Menu

تحليل"التمدد الاستيطاني: رفض حل الدولتين وإخضاع الضفة للإدارة المدنية"

عليان عليان

الكاتب عليان عليان

تصاعدت وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة ، بعد بضعة شهور من معركة طوفان الأقصى ، بعد أن تم إسناد وزارة المالية وموقع وزير في وزارة الحرب الصهيونية لزعيم الصهيونية الدينية المتطرفة ل "بتسمئيل سيموريتش" ، ووزارة الأمن القومي لزعيم حزب القومية اليهودية الفاشي "إيتمار بن غفير" ، في الحكومة اليمينة الصهيونية الأكثر تطرفا في نهاية العام 2022 ، التي وضعت على رأس أولوياتها موضوع بناء مستوطنات جديدة ،وتسليح المستوطنين وإنهاء حل الدولتين ، وزيادة أعداد المستوطنين في الضفة و القدس .

 علماً أن عدد المستوطنين في الضفة و القدس يناهز (850) ألف مستوطن ، من بينهم 500 ألف مستوطن في الضفة الغربية ، وهو ما يشكل حوالي 14 في المائة من سكان الضفة الغربية وحدها بدون القدس وأغلفتها الاستيطانية.

فهذا الوزيران أخذا على عاتقهما مع غلاة اليمين في حزب الليكود الذي يرأسه بنيامين نتنياهو تسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة ، ناهيك أنهما أطلقا يد المستوطنين في استباحة القرى الفلسطينية ،وتدمير مزروعات وممتلكات الفلسطينيين بحراسة جيش الاحتلال ، وقاما بتسليح (100) ألف مستوطن ، في الوقت الذي لم تحرك فيه أجهزة أمن السلطة الفلسطينية (75 ألف شرطي) ساكناً في مواجهة هجمات المستوطنين ، وتحصر مهمتها في ملاحقة رجال المقاومة واعتقالهم، ونزع العبوات الناسفة التي يزرعونها في الطرقات لتدمير آليات الاحتلال.

 لماذا الحملة الاستيطانية الجديدة ؟

تعود الحملة الاستيطانية الجديدة لعدة عوامل أبرزها :

1-أن حكومة العدو من خلال بن غفير وسموريتش ، بدأت تعمل على توظيف الاستيطان في سياق سياسي واستراتيجي أكثر من السابق ، كخطوة رئيسة على طريق ضم الضفة الغربية للكيان الصهيوني، وفي إطار الرد على مفاعيل طوفان الأقصى، للتعويض عن ضرب مبدأ الاستيطان في فلسطين المحتلة عام 1948 ، وفي مواجهة الضغوط التي تمارس عليها لوقف العدوان على قطاع غزة ، إذ أعلن الوزير الإرهابي إيتمار بن غقير بأنه في مواجهة أية دولة أوروبية تعترف بدولة فلسطين ، سيقوم ببناء وتشريع مستوطنة جديدة في الضفة الغربية.

2-أنها شكلت رداً بائساً على تفريغ المستوطنات في الكيان الصهيوني من المستوطنين وخاصةً في مستوطنات غلاف غزة ، ومستوطنات الجليل ، جراء ضربات المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بقيادة حزب الله ، فمستوطنات غلاف غزة شهدت أكبر عملية نزوح بعد معركة طوفان الأقصى التاريخية في السابع من أكتوبر 2023 ، كما أن المستوطنات الممتدة في مختلف مناطق الجليل، باتت شبه خالية من المستوطنين، جراء ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان.

  لقد ضربت المقاومة في الصميم مرتكزاً أساسياً، من المرتكزات التي قام عليها الكيان الصهيوني ، ألا وهو مرتكز الاستيطان ، حيث شهد الكيان الصهيوني في ضوء معركة طوفان الأقصى أكبر عملية نزوح منذ نشوئه الغاصب عام 1948 .

وكانت حكومة العدو قد اتخذت قرارا سريعا بإخلاء جميع المستوطنين في الكيبوتسات والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة وعددها 25 مستوطنة، عقب الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبقية فصائل المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبموجب القرار الذي اتخذ من قبل أنظمة الطوارئ الصهيونية ، تم إخلاء المنطقة التي تبعد عن حدود قطاع غزة مسافة من صفر إلى 7 كيلومترات، وبلغ تعداد من تم إخلاؤهم 65 ألف مستوطن ، كما تم إخلاء 60 ألف مستوطن آخرين من مستوطنات الجليل المتاخمة لجنوب لبنان.

وإضافة إلى هذه المعطيات الرسمية التي أقرت بها وزارة الأمن الصهيونية ، نزح عشرات الآلاف من سكان مناطق النقب الغربي وسديروت وعسقلان بمبادرة ذاتية منهم وبدون أن تلزمهم تعليمات الجبهة الداخلية بذلك، حيث يبلغ سكان هذه المنطقة القريبة من الغلاف أكثر من 200 ألف ، كما تضاعف عدد المستوطنين الذين نزحوا من مستوطنات الجليل جراء تكثيف حزب الله ضرباته الصاروخية لكافة المستوطنات ، والتي ألحقت بالمستوطنين خسائر هائلة على صعيد القتلى والجرحى وتدمير وإحراق المصانع والمزروعات .

وتفريع مستوطنات شمال فلسطين المحتلة عام 1948 ومستوطنات غلاف قطاع غزة من المستوطنين ، لا تقتصر خطورته على ضرب مبدأ الاستيطان ، الذي قام عليه الكيان الصهيوني ، بل تعدى ذلك باتجاه إلحاق أكبر الأخطار على الاقتصاد الصهيوني ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مستوطنات غلاف غزة وفق بيان اتحاد المزارعين الصهيوني ، تنتج (75) في المائة من حاجة الكيان من الخضروات إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب ، وأن مستوطنات الجليل الشمالي والأوسط والغربي تنتج أيضاً كميات كبيرة من الفواكه والخضار ، ناهيك أن أبرز الصناعات التكنولوجية موجودة في الجليل ، وقد تعطلت تماماً بفعل الضربات الصاروخية لحزب لله.

3-لأن المقاومة الباسلة وجهت ضربة في الصميم للمشاريع التي تبنتها الوزارة المختصة في الكيان "وزارة تطوير الاستيطان في الجليل والنقب " فالمستوطنون يعلنون يومياً أنههم لن يعودوا للمستوطنات التي نزحوا منها ، إلا إذا انتهى التهديد الذي تشكله المقاومة في قطاع غزة والمقاومة في جنوب لبنان .

المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية بعد طوفان الأقصى

وبخصوص مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية التي تمت وتتم بغطاء من اتفاقيات أوسلو نتوقف أمام ما يلي :

أولاً : إعلان حكومة العدو في السادس من مارس ( آذار) الماضي عن بناء (3500) وحدة استيطانية جديدة في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وخاصةً في مستوطنات "معاليه أدوميم" و"كيدار"، شرق القدس، و"إفرات"، جنوب القدس.

ثانياً : إعلان حكومة العدو في 22 مارس ( آذار) الماضي عنن مصادرة (8) كيلومترات من أراضي الغور الزراعية ( 8000 )دونم وهي أكبر عملية مصادرة للأراضي في الضفة الفلسطينية منذ حرب حزيران 1967.

 وبهذا الصدد قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان "مؤيد شعبان" أن مصادقة وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموترتيش ، على الاستيلاء على هذه المساحة الواسعة من الأغوار يأتي في إطار مخطط صهيوني لحسم السيطرة على أراضي الفلسطينيين ، تحت مسميات مختلفة منها ،إعلانات أراضي الدولة التي تحولها لصالح الاستيطان، مشيراً إلى أن هذا الاستهداف يعدّ استكمالا لمخطط السيطرة على الأغوار، الخزان الغذائي الاستراتيجي للفلسطينيين، وهي المنطقة المستهدفة بالكثير من مخططات التهجير القسري والتوسع الاستعماري ، لا سيما، استهدافها بأكثر من 72% من البؤر الزراعية والرعوية الاستعمارية التي أصبحت تشكّل منطلقا لعصابات المستعمرين ، الذين يطلقون على أنفسهم "شبيبة التلال" لتنفيذ الكثير من الاعتداءات الإرهابية بحق الفلسطينيين.

ثالثاً : لجوء حكومة العدو في الثامن والعشرين من حزيران (يونيو ) الماضي إلى شرعنة خمس بؤر استيطانية في مناطق الخليل وبيت لحم ورام الله والبيرة ونابلس ، وتحويلها إلى مستوطنات كبيرة تأخذ حصتها من موازنة الاستيطان ، حيث أعلن الوزير الصهيوني "بتسلئيل سموتريش " ؛ أنّ هذه القرارات جاءت ردّا على اعتراف خمس دول أوروبية بدولة فلسطين.

ما يجب الإشارة إليه هنا ، أن موضوع شرعنة البؤر الاستيطانية، الذي تم توظيفه لاحقاً في سياق سياسي ، رداً على الإدانات الدولية للعدوان الصهيو أميركي على قطاع غزة، وعلى الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين ، سبق وأن طرح في 19 تموز 2023 في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الصهيوني ، وكان بانتظار اللحظة السياسية لإقراره ، لكن معركة طوفان الأقصى أزاحته لفترة من سلم أولويات الكيان ، والتركيز على أولية الرد على هزيمة السابع من أكتوبر 2023

رابعاً: سحب حكومة العدو الصهيوني ، البساط تدريجياً من تحت أرجل السلطة الفلسطينية "سلطة الحكم الذاتي المحدود " ، وإعادتها الاعتبار للإدارة المدنية الصهيونية في الضفة الغربية التي تتعامل مع الضفة ، بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الكيان الصهيوني (يهودا والسامرة) .

فالإدارة المدنية الصهيونية وفق قرار حكومة العدو في 28 حزيران الماضي ، لم تعد محصورة في المنطقة ( ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية وفق اتفاق ( أوسلو 2) بل تعدتها مؤخراً في صلاحياتها إلى المنطقة (ب) التي تخضع إدارياً للسلطة الفلسطينية ، ما قد يتيح لحكومة العدو التوسع الاستيطاني في هذه المنطقة .

ووفقاً لصلاحيات الإدارة المدنية الصهيونية الجديدة ، فقد تم إلغاء صلاحيات السلطة الفلسطينية عن محمية طبيعية مصنفة (ب) وفقاً لاتفاقيات أوسلو (2) ، وهذه المحمية تمتد شرقي مدينة بيت لحم ، وتبلغ مساحتها (166) ألف دونم ، بما يساوي (3) في المائة من مساحة الضفة الغربية بما يتيح توسيع البناء الاستيطاني في المستوطنات المقامة، وتقييد حركة بعض مسؤولي السلطة.