Menu

مؤسساتنا الفلسطينية وإعادة النظر في الموقف منها

محمود الراس

إن كل لحظة تتملصون فيها من أداء واجباتكم تجاه الوطن هي لحظة يمكن أن تحدد مصيركم، وتخلي طوعي عن رسالتكم التي انطلقتم لأجلها... دعوهم يقولون ما يريدون فإننا لا نثني على شيء تجوز به المساومات، فللحرية ضريبة قلائل من البشر والتجمعات الإنسانية القادرة على دفع تكاليفها؛ فالجبهة التي آمنت بالنصر دوماً، وظلت متمسكة بمبادئها وبرنامجها التحرري السياسي الاجتماعي بدون أن تخضع للأفكار الزائفة قادرة على إعادة صياغة رؤيتها وبناء أدوات التغير الفاعلة في النظام السياسي الفلسطيني وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية.

 وهذا يتطلب منها إعادة النظر في عقيدتها بشأن العلاقات الداخلية لتكون من منطلق وطني وليس محكوم باجراءات بروتوكولية، وهو ما يجعل ابراز المحددات المطلوبة التي تقرر طبيعة العلاقات الداخلية، ورؤيتها لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ضرورة ملحة، خصوصاً وأن تلك العقيدة التي انطلقت منها الجبهة لإصلاح مؤسساتنا الوطنية وفي المقدمة منها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية آلت للفشل لأكثر من أربعة عقود في ظل سطوة القيادة المتنفذة، وطريقة التعامل معها كمؤسسة خاصة وملك لها.

 وما هو أسوأ من الفشل أن هذه المحددات قد سمحت للقيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية عبر عالم اللغة المستخدمة في الاتفاقات المكتوبة أو الخطابات التي تتناقلها وسائل الاعلام للاستفراد والهيمنة في كل شيء، ونذكر هنا قيام هذه القيادة بعد التوقيع على اتفاق أوسلو سئ الصيت والسمعة بإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، هذه السقطة الكبيرة والضربة في عمق المشروع الوطني لم تستطع الجبهة التصدي له ومنع تنفيذه رغم تسجيل رفضها عليها.

يجب أن تسعى الجبهة وبدون هوادة إلى محاربة هذا النهج المدمر لمشروعنا الوطني، والتصدي لكل الممارسات التي جعلت من مؤسساتنا وخاصة منظمة التحرير طابع استخدامي في سياق تنفيذ رؤيتها التدجينية، وشرعنة أفعالها بوجود الأحزاب والقوى المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية، بما يؤمن لها حرية الحركة خارج قرارات الاجماع الوطني، وحتى خارج الضوابط التي وضعها النظام الأساس للمنظمة وإدارة الظهر حتى لقرارات مؤسسات المنظمة ذاتها كقرارات المجلس المركزي التي ظلت حبيسة الادراج ليصاب النظام السياسي الفلسطيني بالعجز والفشل الذي ترجم ولا زال بحالة من الانقسام والتشظي السياسي والاجتماعي، وتبديد مقدرات المجتمع التي ارتدت عجز وتآكل لبنى المؤسسات الخدماتية سواء في غزة أو مخيمات الشتات.

تستفيد هذه القيادة من شعارات قدسناها مثل منظمة التحرير البيت المعنوي لكل الشعب الفلسطيني أو شعار المنظمة ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني لتفرض وعبر أدواتها قيادة اجبارية على الشعب الفلسطيني.

مثل هذا المشهد السوداوي يتطلب منا سلوك موقف مغاير ينسجم مع ذاتنا ومع المزاج الكادري العام داخلنا، والتي من شأنها استعادة الوسائل القسرية بالنضال الديمقراطي الداخلي لحث تلك القيادة في كل مكان على إعادة التفكير في خياراتهم السياسية إلى جانب نظرة أكثر ديمقراطية وانفتاحاً على قوى ومنظمات المقاومة بغض النظر عن بعدها الأيديولوجي.

 ولعل في الثورة الصينية ومواجهتها للعدوان  الياباني وتوحدها عبرة يجب أن نستفيد منها، رغم أن المعركة الآن مع القيادة المتنفذة مغايرة ومختلفة، وهذا يفرض علينا تغيراً مباشراً لسياسات الجبهة وعقيدتها الناظمة لعلاقاتها الوطنية، وتحديد أدوات جديدة تأتي من رحم برنامجها الاستراتيجي الذي حدد طبيعة التحالفات، والموقف من الرجعية العربية على اعتبار أن القيادة المتنفذة الحالية تسير في الدروب ذاتها التي مارستها تلك الرجعيات بحق شعوبها خصوصاً السيطرة على مقدرات الأمة ومؤسساتها والتحكم بها على أهوائها الخاصة. خاصة وأن عقيدة الجبهة وموقفها من مؤسسات الشعب الفلسطيني ظلت لسنوات طويلة جسراً للاشئ؛ فرئيس اللجنة التنفيذية وفي العقدين الأخيرين سعى بكل جهد إلى وضع العوائق أمام عملية الإصلاح، وتجديد شرعية مؤسسات المنظمة رغم التفاهمات مع الشهيد القائد أبوعلي مصطفى في العام 1999. وماذا كان موقفنا؟ الإعلان عن الرفض اللفظي عن هذه الممارسات، دون قدرة على وقف ممارسات رئيس اللجنة، أو محاسبته، أو محاولة وقف تحويل هذه المؤسسة إلى جزء من مؤسسة فتح والسلطة، لا أن يحدث العكس.

إن استخدام هذه المحددات لطبيعة إدارة الجبهة لصراعها داخل منظمة التحرير أعطى للقيادة المتنفذة ضمان بأنها تملك من الوقت ما يكفي لجعل اصلاح المنظمة أقرب للمستحيل، كما سمح لها باستخدام المنظمة في إطار التغول على الحقوق المدنية والوطنية للمواطنين الفلسطينيين بالوطن والشتات.

ويظل موقفنا بضرورة عقد مجلس وطني توحيدي في الخارج وبمشاركة كافة أطياف شعبنا الفلسطيني، وبمشاركة حركة حماس والجهاد الإسلامي، هو بداية الطريق لقطع الطريق على هذه القيادة من تنفيذ مخططاتها في تحويل مؤسساتنا الفلسطينية إلى بؤر لاعادة تكريس نهجها الانهزامي الاستسلامي.