Menu

من أين يأتي هؤلاء؟

تعبــيرية

غزة - بوابة الهدف

لن يتوقف العدو عن محاولاته المستمرة لاختراق المجتمع الفلسطيني، ومن البديهي أن العدو لا يوفر أي جهد في تجنيد المزيد من العملاء وتسليطهم على شعبنا، حالات السقوط الفردي للعملاء والمتعاونين مع الاحتلال يمكن فهمها كظاهرة سلبية وخطيرة، ومرض اجتماعي، ولكن وجود بيئة مساندة للسلوك الخياني ومشجعة على السقوط قد يكون شرارة النهاية لكل ما هو وطني فلسطينياً.

في ظروف الحصار القاتل لقطاع غزة، تلعب العوامل الاقتصادية والمعيشية الخانقة أدواراً في بعض حالات السقوط، بجانب تراجع قد ألمّ بالوعي الوطني والأمني بمكائد الاحتلال وطرق الإسقاط، هذه الوضعية قد تساعد العدو في الكثير من حالات التجنيد، ولكن هذه ليست نقطة المقتل، فالنظر لحالة المشتبه به الرئيسي في قضية اغتيال الشهيد مازن الفقهاء يلفت الانتباه للخلفية التي جاء منها هذا الرجل والتي ساهمت في سقوطه، هذا التمعن يصبح ضرورة إذا ما انتبهنا لكون هذه الخلفية قد شكلت كنز أمني لاستخبارات العدو ساعدته في توظيف العديد من الأفراد والعملاء من خلال الارتباط المباشر بأمن الاحتلال أو الارتباط غير المباشر.

كلمة السر في هذا كله هي بيئة تعادي الهوية الوطنية، باتت تزدهر في منطقتنا العربية، وطالت براثنها فلسطين، ذلك بفعل التعبئة المذهبية ضيقة الأفق، التي تستعدي الأفراد على مجتمعاتهم ومكونات شعبهم، من تلك البيئة جاء هذا المتهم وغيره من الضالعين في عمليات التجسس في فلسطين، أو في الهجمات الهستيرية على الكنائس المصرية، وهو ذات المنبت التي يفرز الفصائل المتعاونة مع الاحتلال في الجولان السوري.

إسقاط الهوية الوطنية وضربها هو مدخل أساسي لفتح وكشف مجتمعاتنا أمام العدو، وتسليطنا بعض على بعض، وللتذكير هنا فإن العديد من المجموعات التي وجهت طعنات مختلفة للمقاومة في ظهرها، على أرض غزة، أو في لبنان، كانت من هذا المنبت، وإذا كان لا يمكننا الجزم أن جميع هذه الحالات كانت ذات ارتباط مباشر بالاحتلال، لكن بالمقابل يمكننا التأكيد يقينا أنها خدمت مصالحه، وأنه يواكب أنشطتها ويشجعها، ويخترقها ويوظفها لمصلحته بالكامل.

قوى أساسية في المقاومة الفلسطينية، كانت ولا زالت تصر على التغاضي عن هذا التنامي الخطير للتحريض الطائفي، في صفوف عناصرها بل ولدى بعض مؤسساتها وأذرعها وأدواتها، وإذا كان الثمن المدفوع سابقاً مقابل هذا التجاهل هو تفجير مقهى إنترنت، أو اعتداء على مسيحي فلسطيني، أو حتى قتل عناصر من فصيل آخر منافس، فإن الصورة الآن باتت واضحة بعد تورط هذه العناصر طائفية المزاج، خيانية الارتباط في اغتيال الشهيد مازن الفقهاء.

لم يعد من المقبول مواصلة التغاضي عن هذه الآثار الكارثية للتعبئة الطائفية، المعادية للهوية الوطنية، ولكل مكونات المجتمع الفلسطيني، وأن التعامل مع حالات السقوط والعمالة يبدأ أولاً بالقضاء على عوامل السقوط، والأسباب المؤدية له، والبيئة المشجعة عليه، لذا لا يمكن الحديث عن أي تحصين للمجتمع والمقاومة، دون التزام بالهوية الوطنية، واعتبارها مرجع أساسي للعمل في مواجهة الاحتلال، فلا فكاك من ضرورة الإجابة السريعة على المعضلة التي يطرحها هذا التهديد.

كذلك يتطلب الأمر حسم الاصطفاف إلى جانب القوى الإقليمية الداعمة لمشاريع التعبئة الطائفية، والتي لا تتورع عن الارتباط والشراكة مع الكيان الصهيوني، معتبرة أن الأولوية الآن هي للمواجهة الطائفية.

لا يمكن لشعب فلسطين وفصائله أن تكون حليفة لحكومات طائفية الهوى اختارت أن تحالف الكيان الصهيوني، ولطالما عملت في خدمة مشاريع الهيمنة والاستعمار في المنطقة، وفي ذات الوقت لا يمكن للمقاومة أن تتسامح مع تنامي المجموعات الطائفية التي تتلقى التمويل والدعم، من تلك الدول، وبالتأكيد لا يمكنها أن تسمح لذاتها بترك بعض أذرعها وتياراتها  ومؤسساتها تنحاز لهذه المجموعات والمشاريع المشبوهة.