تنشر "بوابة الهدف" الجزء الثاني من الحوار الذي أجرته مع أحد الرفاق العاملين في مكتب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبي علي مصطفى، للتعرف عن قرب على حياة القائد الوطني القومي الكبير، ولنشر بعض المواقف التي لا يعلمها الناس عن مُناضلٍ بحجم أبي علي.
"بعد عملية الاغتيال الجبانة، تسارعت الأحداث، وزادت المُطالبات من الشارع بالردّ، اعتقد الجميع أنّ الجبهة سترد بتفجير باص صهيوني هنا، أو مطعم هناك، لكن ما حصل كان ضرباً من الخيال. وعندما تم الإعلان أنّ الرفيق أحمد سعدات سيكون خلفاً لأبي علي في الأمانة العامة للجبهة الشعبية، علمنا أنّ الرد على الجريمة قادم لا مُحالة، بل إنها مسألة وقت ليس إلا، لأن من يعرف أبو غسان عن قُرب يعلم أنه شخص عنيد وصلب والأهم من ذلك أنه لا يُهادن بالمُطلق، والمُقرب من أبو غسان كان يعلم أنّ المهمة الأولى له ستكون بعد أنّ أصبح أميناً عاماً، هي الثأر لرفيقه".
بعد أربعين يوماً من اغتيال الرفيق أبو علي مُصطفى، أعلنت الجبهة الشعبية عن تنظيم حفل تأبيني له في رام الله التحتا، وستكون كلمة هامة للأمين العام أحمد سعدات "أبو غسان".
يُكمل الرفيق الذي حَبب عدم ذكر اسمه: "أذكر يومها، أنَّ الرفيق أبا غسان ألقى كلمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخلال خطابه الناري، بدأت نبرة صوته بالارتفاع شيئاً فشيئاً، وعندما قال: عهداً لكَ يا رفيقنا أبا علي، عهداً لكَ يا مُعلمنا، عهداً لكَ يا رمزنا، عهداً لكَ يا عنوان عزتنا، أن لا يكون شعارُنا أقل من الرأس بالرأس، هذا لكم يا كتائب الشهيد أبو علي مصطفى ". "كنت من بين العديد من الرفاق الذين شعروا بأنها إشارة أو شيفرة مُعينة لتنفيذ شيءٍ ما".
أكتوبر المجيد
يُتابع: "عشيّة الـ17 من أكتوبر كنت مُتواجداً في بيرزيت. السابعة صباحاً يُهاتفني أحد الرفاق من قطاع غزة، ويزف لي خبر العملية: هناك وزير إسرائيلي أُصيب في رقبته وحالته خطيرة جداً، وقناة فرنسية تقول أنّ الجبهة الشعبية وراء العملية. فذهبت في ذلك اليوم إلى رام الله لأرى الفرحة والسرور في وجوه وعيون الأطفال والنساء والرجال.
"وصلت رام الله. الأجواء كانت غريبة. الناس تتداول خبر العملية بكل فرحٍ وسرور، وقنوات التلفزة أعلنت أنَّ الوزير الذي أُصيب في العملية هو وزير السياحة الصهيوني رحبعام زئيفي –صاحب نظرية الترانسفير- وقد فارق الحياة، والجبهة الشعبية أعلنت بشكلٍ رسمي مسؤوليتها عن العملية"، يُضيف.
وهُنا يستذكر: "كما علم الجميع فيما بعد، أنَّ الجبهة الشعبية انتقت مجموعة من الرفاق يتمتعون بصفاتٍ خاصة لتنفيذ العملية، فقد كانوا بلا قلب، ولا يهابون الموت أبدا، حتى أنّ أحد أفراد المجموعة وهم متواجدين في فندق ريجنسي –مسرح العملية- اختلق مُشكلة مع أمن المسبح بلا أي سبب يُذكر".
مساءًا، نفَّذ الشهيد الرفيق فؤاد أبو سريّة، العملية الاستشهادية الأولى في الانتفاضة بجيب عسكري صهيوني قرب موقع "ناحل عوز" شرق غزة، حيث فجَّر جسده الطاهر مُباشرةً بالجيب، وذلك في إطار ردّ الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين على اغتيال القائد أبي علي.
محاولات الجبهة للانتقام تواصلت منذ اللحظة الأولى وتوجتها بعملية 17 أكتوبر، فمثلاً حاولت مجموعة من الجبهة اغتيال الحاخام الصهيوني عوڤاديا يوسف، وتكررت عمليات إطلاق قذائف الهاون من قطاع غزة على الأراضي المحتلة، والعديد العديد من العمليات البطولية.
"الاحتلال بعد عملية زئيفي شنَّ حملة اعتقالات مسعورة في صفوف كوادر وقيادات الجبهة الشعبية، إلى جانب حملة الاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة التي طالت عشرات الرفاق من الضفة وغزة".
كلمة للتاريخ
"بتقديري الشخصي والبسيط، لو امتد الزمن برفيقنا أبي علي لشهور قليلة فقط، لرأينا جبهة غير الجبهة التي كانت آنذاك. كان يسعى لترتيبات مُعينة، سياسياً وعسكرياً، كانت الجبهة الشعبية تنهض وتنتفض بشكلٍ مُتسارع وتترك بصمات شديدة الوضوح هُنا وهُناك، وعلى كل مُستوطنة صهيونية كانت مجموعات وخلايا الجبهة تتركُ بصمة عسكرية بطولية، وبشكلٍ يومي".
الجماهير الحاشدة التي خرجت يوم اغتيال أبي علي في رام الله وطولكرم و الخليل وسخنين وأم الفحم وغزة وفي مخيمات اللجوء والشتات، رفعت الرايات السوداء ورددت هتافات تُطالب بردٍ انتقامي على عملية الاغتيال، فكان لها ذلك، فأبو غسان هدد ونفّذ، والذي تعودنا عليه يُردد دائماً "رصاصاتنا كثر ولم تصدأ بنادقنا بعد".
نختم هذا الحوار بمقولةٍ تاريخية للشهيد القائد، أبي علي: "أقول لكل أبناء فلسطين، أننا لا يُمكن أن نقبل مهما كانت الظروف والاعتبارات، أن يمسح أحداً ذاكرة الشعب الفلسطيني ليقول أن فلسطين هي فقط الضفة والقطاع، لا.. فلسطين هي كل فلسطين وإن كانت الظروف السياسية تستوجب برنامجاً مرحلياً يقبل به الشعب لأن يكون لنا مسعاً وطني لأخذ أي قطعة أرض لإقامة دولة بسيادة وعاصمتها القدس ، لا يمكن أن يكون هذا على حساب الذاكرة والمجد والتاريخ والماضي والحاضر والمستقبل لفلسطين".