقة على التحمّل، ولست مجرد آلة أو مخلوق حجري، صحيح أن الرجل مطالب أن يكون الأقوى والأكثر تحمّلا، ولكن لا ينقص من رجولته أنه يبكي أحيانا، فهذا أمر طبيعي وربما يعطيه البكاء فيما بعد المزيد من القوة.

ويشير مصطفى متولي، مدرس ثانوي، إلى أن الصورة التي علّقت في الأذهان، وهي أن الرجل الذي يبكي إنسان ضعيف ولا يتحمّل متاعب الحياة، هي صورة مزيفة، وفي رأيي أنه يشعر بما حوله، وقد تكون الدموع بديلة على عمل غير مسؤول يؤدي إلى العنف والتحطيم، وهذا الأمر طيب وليس فيه أيّ عيب، ويؤكد أن المواقف هي التي تفرض على الرجل أن يفعل ذلك، ويجد دون أن يدري عينيه تبكيان، ويقول عن نفسه: إنه يبكي في أيّ وقت “لأن ذلك يخفّف عني”.

ويقول سيد جابر، أخصائي اجتماعي: إنه من الظلم أن نمنع الرجل من البكاء، لأنه عندما يبكي تكون الظروف أقوى منه، والبكاء لا يرتبط بقوة أو ضعف الرجل، وإنما هي حالة نفسية خـاصة رغم ما يتررد عن دموع الرجل الغالية.

*الطفل الذي ينشأ في أسرة يملأها الدفء، يكون أكثر استجابة للبكاء من الطفل الذي ينشأ في بيئة تتسم بالغلظة

أما الشيخ جمال زايد من علماء الأزهر، يقول: إن درجة إيمان الرجل كلما كانت قوية كان أسرع إلى البكاء، ولقد كان رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يبكي كثيرا من خشية الله، وكذلك أصحابه رضوان الله عليهم، وفي الحديث الشريف: عينان لا تمسهما النار، عين باتت تحرس في سبيل الله وعين بكت من خشية الله.

وقال الله تعالى في كتابه العزيز: “وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا عن الحق”، وقال تعالى: “إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا”، وكان من دعاء النبي “صلى الله عليه وسلم” اللهم إني أعوذ بك من عين لا تدمع ومن قلب لا يخشع.

يقول الدكتور حمدي إبراهيم أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إن مجموعة من الأسباب تؤثر في الرجل وترغمه على البكاء، وأول هذه الأسباب هو العوامل الفطرية وهي وراثية، والرجال في ذلك نوعان، الأول شديد الحساسية ويتأثر بالمواقف الانفعالية المختلفة، كالغضب والفرح والألم أو في حالات الفزع، والثاني على العكس تماما ويتميّز بكتمان المشاعر، ولا يتأثر بالمواقف الانفعالية المختلفة، ومن الصعب أن يرى أحد دموعه.

وأضاف: أن من العوامل المؤثرة طبيعة التنشئة الأسرية، فالطفل الذي ينشأ في بيئة أسرية يملأها الدفء، يكون أكثر استجابة للبكاء في المواقف الانفعالية من الطفل الذي ينشأ في بيئة تتسم بالغلظة والحرمان والمعاناة.

*الصورة التي علقت في الأذهان، وهي أن الرجل الذي يبكي إنسان ضعيف ولا يتحمل متاعب الحياة، هي صورة مزيفة

ويؤكد، أن هناك علاقة طردية بين البيئة وسرعة الأثر والاستجابة للبكاء، ويشير إلى عامل آخر يتعلّق بالمواقف والخبرات الحياتية، والتي يمر بها الفرد وتؤثر في درجة استجابته للبكاء، كلما كانت تلك المواقف مفعمة بالعاطفة الفيّاضة زادت الاستجابة للبكاء، خلافا للرجل الذي مر بمواقف وخبرات عنيفة وخالية من العواطف والرومانسية، حيث تكون استجابته للبكاء أقل وقد تنعدم نهائيا.

ويذكر الدكتور محمد يوسف أستاذ طب وجراحة العيون: أنه لا يوجد اختلاف في التركيب التشريحي لعين الرجل وعين المرأة يمكن أن يكون سببا في تأثر المرأة وبكائها، ويضيف قائلا: إن الاختلاف يكمن في مدى تأثر الأنسجة المكوّنة بالهرمونات، أيّ أنه فسيولوجي ونفسي، وحيث أن المرأة عاطفية أكثر من الرجل وأكثر تأثرا بالمواقف، يزداد لديها إفراز هرمون الأدرينالين والذي تفرزه الغدة الكظرية.

وأضاف: أن هذا الهرمون معروف باسم هرمون النجدة، تزداد نسبة إفرازه في حالات الخوف والغضب والفرح والحزن والانفعال، ويؤثر في إفراز الغدة الدمعية فتذرف الدموع، كما أن اختلاف الشخصية ذاتها له عامل مؤثر في ذرف الدموع، رغم أن دموع الرجل غالية، إلا أنها تدل على بعض من رقته وإيمانه وقلبه الكبير، وأنه شخص طيب القلب قادر على الاستجابة لكل المؤشرات الخارجية.

 

نقلاً عن: العرب