Menu

ملف الكيميائي 3: "صور فوتوغرافية وشهود عيان" أدوات إثبات؟

b803ede5-1dd9-4bce-9421-02e70e3246dc

الميادين نت

كما كان متوقعاً، حمل التقرير الرابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول استخدام السلاح الكيميائي في سوريا اتهاماً جديداً للحكومة السورية. ولكن اللافت كان في ما استند إليه هذا الاتهام. خلصت اللجنة إلى أنّ كل الأدلة تشير إلى مسؤولية القوات الجويّة السوريّة عن استخدام الكيميائي في قمنيس/إدلب (16 آذار 2015)، بعد اتهامها في التقرير السابق بشنّ هجومين كيميائيين في تلمنس 21 أبريل/نيسان 2014، وسرمين 16 مارس/آذار 2015.

التأجيلات المتتالية للتقرير الرابع، والتمديد المستمر للجنة، أعطت انطباعاً بأن تقريراً جدياً يحضّر. ولكن المفاجأة كانت بعد صدور التقرير، معتمداً على "صور فوتوغرافية، وشهود عيان" لإصدار الاتهام. وهي وسائل إثبات عادة ما كانت تستخدمها تحقيقات المحطات التلفزيونية المنخرطة في الحرب حول موضوع الكيميائي.

عذر اللجنة لتبرير هشاشة أدواتها، بررته بذنب عدم القدرة على الوصول إلى مكان وقوع الادّعاء باستخدام أسلحة كيميائية بسبب الحرب. أي أن اللجنة فرّغت تقريرها من مصداقيته مرتين. الأولى كانت عندما اكتفت بصور فوتوغرافية وبشهود عيان، والثانية حين أكدت عجزها عن الوصول إلى مكان حدوث الوقائع. حتى أن اللجنة نفسها أكدت أنّ "لا أدلة كافية تتيح تحميل أي جهة المسؤولية في الكثير من الإدعاءات"، أو في أن تحقق في عشرين إدعاءً قديماً (خلال العامين 2014 و2015) و13 إدعاءً جديداً (خلال العام 2016).

اللافت الآخر المريب كان طلب اللجنة من الدولة السورية تقديم معلومات حول الهيكل القيادي والتنظيمي لقواتها. بالإضافة إلى العمليات التي نفذتها في تواريخ وأماكن وقوع الحوادث وعن الطائرات والذخائر التي استولت عليها الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى وثائق قواعد الاشتباك والعقيدة العسكرية وسجلات الطيران الخاصة بها. مشيرةً إلى أنّ الحكومة تجاوبت وقدمت كل المعلومات التي لديها باستثناء المعلومات عن الهيكل القيادي والتنظيمي لدواعي "الأمن القومي".

لم تكتف اللجنة ببناء رأيها حول مسؤولية استخدام الكيميائي على شهود العيان والصور الفوتوغرافية، بل إن تحقيقها تضمّن طلبات مستهجنة من الجهات الرسمية السورية، فإلى جانب المعلومات حول الهيكل القيادي، طلبت لقاء قادة محددين في الجيش والقوات الجوية، واهتمت بشكلٍ خاص بمسؤولي استخبارات القوات الجوية، بالإضافة إلى قائدي قاعدتي حماة وحميميم، ولكن الحكومة السورية لم تؤمن ذلك. وأكدت اللجنة في تقريرها على ضرورة "مساءلة" المسؤولين أنفسهم الذين طلبت لقاءهم، قبل التحقيق معهم حتى، واستناداً على أدلة "إخبارية" فقط، وذلك تمهيداً "لضرورة محاسبة كل من تورّط في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا"، حسب تعبيرها.

التقرير الذي انتظره قادة الدول الكبرى بلهفةٍ لإدانة سوريا، صدر لتطغى على صفحاته التي غابت عنها الأدلة، التباهي في وصف "المساهمات المالية السخيّة" التي حصلت عليها اللجنة من 12 دولة "دعماً" لتحقيقها. وهنا يصبح ضرورياً السؤال عن هوية هذه الدول، وأهدافها من دعم هذا التحقيق، وإرادتها في موضوع النتائج. وغاب عن التقرير شكر الجانب الرسمي السوري على تعاونه، مع أن الحكومة السورية بادرت إلى إبلاغ اللجنة عن جماعات إرهابية كانت تنقل مواداً كيميائية سامّة من بينها الكلور لاستخدامها كأسلحة. ولكن تم تجاهل هذه المعلومات، كما تم تجاهل الرسائل السورية إلى الأمم المتحدة بخصوص استخدام أسلحة كيميائية ضد قواتها وضد المواطنين المسالمين. ولكن المعلومات التي قدمتها الحكومة للّجنة أثبتت صوابيتها مؤخراً بعدما أعلن وزير الدفاع الروسي قبل أيّام، أنّ خبراء الوزارة أكدوا استخدام الجماعات المسلّحة لمادتي الكلور والفوسفور الأبيض في استهداف مناطق جنوب غربي حلب بتاريخ 30 تشرين الأول/اكتوبر الماضي. ما أدى إلى مقتل عسكريين سوريين اثنين، وإصابة 37 مدنياً.

روسيا التي لطالما جددت مطلبها بالمشاركة في التحقيق الأممي، لم تعتمد في اتهامها للإرهابيين على صور وشهود عيان، بل قام خبراء من وزارة الدفاع الروسية، بالتوجه إلى سوريا مباشرة بعد الحدث للتحقيق فيه، وأخذوا تسع عينات تضمنت أجزاء من القذائف والتربة من خلال الحفر في أماكن سقوط القذائف في منطقة 1070 جنوب غرب حلب. وقامت الوزارة أيضاً بأخذ عينات من 4 سوريين مصابين بالمواد الكيميائية التي استخدمت وعمدت إلى تحليلهم في مختبر خاص في روسيا. ويواصل خبراء المركز العلمي لقوات الحماية الإشعاعية والبيولوجية والكيميائية للقوات المسلحة الروسية العمل على جمع أدلة تؤكد استخدام الإرهابيين للسلاح الكيميائي في حلب. كما طالب المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف رئاسة منظمة نزع الأسلحة الكيميائية بالنظر في إرسال خبراء إلى الحي 1070 في حلب بأسرع ما يمكن، لتوثيق حقيقة استخدام "الإرهابيين" أسلحةً كيميائية؛ وهو أمر بدأ أنه ممكن بدليل وصول الخبراء الروس إلى المكان وأخذ عيّناتهم، فلماذا لا يصل خبراء اللجنة الأممية إلى المكان نفسه؟. لم يلق هذا السؤال جواباً، كما لم يلق الطلب الروسي من اللجنة تجاوباً، باستثناء ما أعلنه المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، يوم 3 تشرين الثاني/نوفمبر، بأنّ الأمم المتحدة ستقوم بدراسة البيانات حول استخدام المواد الكيميائية في الجزء الغربي من مدينة حلب.

تطلّب الأمر عاماً كاملاً لتستنتج اللجنة الدولية، إستناداً على معلومات عادية تفتقر إلى التحقيق الميداني المباشر، استخدام القوات السورية مواد كيميائية أربع مرات، وتنظيم "داعش" مرة واحدة في مدينة مارع يوم 21 أغسطس/آب 2015. في الوقت الذي تمكّن فيه خبراء روس، من تأكيد شنّ جماعات "ارهابية" هجوماً كيميائياً وبالأدلّة القاطعة بعد أيام قليلة فقط من الحدث. لتضطر الأمم المتحدة، وبسبب عجز اللجنة من تقديم أي جديد مع تكاثر الادعاءات والمعلومات التي تتحدث عن هجمات كيميائية متعددة في أكثر من منطقة سورية، أنّ تجدد للجنة عاماً إضافياً، على أن تقدم كل 60 يوماً تقريراً حول مستجدات التحقيق. في وقتٍ تتصاعد فيه الأصوات الأميركية والفرنسية والبريطانية التي تطالب بمحاسبة ومعاقبة الحكومة السورية على ارتكابها "جرائم" غير مثبتة، من دون الأخذ بعين الاعتبار أدلة سوريا وروسيا التي تؤكد استخدام الجماعات المسلّحة لمواد كيميائية أكثر من مرّة.

وعلى الرغم من ذلك، أصرّت موسكو على دعمها للجنة الدولية، حيث أكد مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين في تصريح له يوم 1 تشرين الثاني/أكتوبر أنّ تمديد التحقيق لمدة عام هو "لإمكانية تطوير الآلية المشتركة للمراقبة على أساس استخدام الخبرة المتراكمة والتخلص من النواقص المنهجية التي ظهرت خلال تقديم التقارير الختامية". مؤكداً أنّ كل النتائج التي صدرت من اللجنة "غير مقنعة"، وأنّ بلاده تودّ تعزيز التحقيق ليبحث باستفاضة أكبر "التهديد الكيميائي الإرهابي" الذي يشمل هجمات خارج سوريا، وذلك في إشارة إلى استخدام تنظيم داعش مواد كيميائية في العراق.

ولطالما اعتبرت روسيا، التحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا "مسيساً"، وهو ما أشارت إليه الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا يوم 27 تشرين الأول/نوفمبر، حيث أكدت رفض موسكو "محاولات بعض الأطراف تسييس استنتاجات لجنة التحقيق المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، واعتبرت أن تلك الأطراف "تحاول استغلال الاستنتاجات التي جاءت في التقرير النهائي لتحقيق أغراض سياسية". مشيرةً إلى أنّ استنتاجات اللجنة "لا تتمتع بقوة قانونية، ولا يمكن استخدامها كلائحة اتهام ضد أحد، أو كتبرير لاتخاذ قرارات ملزمة قانونياً". واستنتجت زاخاروفا بعد دراسة التقرير الأخير للجنة أنّه "يعاني من نقص الأدلة وضعف الأساليب المستخدمة في سياق التحقيق." لافتةً إلى ضرورة الإلتزام بدعوة اللجنة إلى إجراء تحقيق ليس في الأنشطة الكيميائية لتنظيم داعش فحسب، بل في هجمات شنتها تنظيمات إرهابية أخرى أيضاً، وبالدرجة الأولى "جبهة فتح الشام" (النصرة سابقاً).

من جهتها أكدت الحكومة السورية بعد صدور التقرير النهائي مباشرةً، وقبل وقوع حادثة حلب الأخيرة بفترة قصيرة، أن الاتهامات الصادرة ضدها باستخدام السلاح الكيميائي في أربع مناسبات "لا تستند إلى أية أدلة ملموسة ولا تعكس أي دقة أو موضوعية في الاستنتاجات التي توصلت اليها". أمّا الجماعات المسلّحة السورية فلم تبد أي تعليق مع كل تقرير أممّي جديد كان يصدر من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول سوريا، ما عدا وصفها الاتهامات الأخيرة الموجهة إليها في حلب بـ"الكذبة".

لا تنتظر كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تقارير التحقيق لرمي اتهاماتها السياسية ضد دمشق. الدول الكبرى الثلاثة، لطالما استخدمت مسألة الكيميائي السوريّ لعرقلة مسار التقدم العسكري للجيش السوري وحلفائه واستخدموها كورقة ضغطٍ خارج المعركة. "لن تتهاون أميركا في هذا الأمر"، بهذه الطريقة علّق المتحدث بإسم الخارجية الأميركية مارك تونر يوم الجمعة 28 تشرين الأول/نوفمبر، على ادعاءات المنظمة ضد الحكومة السورية. مصعّداً حدّة الخطاب السياسي في ظل الحديث عن قرارين أحدهما فرنسيّ وآخر أميركيّ لمعاقبة المسؤولين المفترضين عن جرائم الكيميائي. وأضاف إنّ "نظام الأسد تسبب في حدوث ضرر للشعب السوري أكثر من تنظيم داعش".

أمّا مندوب بريطانيا لدى الأمم المتحدة، ماثيو رايكروفت، أكد يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر أنّه "يتعين أن تكون هناك مساءلة لكل شخص شارك في أي استخدام للأسلحة الكيميائية في سوريا". مشيراً إلى أنّ منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة "أثبتتا تورط النظام السوري في استخدام أسلحة كيميائية ثلاث مرات على الأقل، لذلك فمن المهم للغاية أن تكون هناك مساءلة كاملة وأن نضمن أن هؤلاء الناس لا يمكنهم الإفلات لفترة أطول من هذه الجرائم الشنيعة ضد الإنسانية".

ومن جهته طالب وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرولت يوم 22 تشرين الأوّل/نوفمبر مجلس الأمن باعتماد قرار تحت الفصل السابع يدين استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، ويفرض "عقوبات" على منفذي هذه الأعمال "غير الإنسانية". لكن إيرلوت وبعد التصريحات الروسية التي أشارت إلى تجاهل المجتمع الدوليّ لجرائم داعش الكيميائية، لم يتناسى في تصريحه مرّة، مشيراً إلى أنّ "استخدام الجيش السوري وكذلك داعش، لأسلحة كيميائية ضد المدنيين، هي أفعال غير إنسانية وغير مقبولة". مشدداً على أنّ فرنسا "لن تقبل أن يمرّ استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا الذي تأكد الآن بشكلٍ لا جدال فيه...من دون عقاب"، داعياً مجلس الأمن إلى "تحمّل مسؤولياته".

تصريحات إيرلوت الهجومية ضد الحكومية السوريّة، لم تكن إلّا مقدمة لنيّة باريس تقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن يدين استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا وينص على فرض عقوبات ضد دمشق. فقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة ستيفان لو فول يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر "بمبادرة من فرنسا، سيطرح في مجلس الأمن من جديد مشروع قرار يدين استخدام الأسلحة الكيميائية". ليعود إيرلوت ويؤكد ذلك، معتبراً أنّ باريس "ستصرّ على فرض عقوبات ضد دمشق على خلفية هجمات كيميائية"، في الوقت نفسه الذي ستستضيف فيه أوائل ديسمبر/كانون الأول المقبل لقاءً للدول "الداعمة للمعارضة السورية".

التحرّك الفرنسيّ السريع في مسألة السلاح الكيميائي في سوريا، رافقه تحرك أميركيّ سبق الانتخابات الأخيرة، لكن يبدو أنه لم يثمر أيّ نتيجة في ظل الضغط الروسيّ المتواصل، والذي لم يثبت فعاليته في المحافل الدوليّة وعلى أرض المعركة فقط، بل حتى في التحقيقات باستخدام الجماعات المسلّحة لمواد كيميائية في سوريا، وبالجديّة التي تتسمّ بها. ففشلت كل المحاولات الأميركية بإصدار قرار يدين دمشق، ويلاحق مادة "الكلور"، آخر الحجج التي يتذرع فيها كل من يوجّه اتهاماً للحكومة السورية التي سلّمت كامل ترسانة أسلحتها الكيميائية نهاية العام 2014. وهو ما أكده، زكريا ملاحفجي رئيس المكتب السياسي لجماعة مسلّحة مقرها حلب يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر، حين قال أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما "فشل في دعم المعارضة السورية بشكل كافٍ بعد أن دعا إلى رحيل الأسد عن السلطة، وأخفق في فرض خطه الأحمر على الاتهامات باستخدام دمشق السلاح الكيميائي".

أما الآن، فقد دخلت تركيا على خط الملف الكيميائي، ومن باب "داعش" هذه المرة. فقد اتهمت هيئة الأركان التركية تنظيم “داعش” باستخدام أسلحة كيميائية شمال سوريا ضد قوات المعارضة المدعومة من أنقرة. وقالت الأركان التركية في بيانها: "لاحظنا وجود أعراض الإصابة بغاز كيميائي على 22 من مقاتلي المعارضة السورية، نتيجة إطلاق تنظيم داعش صاروخاً في منطقة الخليلية شمالي سوريا". فإذا كانت أنقرة المتهمة سابقاً بالعلاقة بكيميائي داعش تقول ذلك، لماذا لا يثير ذلك اهتمام اللجنة الدولية أيضاً؟

المصدر: مجموعة مصادر

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً