Menu

قطع الطريق أمام الأهداف الاستخدامية للتفاوض

تقدير موقف.. مفاوضاتُ "الفرصة الأخيرة".. لعبةُ "نتنياهو" المستمرة وتغييرُ المقاومة شروطَ اللعبة

2Lu57.jpg

مركز عروبة للابحاث والتخطيط الاستراتيجي - فلسطين

في ظل تصعيد إسرائيلي غير مسبوق منذ بداية الحرب العدوانية ضد قطاع غزة، تمثَّل بمجازر بشعة متواصلة بحق المدنيين وباغتيالات طالت كلًّا من رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية ، والقيادي في "حزب الله" اللبناني، فؤاد شكر، وفي ظل ترقُّبٍ إقليمي ودولي لردِّ محور المقاومة على ذلك التصعيد، وفي ظل خلافات داخلية إسرائيلية متصاعدة، تتجه الأنظار إلى العاصمة القطرية الدوحة مجدَّدًا، في انتظار ما سيتمخض عن جولة جديدة من المفاوضات بشأن وقف القتال في القطاع ستجري اليوم فيما ترفض "حماس" المشارَكة.

تسلِّط هذه الورقة، من إنتاج برنامج الإنتاج المعرفي في مركز عروبة للأبحاث والتفكير الاستراتيجي، الضوءَ على جولة المفاوضات الجديدة المرتقَبة في الدوحة، مرورًا بالمواقف المختلفة منه، ولا سيَّما موقف المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس"، في مقابل محاولات "بنيامين نتنياهو" المستمرة لإطالة أمد الحرب على غزة، وسط مشهد تصعيدي يضع الإقليم بأكمله في حالة من الغليان.

تفاصيل اللقاء المرتقَب

تبدأ في الدوحة اليوم الخميس جولة جديدة بشأن المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد دعوة علنية مشتركة غير اعتيادية وجَّهها الأسبوع الماضي قادة الولايات المتحدة و مصر وقطر إلى كل من "إسرائيل" وحركة "حماس"، للاجتماع في 15 آب/أغسطس 2023 إما في القاهرة أو الدوحة لإجراء مفاوضات تبدأ في اليوم ذاته، لوضع "اللمسات النهائية على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح المحتجزين"، وقد قوبلت الدعوة بدعم فوري سعودي وإماراتي.

ومن المقرر أن تنعقد الجولة بمشاركة مسؤولين من دولة الاحتلال والولايات المتحدة وقطر ومصر. وقال موقع "أكسيوس" الأمريكي إن مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية، "وليام بيرنز"، سيشارك في الاجتماع الرباعي مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ورئيس الموساد "ديفيد برنياع" الذي سيترأس الوفد الإسرائيلي المفاوض.

وقالت الصحف الإسرائيلية إن طاقم المفاوضات الإسرائيلي سيوفَد كاملًا الخميس إلى الدوحة مع "كبار أعضاء الفريق المفاوض"، وسيكون من بين أعضائه المستشار السياسي لـ"نتنياهو" "أوفير فليك"، ورئيس الشاباك "رونين بار"، ومسؤول ملف المفقودين في جيش الاحتلال "نيتسان ألون". وقد قرر رئيس وزراء الاحتلال توسيع صلاحيات الوفد ومنحه "تفويضًا معقولًا" بشكل يمكنه من إبداء مرونة بشأن المواقف التي ستعرضها "إسرائيل" لإجراء المفاوضات والتقدم فيها، على حد تعبير تلك الصحف.

وأما "حماس" فترفض المشاركة في المفاوضات، مشترِطةً التزامًا إسرائيليًّا واضحًا بما اتُّفِق عليه في مطلع تموز/يوليو المنصرم، إذ تؤكد الحركة وتشدد في كل بياناتها وتصريحات قادتها منذ بداية المفاوضات غير المباشرة أن أي اتفاق يجب أن يضمن وقفًا لإطلاق النار في قطاع غزة، وانسحابًا كاملًا لقوات الاحتلال من القطاع، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين لدى دولة الاحتلال مقابل إطلاق سراح أسرى إسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة. فيما يتوقع الوسطاء التشاور مع الحركة بعد محادثات وقف إطلاق النار في قطر.

وأما السلطة الفلسطينية فتجدِّد الدعوةَ إلى وقف إطلاق نار فوري وعاجل في قطاع غزة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة في الضفة الغربية و القدس المحتلتين، و"التوقف عن خنق الاقتصاد الفلسطيني، والإفراج عن أموال المقاصة الفلسطينية، تمهيدًا للعودة إلى الأفق السياسي القائم على الشرعية الدولية وفق حل الدولتين"، كما جاء على لسان رئيس السلطة، محمود عباس، الذي التقى الثلاثاء الماضي بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في موسكو، وسيلتقي اليوم بالرئيس التركي، "رجب طيب أردوغان" في أنقرة، في زيارة يلقي في خلالها خطابًا أمام البرلمان التركي في جلسة استثنائية دعا إليها رئيس البرلمان، "نعمان قورتولموش".

الموقف الأمريكي ومحاولة تجنيب "إسرائيل" ردًّا إيرانيًّا مرتقَبًا

تكتسب جولة المفاوضات الحالية أهميتها الاستثنائية من أن الولايات المتحدة ترى فيها فرصة لتوفير الظروف المناسبة لوقف التصعيد في المنطقة، وتجنُّب حرب إقليمية، بتجنيب دولة الاحتلال ضربةً إيرانيةً ينتظرها العالَم بترقُّبٍ ردًّا على اغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، والتوصل إلى حل دبلوماسي يوقف التصعيد بين "حزب الله" و"إسرائيل" خاصةً بعد اغتيال فؤاد شكر.

وقال مسؤول إسرائيلي إن واشنطن أبلغت "تل أبيب" بأن الوقت قد حان لاتفاقٍ لوقف إطلاق النار في غزة، وقال الرئيس الأمريكي، "جو بايدن"، إنه ما يزال يعتقد أن وقف إطلاق النار ممكن وقابل للتطبيق. وصرَّح نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، "فيدانت باتيل"، بأنَّ الولايات المتحدة تتوقع أن تمضي محادثات الدوحة قدمًا لعقد اتفاق.

في المقابل، قال مسؤولون إيرانيون كبار إن "السبيل الوحيد الذي قد يرجئ رد إيران مباشرة على إسرائيل بسبب اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها يتمثل بالتوصل في المحادثات المأمولة هذا الأسبوع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة". وصرَّح مسؤول أمني إيراني كبير بأن بلاده وحلفاء لها مثل "حزب الله" اللبناني سيشنون هجومًا مباشرًا في حال فشلت المحادثات المرتقَبة أو شعرت إيران بأن دولة الاحتلال تماطل في المفاوضات.

استمرار "نتنياهو" في لعبته المعهودة

بينما يحاول الوسطاء بثَّ روح من التفاؤل على جولة المفاوضات الحالية في ظل السياقات التصعيدية المستمرة، يجد رئيسُ وزراء الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، في الجولة المرتقَبة فرصةً للاستمرار في حيَلِه لإطالة أمد الحرب على غزة وإفشال مساعي إنهائها، عبر محاولة مد آجال المفاوضات بوضع شروط جديدة كلما تقدَّم مسار التفاوض وأبدت المقاومة الفلسطينية مرونةً، وعبر التشديد المستمر على أن أي اتفاق لا يحقِّق النصر الكامل على "حماس" يمثِّل ضربًا للأهداف الإسرائيلية للحرب، وعبر الاغتيالات والتصعيد في الإقليم والمجازر المتتالية في قطاع غزة، وعبر مهاجمة الصفقة من خلال تصريحات هجومية للإعلام من قبل اليمين الإسرائيلي أو من قبل "نتنياهو" نفسه على لسان مصدر غير مصرَّح باسمِه.

حسب القناة 12 الإسرائيلية، وصلت الخلافات بشأن مفاوضات وقف القتال في قطاع غزة بين "نتنياهو" وفريق التفاوض الإسرائيلي إلى نقطة الغليان، ويواصل مسؤولون إسرائيليون تأكيدهم أن رئيس الحكومة يخالِف قادةَ الأجهزة الأمنية لديه ويعرقل الصفقة، فيما نفى الأخير ذلك، زاعمًا أن "المسوَّدة التي قُدمت في 27 من الشهر الماضي لا تشمل شروطًا جديدة ولا تتنافى مع الآلية، بل تتضمن إيضاحاتٍ حيويةً بهدف تطبيق ما ورد في المقترَح الأصلي"، ملقيًا باللوم على "حماس"، قائلًا إنها "طالبت بإدخال تسعة وعشرين تغييرًا على المقترَح".

يتمسك "نتنياهو" بشرطين: بقاء قواته في محور "فيلادلفيا" على الحدود المصرية الفلسطينية؛ وتواجُد قواته في محور "نتساريم" وسط قطاع غزة وتفتيش العائدين إلى شمالي الوادي "لمنع آلاف المسلحين من العودة إلى شمال القطاع" على حد تعبيره، فيما ترفض المقاومة الفلسطينية ذلك، وتقترح مصر والسلطة الفلسطينية وبقية الأطراف ترتيباتٍ أمنيةً وضماناتٍ تخالِف شروطَ رئيس وزراء الاحتلال الجديدةَ التي قدَّمها إلى الوسطاء في نهاية تموز/يوليو الماضي.

رفضُ المقاومة الفلسطينية المشارَكةَ في جولة "الفرصة الأخيرة"

حسمت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" موقفَها بأنها لن تكون جزءًا من المفاوضات المقبلة المزمع عقدها، لكنها ستكون على استعداد للقاء الوسطاء بعد ذلك، للحصول على تحديث، ومعرفة ما إذا كانت "إسرائيل" ستقدم اقتراحًا جدّيًّا وعمليًّا للصفقة.

وطالبت "حماس" الوسطاءَ بتنفيذ ما وافقت عليه مطلع تموز/يوليو الماضي وفق رؤية "بايدن" وقرار مجلس الأمن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وإلزام الاحتلال بذلك. وقالت الحركة في بيان إن ذلك سيكون "بدلًا من الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات أو مقترحات جديدة توفر الغطاء لعدوان الاحتلال، وتمنحه مزيدًا من الوقت لإدامة حرب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين"، مشيرةً إلى أنها خاضت جولات مفاوضات عديدة، وقدمت كل ما يلزم من مرونة وإيجابية من أجل تحقيق أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني وحقن دمائه ووقف الإبادة الجماعية بحقه، وبما يفتح المجال لعملية تبادل للأسرى وإغاثة الشعب الفلسطيني وعودة النازحين وإعادة إعمار ما دمره العدوان.

خاتمة

تأتي الجولة الجديدة من المفاوضات في سياقات أكثر حساسيةً وتعقيدًا مما سبقها من جولات، ما جعل وسائل إعلام إسرائيلية تصفها بـ"لقاء الفرصة الأخيرة لإعادة الأسرى أحياء"، فيما لا ترى أطراف كثيرة أن الجولة ستُحدِث اختراقًا، وذلك مع استمرار تعنُّت رئيس وزراء الاحتلال، بعد أن كادت المفاوضات "تقترب من تحقيق اختراق قبل وقت قصير من اغتيال هنية وشكر"، حسب دبلوماسيين أميركيين قالوا إن ثمة أربعة أو خمسة نقاط خلافية فحسب بشأن تنفيذ صفقة التبادل ما تزال بحاجة إلى حل.

تُعَدُّ "حماس" في مرحلة انتقالية تتضمن التفكير بتغيير تكتيكات المفاوضات والضغط، وبالتأكيد في انتظار إشارات من المحور حول القادم، إذ يأتي قرار الحركة أولًا تعبيرًا عن أنها لن تبقِي تكتيكاتِها التفاوضيةَ على حالها بعد جرائم الاحتلال، وخصوصًا عملية اغتيال رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، واستمرار المجازر في قطاع غزة، وبالتالي فإنها تقطَع الطريق أمام تكرار "بنيامين نتنياهو" المستمر لعملية "شراء الوقت" عبر الذهاب إلى جولات تفاوضية تلو الجولات التفاوضية، ثم العبء كالعادة في تفويض الوفد وإضافة اشتراطات جديدة، بعد أن يكون قد ضمِن تخفيفَ الضغط الدولي والحراك الداخلي الضاغط، وبالتالي فإن "حماس" قررت ألَّا تنجرَّ إلى الدائرة ذاتها مرة أخرى، عادَّةً أن ما قدمت الموافقة عليه وقبولها بالمحدِّدات التي رسمها الرئيس الأمريكي، "جو بايدن"، في خطابه الأخير يمثِّل أقصى ما يمكنها تقديمه وأن لا قيمة لأية جولات تفاوضية جديدة.

على جانب آخَر، تعي المقاومة الفلسطينية تمامًا أن الهدف الرئيسي من هذه الجولة التفاوضية على نحو التحديد يتمثل بمحاولة تجنيب المنطقة الدخول في موجة تصعيد إقليمي قد يطوِّر الأمور إلى حرب إقليمية يسعى الجميع إلى تجنبها، وبالتالي فإن المقاومة ترى في الجولة التفاوضية الحالية مناوَرةً لتلافي وإفراغ الرد المفترض من محور المقاومة على الاغتيالات الأخيرة في بيروت وطهران، عبر التصوير وكأن اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة بات قاب قوسين أو أدنى، وبالتالي فإن رسالة المقاومة من المقاطعة -وأيضًا من الصاروخين اللذين أطلقا قبل يومين على "تل أبيب"، أن المقاومة الفلسطينية ترى أن الأولوية تتمثل بالرد على جرائم هذا الاحتلال والارتقاء إلى مستوى المواجَهة الذي رفعه بجرائم الاغتيال واستمرار المجازر في قطاع غزة عبر رد واضح وصريح ومباشر من محور المقاومة، وألَّا تسمح باستخدام الجولة التفاوضية الجديدة كمادة لإفراغ هذا الرد من مضمونه أو خفض سقفه ومستواه.