Menu

" الشهيد القائد جورج حبش ودوره في خدمة القضية الفلسطينية واسهاماته في الدفاع عن القدس"

جميل مزهر 2

ورقة عضو المكتب السياسي للجبهة الرفيق جميل مزهر بعنوان " الشهيد القائد جورج حبش ودوره في خدمة القضية الفلسطينية واسهاماته في الدفاع عن القدس"

الشهيد القائد جورج حبش ودوره في خدمة القضية الفلسطينية واسهاماته في الدفاع عن القدس

مقدمة:

عندما نتحدث عن الدكتور جورج حبش مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واسهاماته النضالية والفكرية، ودوره في خدمة القضية الفلسطينية واسهاماته في الدفاع عن القدس ، فإننا لا نتحدث عن مناضل يخص الجبهة أو حتى فلسطين لوحدها، بل هو مناضل قومي وأممي أيضاً، وبالتأكيد سنقف طويلاً أمام ارث نضالي كبير لا تتسع هذه الورقة للحديث عنها، فقد كان الدكتور جورج حبش قائداً استثنائياً بمعنى الكلمة، أفنى حياته في خدمة قضية فلسطين وشعبها، مقدماً النموذج الوحدوي المتمسك بالمبادئ والثوابت وبجذوة المقاومة، ملتصقاً بقضايا شعبه، ومتجذراً في أرضه من نهرها إلى بحرها، وبالوحدة الوطنية باعتبارها صمام الأمان في الحفاظ على استمرار النضال.

إن أردنا التحدث عن تجربة الحكيم، سنرى تجربة نضالية زاخرة بالأحداث لشخصية كاريزمية بامتياز، شكّلت رمزية وإلهاماً لشعبنا ولثوار العالم، وكان أهم ما يميزها أنها كانت واضحة ولا تقبل بالحلول الوسط، وتمتلك الرؤية العميقة في تحليل الواقع، وإيمانه العميق بحتمية النصر مهما طال الزمن، فهو القائل " أن الصراع الشامل والمفتوح والتاريخي مع الاحتلال الصهيوني وكيانه البغيض لن يتوقف إلا بتحقيق الحقوق التاريخية والعادلة للشعب الفلسطيني".

أولاً/ فلسطينياً:

أ‌.      موقف الحكيم من المقاومة:

كان الحكيم يؤكد دوماً أنه لا بديل عن استمرار الانتفاضة والمقاومة كرافعة للنضال الوطني التحرري الفلسطيني، وعليها أن تعود لمسارها الحقيقي وهويتها الحقيقية، مناشداً كل قادة فصائل العمل الوطني لإدراك أن تحقيق  الانتفاضة لأهدافها الوطنية العليا، يتطلب تحليقها بجناحين جناح تصعيد المقاومة ضد الاحتلال، وجناح ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وهنا تقع المسئولية على الطليعة المناضلة والمقاومة للتصدي مع الآخرين لهذه المهمة الوطنية الثورية وتسخير كل الطاقات وتوفير الإمكانيات في خدمة أهداف المقاومة، وضرورة لجم اتجاهات محاولات اجهاض الانتفاضة والمقاومة، واتجاهات التساوق الخطرة مع الاحتلال الصهيوني، ومشاريعه المشبوهة، مؤمناً بأن الكفاح المسلح وأسلوب حرب الشعب الطويلة الأمد هي طريقنا من أجل تحرير فلسطين.

ب‌. موقف الحكيم من الوحدة:

كان الحكيم وحدوياً بامتياز، وكان متسلحاً بأهمية الوحدة الوطنية حتى في أصعب فترات الخلاف مع القيادة الفلسطينية المتنفذة، فقد كان دائماً يردد أن الشعب الفلسطيني هو أحوج ما يكون إلى الوحدة الوطنية ورص الصفوف، ومغادرة مواقع الخلاف والتنافر والسير موحدين عبر هذا المارثون الفلسطيني الطويل الذي لم ينقطع من مسيرة شعبنا النضالية.

وحتى في وصيته الأخيرة، طالبنا الحكيم بضرورة التمسك بالمقاومة واستعادة الوحدة، فقبل دقائق من وفاته في أحد مستشفيات عمان أعرب عن قلقه إزاء الفرقة بين أبناء الشعب لفلسطيني وحصار الاحتلال لقطاع غزة، حيث كان هاجسه الرئيسي  هو كيفية استعادة الوحدة الفلسطينية وانهاء الانقسام، فقد كان يؤكد دائماً أن الشعب الفلسطيني هو الخاسر الوحيد من هذا الانقسام.

ت‌. الموقف من قضية القدس:

لطالما رأى الحكيم في مدينة القدس أحد العناوين المركزية للصراع ضد الكيان الصهيوني، فضلاً عن قداستها ورمزيتها وقيمتها المعنوية كعاصمة للشعب الفلسطيني، ولذلك لم يخلو أي خطاب أو لقاء عن الحديث عن مدينة القدس، وعن صمود أهلها، والإشادة بهم واعتبارهم بأنهم رافد أساسي من روافد النضال الفلسطيني، مؤكداً دائماً أن القدس وأهلها بحاجة إلى الدعم المادي والمعنوي، منتقداً تقصير السلطة والمنظمة في هذا الموضوع، متطرقاً إلى غياب السياسة والاستراتيجية ذات الرؤية الواضحة والمحددة لدعم القدس وأهلها.

الحكيم شاهد مدينة القدس وعرفها وزارها مثل كل الناس في تلك الفترة، وبالتالي على المستوى الإنساني والوطني والشخصي تأثر بها، عرف تعددها الثقافي المسيحي والإسلامي وهي إلى حد كبير مدينة تشبهه أكثر من اللد أو أي مدينة أخرى.

أيضاً من اسهامات الحكيم والقصص والمآثر حول القدس أنه هو الذي أضاف في البيان الختامي للمجلس الوطني الفلسطيني العودة والدولة الفلسطينية و(عاصمتها القدس الشريف) وكان باستمرار يصر على فرد عنوان خاص بها في كل الاجتماعات الأساسية على المستوى الوطني والدولي، بالإضافة إلى أنه كان يؤمن بتصعيد العمل المسلح وضرب العدو في القدس المحتلة، وكان يعتبرها باستمرار خاصرة ضعيفة للعدو( أي ضربات في عمقها يؤثر على نفسية العدو وعلى السياحة ونشاطه الاقتصادي وخلافه)، علماً أن الحكيم ورفاقه قد اهتموا أن تكون باكورة انطلاقة عمليات الجبهة التي شهدتها الضفة من القدس كدلالة على قيمة المدينة ورمزيتها، إضافة إلى أنها كانت في يوم من الأيام مركزاً للقيادة السرية للانتفاضة الأولى، والتي تزامنت مع إصرار الحكيم على نقل مركز ثقل الجبهة وعملياتها إلى الداخل الفلسطيني بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، انسجاماً مع رؤية الحكيم واستراتيجية الجبهة بأن طبيعة الصراع مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب هو صراع وجودي.

وكان دائماً يذكرنا بجوهر العقلية الصهيونية وتركيز الاحتلال في سياساته على عزل مدينة القدس عن باقي مدن الضفة، ومحاولات سن القوانين العنصرية ضد أهل المدينة، والقيام بكل الإجراءات في مسعاه لتهويد المدينة، ومن بينها محاولة تحويل الصراع إلى صراع ديني وليس صراع وجودي.

ولذلك كان موقف الحكيم الواضح كما موقف الجبهة الشعبية بأنه لا تقسيم للقدس، وأنه لا يوجد قدس شرقية ولا غربية، وأن القدس الواحدة والموحدة هي عاصمة الشعب الفلسطيني، وهي أحد الروابط الروحية للإنسان الفلسطيني والتي لا يمكن المساومة أو التفريط بها، منتقداً التقصير العربي الواضح لتعزيز صمود أهلنا في القدس، متسائلاً دوماً عن دور منظمة المؤتمر الإسلامي، واصفاً قراراتها في دعم المدينة بأنها ظلت حبراً على ورق.

ث‌. الموقف من حق العودة وقضية اللاجئين:

كان الحكيم من أشد المؤمنين بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، فقد كان يحمل مع شعبه جراح المنفى واللجوء، ولا يتوقف عن النضال من أجل حق العودة، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وبيوتهم وأراضيهم التي هجروا منها، ولذك كان من  أحد أبرز الرموز المنادية بضرورة التمسك بحق العودة باعتباره حق شرعي وقانوني وممكن، وهو خط أحمر لا يمكن لأي أحد أن يتجاوزه.

وفي هذا السياق،  كان الحكيم يذكرنا دائماً بضرورة تجسيد شعار وحدة الأرض والشعب والمصير، معتبراً نضال الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 48 في الجليل والمثلث والنقب هو مكمل لمجمل النضال الوطني الفلسطيني كما أن عرب 48 لهم دورٌ فاعل ويشكلوا قلقاً للدولة اليهودية كما تشير معظم الدراسات والتحليلات وأن نضال شعبنا الفلسطيني في مناطق 48 هو رافد أساسي ولهم موقع لا يستهان به على خارطة الصراع من داخل الكيان الصهيوني، رغم وجود اختلافات وتباينات في الرؤية والأساليب، إلا أنه دعا لاستمرار التضامن معهم.

ج‌.  الموقف من أوسلو:

كان الحكيم من أول من حذر من اتفاق أوسلو ونتائجه الوخيمة على قضيتنا الفلسطينية، وقد تحقق فعلاً ما حذر منه، وكان دائماً يدعو لوقفة جادة أمام تيار الاستسلام، ودعوات التأييس والإحباط المنبعثة من شقوق وتصدعات الحالة الفلسطينية والتي كان أحد أسبابها اتفاق أوسلو، والذي أدى إلى تصاعد الهجمة الصهيونية ضد شعبنا، وإلى الانقسام، مطالباً بصوغ استراتيجية وطنية جديدة مغايرة لاتفاق أوسلو، وتبني خيار المقاومة والانتفاضة سبيلاً للتصدي للاحتلال.

ح‌.  الموقف من قضية الأسرى:

كان الحكيم يرى في الأسر مفردات دائمة من مفردات النضال الوطني الفلسطيني المقاوم للاحتلال الصهيوني، ويعتبر الأسرى هم الوجدان الحي للقضية بل ضميرها، وأن قيودهم الحديدية هي أوسمة شرف على صدور الأمة والأحرار وكل الشرفاء، وأصواتهم العالية أعطت للعالم صورة الحرية والاستقلال.

ثانياً/عربياً:

كان الحكيم دوماً يطالب بضرورة إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في الحالة العربية وتكريس البعد القومي لقضيتنا باعتباره ضرورة ملحة لحماية الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني.. وبما يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في مواجهة الاستراتيجية الكونية للحركة الصهيوني، معتبراً أن سياسة تقطيع أوصال الأمة، وعزل قضاياها عن بعضها البعض, كانت هدفاً صهيونياً دائماً وصولاً إلى الاستفراد بالشعوب العربية وفرض الهيمنة عليها، وقضية فلسطين هي الأساس والتي عملت الصهيونية على فرض اتفاقيات (أوسلو) والتي لم تحقق الحد الأدنى من مصالح وحقوق شعب فلسطين، وأن ما يجري من عدوان امبريالي صهيوني على المنطقة مثل العراق هو استهداف للقضية الفلسطينية.

ثالثا/ دولياً:

كان الحكيم يعتبر أن النضال الفلسطيني هو جزء من النضال العالمي ضد العولمة والعنصرية داعياً الشعوب والأحزاب والحركات العالمية الصديقة للمزيد من تفعيل صورة التضامن مع الشعب الفلسطيني، خصوصاً النضال ضد جدار الفصل العنصري وإرسال لجان التضامن إلى داخل الأراضي المحتلة لفضح وتعرية السياسة الصهيونية العنصرية فيما تقيمه من معازل وسجون كبيرة وما تفرضه من حصار.

الخاتمة،،،

هذه إطلالة سريعة ومقتضبة للدور النضالي للحكيم جورج حبش، وإسهاماته في خدمة القضية الفلسطينية، والتي نضيف عليها أن الحكيم قد أراد أن يقدم النموذج الحقيقي للقائد الذي يعطي الفرصة للشباب لقيادة دفة السفينة من بعده، حيث قدّم استقالته طوعاً من الأمانة العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما أنه كرس في حياته أهمية الجانب الثقافي وأن النضال ضد الاحتلال يتطلب امتلاك الوعي الثقافي، وأنه يمكن أن نخسر معركة عسكرية، ولكن لا يمكن أن نخسر الجبهة الثقافية.

لقد كانت مرتكزات الحكيم التي جسدها في حياته ونضاله قائمة على الفهم الواعي والدقيق لطبيعة وأهداف المشروع الصهيوني باعتباره مشروعاً كولنيالياً توسعياً عنصرياً قائماً على القتل وارتكاب المجازر ونهب الأراضي، ويعتبر أن التعامل مع هذا المشروع والذي يعتبر أحد أذرع الامبريالية العالمية في المنطقة باستمرار كفاح شعبنا من أجل نيل حريته، مؤكداً على إرادة و إصرار شعبنا على مواصلة درب الكفاح والنضال حتى تحقيق أهدافه، وأن الشعب الفلسطيني  شعب باسل وعصي على  كل محاولات التطويع و كسر إرادته الوطنية وأن إيقاد شعلة الحرية في ضمير كل مواطن فلسطيني وكل إنسان عربي مُهمة كل وطني غيور في شعبنا وأمتنا وصولاً لحشد  كل إمكانيات وطاقات هذه الأمة في معركة  التحرير والحرية.

وفي هذا السياق، نقتبس مما قاله الحكيم في هذا الموضوع " على قناعة عميقة بأن السياسة الصهيونية الأمريكية لن تنجح في تزوير حقائق الجغرافية والتاريخ العربي، فالفلسطيني والذي قاوم وما زال المشروع الصهيوني، لن يتراجع عن أحلامه الوطنية وأهدافه في العودة وتقرير المصير".

وأخيراً، قال الحكيم في احدى الاحتفالات الوطنية مخاطباً الجيل الفلسطيني بكل ثقة " في يوم من الأيام، نأمل أن يكون قريباً، سيُقام نصب كبير للشهداء من شهداء الثورة الفلسطينية في مدينة القدس، نصب كبير لكل شهيد وفي يوم تاريخي مجيد، هو يوم التحرير، يوم سيطوف فيه زهراتنا وأشبالنا حاملين الورود حول هذا النصب".