Menu

كيف أبيدت شييطت 13 في الأنصارية

تقريرالعدو يعترف بعد 20 عاماً: حزب الله كان يراقب كل شيء وكمين الأنصارية كان مخططاً بدقة

أنصارية

بوابة الهدف/ تقرير: أحمد.م.جابر

مضت عشرون عاما تقريبا على كمين الأنصارية في جنوب لبنان، والعدو ما يزال يضرب أخماسا في أسداس في الكيفية التي تمكنت فيها المقاومة من كشف العملية وتفاصيلها والايقاع بمنفذيها وقتل 13 جنديا صهيونيا. بما فى ذلك قائد القوة المقدم يوسى كوراكين، بالاضافة الى طبيب من قوة انقاذ ارسلت لمساعدتهم.

"أغنية الصفصاف" كما أطلق العدو على العملية كانت أغنية حزينة ومدمرة للعدو الصهيوني ووحدة الشييطت13 الخاصة التي أبيدت تقريبا في كمين الأنصارية الشهير إحدى أكبر المواجهات التي جرت بين المقاومة اللبنانية والعدو الصهيوني، والتي دارت وقائعها ليل 4/5 أيلول 1997.

مناسبة هذا النص تقرير شامل نشرته يديعوت أحرونوت الصهيونية عن العملية ووقائع الارتباك والرواية الصهيونية التي لن تكون كاملة أبدا عن الكمين المحكم الذي نصبته المقاومة تلك الليلة لإحدى أهم الوحدات العسكرية الصهيونية المختصة بالعمليت الخاصة مدعومة بقوة جوية وبحرية مكثفة وهو تقرير يكشف لأول مرة تحقيقات العدو حول الكارثة التي أصابت جنوده واعتراف نادر ومتأخر عن كفاءة المقاومة وأن حزب الله كان يراقب كل شيء ويعرف كل شيء عن الهجوم.   فيما يلي استعادة لرواية المقاومة ورواية العدو المرتبكة عن العملية. ويستند هذا النص إلى بيانات المقاومة وروايتها حول العملية وتقرير يديعوت أحرونوت يوم الأربعاء 21 حزيران 20017 حول تحقيقات العدو.

مع نهاية عام 1994 قرر العدو الصهيوني توسيع عمله خارج الشريط الحدودي، في الرصد والتجسس واستهداف المقاومة وقادتها، وبناء عليه نشطت وتوسعت شبكات التجسس والتخريب الصهيونية في المنطقة في محاولة لكشف خطط المقاومة ومواقعها ونقاط ضعفها والتخريب المبرمج في الداخل اللبناني.

وفي تلك المرحلة وفي العام 1997 توصل العدو عبر معلومات استخبارية دقيقة إلى مكان محدد سيتواجد فيه قائد كبير من المقاومة وكانت خطة العدو بسيطة في شكلها معقدة في طريقة تنفيذها وجمع المعلومات البشرية والوجستية لها، تتلخص في زرع لغم كبير في طريق مرور القيادي المقاوم وتفجير العبوة عن بعد وينتهي كل شيء. لكن رياح المقاومة عصفت بأشرعة العدو، وكان للمقاومة رأي آخر غير المسار والنتائج.

كان أمام المقاومة خيارين كل منهمالا أصعب من الآخر: الخيار الأول أن يلغي تواجد القيادي في الزمان والمكان، وهكذا تحبط عملية العدو ويتم إلقاؤها تلقائيا، الخيار الثاني هو الأصعب والأشد خطورة، أن تنصب المقاومة كمينا لكمين العدو عبر ترك القيادي تحت أنظار مخابراته وجواسيسه دون أي تغيير في خطط تحركه.

وهذا كان يتطلب رصد تحركات العدو ومعرفة الطرق المحتملة لمسيره وجاءت المساعدة عبر المقاومين في قسم االحرب الالكترونية الذين تمكنوا من اعتراض بث الطائرات الصهيونية المسيرة ومعرفة الطرق الممكنة لتحرك القوة الصهيونية المنفذة. كان تكرار تصوير الطائرات لمناطق ومسارات معينة دليلا للمقاومة في معرفة الطريق الذي سيسلكه العدو على وجه الدقة وهكذا كان وأكل الصهيوني الطعم.

كشفت المقاومة مسبقا أن العدو سينفذ إنزالا بحريا مستعينا بوحدة الشييطت، المدربة خصيصا على السير لمسافة عشر كيلومترات بعد الإنزال ويأتي اختيار الشييطت 13 دليلا على أهمية الهدف الذي تريد القوة الصهيونية اصطياده فهي وحدة مدربة على المهام الخاصة المعقدة، مثل اغتيال الشهيد أبو جهاد الوزير في تونس 1988 واستجلاب اليهود الفلاشا في عملية خاصة من السودان منتصف الثمانينيات وتفجير السفينة مونلايت عام 1985  وغيرها من العمليات، وبالتالي استنتجت المقاوم أن العدو سيستعين بهذه الوحدة ووحدة زرع العبو لاقتناص الهدف وووحدة حماية عن بعد، وكان يجب التعامل مه هؤلاء جميعا في نفس الوقت.

قامت وحدات الهندسة المقاومة بتلغيم الطريق كامى بعبوات موجهة قادرة على الانفجار في اتجاه معين لمسافة كافية للقضاء على الكوماندوز الصهيوني المتقدم، وكان على المقاومة أن تنفذ تكتيكات مناورة للانتشار في المنطقة دون لفت أنظار العدو، والمهمة الأساس الايقاع بالجنود وفي ذات الوقت سحب القيادي الهدف بعيدا واحباط خطة العدو الأصلية. في هذه الأثناء قررت المقاومة وضع الهدف الثاني للعملية وهو هدف استراتيجي أتى أكله لاحقا وهو أسر جنود من العدو لمبادلتهم بأسرى لاحقا.

وكانت المقاومة تشرف على العملية بأعلى المستويات بدءا من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وباشراف مباشر من الشهيدين عماد مغنية ومصطفى بدر الدين. وفي اللحظة المناسبة فجرت المقاومة العبوات الناسفة وفتكت التفجيرات بجنود العدو، وتدخلت وحدات الانقاذ وطائرات مروحية واشتبكت المقاومة مع القوات المهاجمة، وأجبرتها على الانسحاب ثم عمدت لتمشيط المنطقة والاستيلاء على معدات العدو المتروكة وأشلاء جنوده.

بعد عشرين عاما من العملية يعترف العدو حسب تقرير يديعوت أحرونوت بأن حزب الله كان قادرا على اعتراض المعلومات الاستخبارية أثناء نقلها من الطائرات بدون طيار، مما أعطى له معرفة مسبقة بعملية القوات البحرية في عمق لبنان. ورغم مرور 20 عاما على الواقعة يعترف مسؤول صهيوني كبير أن الحادث لم يحظ بتحقيق عسكري شامل وظل مثيرا للجدل حتى اليوم.

وفي الوقت نفسه يحاول العدو التقليل من حجم الصدمة حيث يزعم يعلون رئيس أركان العدو االسابق أن التفجير الأساسي جاء نتيجة انفجار العبوات التي يحملها الجنود وهي رواية تافهة عسكريا ولايمكن تصديقها سوى محاولة لتخفيف الأضرار.  ويزعم يعلون أن حزب الله لم ينجح في استباق أي معلومات عن العملية وهذا كذبته الوثائق والتسجيلات التي نشرها حزب الله فينه ومن ضمنها تسجيلات الطائرات المسيرة التي تمكن الحزب من اعتراضها.  

أربع لجان تحقيق كان شكلها العدو خلال ثلاث سنوات بعد العملية دون أي نتيجة وكانت الرابعة عام 2010 بقيادة العقيد كوبي أغمون وتؤكد نتائج اللجنة التى كشفت في يديعوت لأول مرة أمس الأربعاء  تأكيدات الكوماندوز الخمسة الباقون على قيد الحياة فى فيلم وثائقي واستنتج الكوماندوز أنهم لم يبلغوا الحقيقة كلها حول ما حدث في تلك الليلة. يعترف العدو أن المهمة كان يفترض أن تكون اعتيادية لشييطت 13 في عمق الجنوب اللبناني وهي مهمات تدربت عليها كثيرا، وأشرف على تدريباتها قائد البحرية آنذاك اللواء ألكس تال الذي شهد بعض التدريب لتلك المهمة "المشؤومة" كما يصفها العدو.

لكن يؤاف غالانت الذي كان قائدا للشييطت 13 قبلها بسبع سنوات وذهب من مركز قيادته  كقائد شعبة في غزة إلى كز الوحدة بعد العملية وعاين الجرحة والمعدات المدمرة يكذب ادعاءات يعلون، بأن المقاومة ليس لها يد في الانفجار، وقال جالانت "نظرت الى المعدات المدمرة التي وضعت في غرفة بالقرب من مساكن الكوماندوز". وأصر غالانت على أن المتفجرات التي كان يحملها الكوماندوز لم يكن بها رخام معدني، وهو ما يتناقض مع ادعاء يعلون والقيادة بأنه لا يوجد أي تدخل للمقاومة  في الحادث. وهو ما أكدته اللجنة "أن المتفجرات التى كانت تحملها قوات الدفاع الاسرائيلية كانت قياسية وآمنة للاستخدام وكانت الاستعدادات للعملية شاملة". ورغم ذلك استمر الجيش الصهيوني في انكار الحقائق مدعيا أن كمين المقاومة كان بالصدفة.

وخلصت لجنة التحقيق الثانية بوضوح إلى أنه "استنادا إلى كمية الانفجارات وتكوين المتفجرات التي انفجرت، يبدو أن المتفجرات المعادية متورطة، وكانت المتفجرات التي حملتها القوة في النظام ولم تتضمن عناصر مماثلة لتلك التي تسببت اغلبية حاسمة من الاصابات بين الكوماندوز ".

ويصف الوزير غالانت الوقائع بقوله" "كانت استنتاجاتي صحيحة ثم تبقى صحيحة الآن". "نتيجة لمخالفات عملية جمع المعلومات الاستخباراتية لهذه العملية، والتي تم القيام بها بطريقة غير كافية بما فيه الكفاية ، أدرك حزب الله قوة كوماندوز بحرية كان من المفترض أن تصل إلى منطقة محددة خلال الإطار الزمني المقدر. وفي ضوء هذا الإدراك، أقام حزب الله سلسلة من الكمائن متفرقة، مع شخصين أو ثلاثة أشخاص في كمين، في بعض الليالي وأوقات معينة عندما يكون الوصول من البحر ممكنا، وأدرك حزب الله أن قوة الكوماندوز ستأتي من البحر ضمن إطار زمني أسبوع أو أسبوعين." وهو ما يتوافق مع الخطة التي نفذتها المقاومة بخصوص الانتشار الميداني غير الملحوظ ولكن المبرمج أيضا.

وأضاف غالانت إن مقاتلي حزب الله الذين نصبوا الكمين لم يكونوا من مقاتلي الدرجة الأولى للحزب المتواجدين على الخطوط لالأمامية بل مقاتلي النسق الثاني، حسب تعبيره، وهي تفاصيل لم تض فيها المقاومة وبيناتها المنشورة حول العملية،  وأضاف غالانت إن "الانفجار الذي وقع بعد 41 دقيقة من منتصف الليل تسبب في سقوط معظم القتلى في صفوف الكوماندوز" .

"بعد 14 دقيقة من الانفجار الأول، انفجرت عبوة ناسفة أخرى من داخل بستان، حيث قتل كوراكين قائد الهجوم، وبعد ثلاث دقائق وثماني ثوان فقط، انفجرت المتفجرات الكبيرة وقتلت ايتمار إيليا -الذي شوهدت أشلاؤه على أجهزة التلفزيون في يد مقاتلي حزب الله -، مما أدى إلى قطع أشجار السرو المجاورة. وتم العثور على شظايا من هذا الانفجار في بعض جثث الكوماندوز - إلى جانب الرخام المعدني من المتفجرات التابعة لحزب الله. ويعتقد العدو أن ثمة عميل مزدوج في لبنان نقل المعلومات إلى حزب الله، ولكن رواية الحزب تكذب هذا المزعم وهو ادعاء استبعده الشين بيت على كل حال.

 واعترف غالانت إن تحليل حزب الله للصور التي استولى عليها من الطائرات وفحص مسار الطائرات ومناطق توقفها لمزيد من التعمق أدى لمعرفة واسعة للحزب بطريق الدخول الذي ستسلكه الوحدة الصهيونية وأيضا النقاط التي نوت الوحدة الوصول إليها. 

يصف التقرير الصهيوني كيف أحبط الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كل تحقيقات اللجان الثلاثة حول الذي حدث في الأنصارية عندما ظهر على شاشة تلفزيون المنار يوم 9 آب/ أغسطس 2010 وكشف عن شريط فيديو وقال أن المقاومة  اعترضته من إرسال الطائرات الإسرائيلية بدون طيار. كما وصف نصر الله كيف نصبت المقاومة الكمين.

  وأدى ذلك إلى ضجة في الكيان الصهيوني. وأصدر رئيس هيئة أركان العدو السابق غابي أشكينازي تعليمات للبحرية بتشكيل لجنة تحقيق رابعة لبحث ما إذا كانت أشرطة الفيديو التي أطلقها حزب الله أصيلة. وترأس اللجنة العقيد كوبي عجمون الذي كان ضابط المخابرات في شيتيت 13 قبل أسبوعين من العملية في أنصارية وواحد من كبار ضباط المخابرات البحرية.

وقد قامت اللجنة، التي تضم سبعة ممثلين من جميع الهيئات ذات الصلة، بفحص أرشيف لقطات من الطائرات بدون طيار منذ ذلك الوقت، وقامت بتحليل الفيديو الذي نشره حزب الله، ووجدت أنه تم تجميع ستة مقاطع فيديو مختلفة تم تحريرها معا. وشملت اللقطات الخمس الأولى لقطات من التلفزيون اللبناني، لقطات من التلفزيون الإسرائيلي، صورة فضائية فضائية ملونة مع طريق قوة الشايط عليها، صور بثتها طائرة الاستخبارات ليلة الهجوم والصور المنقولة بواسطة طائرة بدون طيار ليلا و خلال اليوم. تم تصوير آخر مقطعتين أثناء إنقاذ الكوماندوز. وتشير هذه النتائج إلى أن حزب الله كان طوال عملية الإنقاذ بأكملها يراقب بالتفصيل ما يحدث على الأرض، بما يتناقض مع استنتاجات اللجان والقيادة في البداية.

وقالت اللجنة "في البداية، كانت هذه اللقطات التقطتها الطائرة بدون طيار لمدة 30 دقيقة، والتي تشمل فحصا متواصلا ومركزا لموقع الهبوط على الشاطئ والطريق المخطط له، بما في ذلك المنطقة التي انفجرت فيها المتفجرات".

واعترف العدو أنه  من الممكن أن يكون لدى حزب الله أكثر من خمس ساعات من اللقطات التي توضح مسار طريق الكوماندوز لشايتيت، بما في ذلك لقطات متكررة للمناطق التي ركزت عليها كاميرا الطائرة بدون طيار، ولقطات من طلعتين نفذتا بعد اللقطات التي استخدمها حزب الله في الفيديو.

بعد أن قررت اللجنة أن لقطات الفيديو كانت أصيلة، حاولت التحقيق في ما إذا كان حزب الله قد حصل عليها من وكيل، أم أن السوريين أو الإيرانيين اعترضوها ثم أعطوه لحزب الله. كان الاستنتاج واضحا: "كل الامتحانات وجدت أن اللقطات تم اعتراضها في الوقت الحقيقي في حين أرسلت الطائرة بدون طيار، وهناك احتمال قوي أن حزب الله  اعترضها بشكل مستقل".

 وبعد أربع لجان للتحقيق، شكلها ثلاثة رؤساء مختلفين للجيش الصهيوني، أصبح تقرير اللجنة الرابعة هو النسخة الرسمية للجيش الصهيوني. ومع ذلك، لم يفكر أحد في إعلام الجمهور بهذا التغيير. في الواقع، كان رد الجيش الصهيوني على التقرير في يديعوت أحرونوت هو المرة الأولى التي اعترف فيها الجيش رسميا بأن كمين حزب الله الذي أوقع بـ شايتيت 13 كان مخططا.