Menu

عقيدة جديدة للسياسة الخارجيّة الروسيّة.. إعادة النظر في الأولويات

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

عقيدة جديدة للسياسة الخارجية الروسية أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتأتي هذه العقيدة لتعكس إعادة النظر في أولويات روسيا الخارجية، وتلبي الحاجة التي فرضتها طبيعة الظروف المعقدة التي استجدت في العالم.

وتحل العقيدة الجديدة مكان العقيدة السابقة التي أقرت عام 2013 قبل وقوع روسيا تحت تأثير الأزمة الأوكرانية وقبل إرسال قواتها إلى سوريا.

وتتضمن وثيقة "رؤية السياسة الخارجية الروسية" التي وقعها بوتين الخميس مجمل القضايا التي تمثل أولوية لموسكو. لكنها تتزامن أيضاً مع تصريحات ومواقف ذات دلالة تنسجم مع الرؤية الجديدة. هذه المواقف جاءت في اليوم نفسه لتوقيع وثيقة الرؤية الخارجية.

فقد أبدى بوتين الخميس، لهجة تصالحية خلال خطابه السنوي عن حالة الاتحاد. وقال إن بلاده مستعدة للتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة وتتطلع لاكتساب أصدقاء وليس أعداء.

وقال بوتين "نحن لا نريد مواجهة مع أحد. لسنا بحاجة لهذا. لا نسعى ولم نسع قط لأن يكون لنا أعداء. بل نحتاج أصدقاء".

ويتعارض هذا الموقف مع خطابات سابقة عدة استغلها بوتين لانتقاد الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص. لكنه هذه المرة حدّ من انتقاده وركز معظم خطابه على قضايا اجتماعية واقتصادية داخلية.

وزير الخارجية الروسي لم يشذّ عن هذا التوجه. فقد عبّر لافروف الخميس عن أمله في بداية جديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب. كما وجه انتقادات حادة للرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما.

وقال لافروف خلال مقابلة صحافية "نحن واثقون من أن الإدارة الجديدة لا تريد تكرار أخطاء الإدارة المنتهية ولايتها التي دمرت عمداً العلاقات الأميركية الروسية".

وحول المناورات العسكرية الروسية قرب حدود دول البلطيق أو بولندا التي أصبحت من بلدان حلف شمال الأطلسي، قال لافروف إنها رد على "الضغط العسكري السياسي" الذي يفرضه "الحلفاء" الغربيون على هذه البلدان و"إجراءات مناسبة لدفاعنا ولأمننا القومي".

حلفاء لكن خصوم

يستخدم لافروف تعبير "الحلفاء" ليصف دول حلف الناتو، علماً أنها الدول نفسها التي تحاول تطويق روسيا والتوسع على حسابها وفي حديقتها الخلفية. ليس هذا التعبير غريباً عن اللغة الدبلوماسية الروسية، كذلك موقف لافروف المنسجم مع العقيدة الجديدة لسياسة بلاده الخارجية. ويبدو من خلال العقيدة الجديدة، التي جاءت مواقف بوتين ولافروف الخميس لتعكس جانباً منها، أن موسكو تسعى إلى علاقات ودية مع الغرب، ولكن شرط ألا تكون على حساب مكانتها ومصالحها.

ومن أهم ما ورد في العقيدة الجديدة ويعبّر عن هذا الأمر، توضيح موسكو أنها لن تقبل بمحاولات الضغط من واشنطن وأنها ستحتفظ بحق الرد بقوة على إجراءاتها غير الودية، "وذلك على الرغم من الحرص الروسي على علاقات منفعة متبادلة مع الولايات المتحدة".

كما ورد أن موسكو ترى في الاتحاد الأوروبي "شريكاً هاماً تتطلع إلى تعاون مستقر معه"، ولكنها "تنظر بسلبية إلى تعزيز حلف شمال الأطلسي حشوده على حدودها".

أهم النقاط في العقيدة الجديدة:

- العقيدة الروسية الجديدة في السياسة الخارجية تدعو إلى التسوية في سوريا ووحدة أراضيها واستقلالها.

- وفق العقيدة الخارجية الجديدة يجب إنشاء تحالف دولي واسع لمحاربة "الإرهاب".

- كما أن موسكو ستواصل نهج التسوية الدبلوماسية للنزاعات في الشرق الأوسط دون تدخل خارجي فالشرعية الدولية أمر يمثل أولوية.

- إذ ترى موسكو ضمن هذه العقيدة ألا بديل عن الأمم المتحدة كمركز لتنظيم العلاقات الدولية. لا تعترف روسيا بتعميم واشنطن لتشريعاتها متجاوزة القانون الدولي.

- وترى أن نهج أميركا وحلفائها الهادف إلى ردع روسيا وممارسة الضغوط عليها يقوض الاستقرار الإقليمي والدولي. 

- كما يشير المرسوم الرئاسي حول هذه العقيدة أن خطر الحرب بين القوى الكبرى ضئيل لكنه يكبر مع زيادة التدخلات في النزاعات.

- وتوضح موسكو أنها لن تقبل بمحاولات الضغط من واشنطن وستحتفظ بحق الرد بقوة على إجراءاتها غير الودية.

- وذلك على الرغم من الحرص الروسي على علاقات منفعة متبادلة مع الولايات المتحدة.

- كما ترى موسكو في الاتحاد الأوروبي شريكاً هاماً تتطلع إلى تعاون مستقر معه.

- ولكن موسكو تنظر بسلبية إلى تعزيز حلف شمال الأطلسي حشوده على حدودها.

- محادثات خفض الأسلحة الإستراتيجية تكون فعالة إذا أخذت كل العوامل بعين الاعتبار.

-  روسيا مستعدة لمناقشة تقليص القدرات النووية.

- كما أنها تدعم إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل خصوصا في الشرق الأوسط.

- كما أن موسكو ترى في انعدام الاستقرار في أفغانستان تهديداً لروسيا التي ستبذل جهوداً للحل.

- روسيا تنظر إلى تعزيز مكانتها في آسيا والمحيط الهادئ بشكل استراتيجي.

-  كما أن روسيا ستحافظ على وجودها في القارتين القطبيتين الجنوبية والشمالية.

معضلات موسكو وطموحات بوتين

تواجه روسيا معضلات عـدة في تنفيذ سياستها الخارجية، منها ما هو داخلي، أي حـالـة الأوضـاع الداخلية الصعبة على ضوء العقوبات المفروضة عليها. ومنها مـا هـو خـارجـي، نـابـع مـن المحيط الـذي تتحرك فيه والـذي يتميز بهيمنة أميـركـا.

وينظر البعض على أن روسيا تسعى لاستعادة المكانة التي افتقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنها تفتقر للإمكانات الاقتصادية والجيوسياسية التي كانت لدى الاتحاد.

إلا أن ذلك لا يلغي أن روسيا ما زالت تتمتع بعدد من المزايا ما يسمح لها ترسيخ سياسة خارجية ندية.

إذ تـمـثـل روســيــا مـفـتـرق طــريــق بـيـن قــارتــي أوروبـــا وآســيــا، ومــن هــنا يـظـهـر الـمـوقـع الـجـيـوسـيـاسـيّ الـمـهـم لـهـا. فـمـن حـيـث الـمـسـاحـة، تـعـتـبـر روسـيـا أكـبـر دولـة فـي الـعـالـم، وهذه المساحة الشاسعة تعتبر أحد أهم عناصر القوة الروسية من الغرب إلى الـشـرق من منظورين، أمني وسياسي.

شكل وصول بوتين إلى الحكم نقطة تحول في السياسة الخارجية الروسية بعدما وصلت إصلاحات يلتسين سنة ٢٠٠٠ إلى طريق مسدود في كل المجالات، وأوصلت روسيا إلى حافة الانهيار التام كدولة وكمجتمع، وتراجعت مكانتها ودورهـا العالميين.

وهدفت السياسة الروسية الخارجية الجديدة إلى تطوير دور روسيا في عالم متعدد الأقطاب، لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة، والعمل على استرجاع دورها في آسيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى، وعدم السماح للغرب بتهميش هذا الدور، وبخاصة إعادة نفوذ روسيا إلى دول الاتـحـاد السوفييتي سابقاً، ودول آسيا الوسطى وذلـك للحفاظ على الأمـن القومي الروسي، والتحكم في النزاعات العرقية في الجوار الإقليمي.

أما بخصوص آسيا الوسطى التي عبرّت العقيدة الجديدة في بعض جوانبها عنها فقد لخص بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، وضـع روسـيـا فـيها بقوله: "روسـيـا هـي أضـعـف كثيراً مـن أن تستطيع إعـادة فـرض سيطرتها الإمبريالية، ولكنها أقـوى كثيراً مـن إمكانية إخراجها منها. ولأسباب جغرافية وتاريخية، وثقافية وعرقية وإستراتيجية، سوف تستعمل روسيا الوسائل المتاحة من أجل محاولة حماية مصالحها في المنطقة".

المصدر: الميادين نت