Menu

هل هناك مفاجأة من السلوك النمساوي المتصهين؟

بوابة الهدف/ أحمد.م.جابر

قد يفاجأ الكثيرون من إعلان المستشار اليميني المنتخب للحكومة النمساوية سيباستيان كورتس مطلع الأسبوع بأن حكومته تدرس الاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة يهودية. كما تنوي الحكومة النمساوية الاعتراف بمزاعم الذنب النمساوي بما يسمى (المحرقة).

في الحقيقة يعكس هذا النوع على ما يبدو مسعى الحكومة النازية الجديدة في النمسا لشرعنة وضعها ضمن الاتحاد الأوربي والحصول على شرعية في محيط يدعي أنه يرفض الصعود اليميني النازي في أوربا. ويبدو أن أفضل السبل هي الحصول على رضا الكيان الصهيونيوالولايات المتحدة. وهذا الإعلان يعمش تناقضا في الادعاءات الصهيونية المستمرة والشكوى من صعود اليمين في أوربا والتخوف ومواصلة التذكير بالمحرقة ومآسيهعا، ولكن المطلع الجدي على تاريخ الصهيونية يعلم أن هذا ليس سوى تناقضا شكليا، نظرا لطبيعة العلاقات المصلحية المتجذرة وتبادل الخدمات بين الحركة الصهيونية والكيان النازي في حينه.

ألم يكن جابوتنسكي فاشيا نموذجيا بل لقد وصفه زملاؤه في الحركة الصهيونية بأنه "فلاديمير هتلر"، وتشرب ملدئ التنقيحية من تجربته في إيطاليا افاشية وعلاقاته الوطيدة مع موسوليني، ولعل ما يقوله المفكر الراحل إسرائيل شاحاك المؤرخ المناهض للصهيونية يؤشر بوضوح على ما سنلحظه هنا من أن الطيور على أشكالها تقع، وأن كيانا من طراز الكيان الصهيوني سيجد علاقاته مع أنظمة وقوى توافقه أيدلوجية ورجعية.

يقول شاحاك «عندي تجربة كبيرة مع النازيين فقد رزحت تحت حكمهم، وهذه التجربة تخولني حق الحديث عن أوجه الشبه بين النازية العادية بوجهها الألماني والنازية الإسرائيلية، كيف تبرر إسرائيل لنفسها التعاون مع جنوب أفريقيا، حيث يوجد هناك عدد كبير من قدامى النازيين، وإسرائيل لا تتعاون مع نازيي جنوب أفريقيا فحسب بل مع نازيي الأرجنتين أيضا، وباراغواي المملوءة بالنازيين أكثر من الأرجنتين، إن حكام إسرائيل والحركة الصهيونية من ورائهم، لا يهتمون بشيء غير مصلحة الدولة الإسرائيلية وبقائها، وهذه المصلحة لا تهتم بما هو خير أو شر للفرد اليهودي، بل بما هو خير أو شر للحركة الصهيونية والدولة الصهيونية» نجد كيف أن هذه العلاقة القائمة على العناصر الأساسية لأفكار الفاشية تشكل حجر الأساس لتحالف شيطاني لنظم قامعة تختلف مسمياتها وتوصيفاتها ولكن هذا كاف لإثبات فاشية الدولة الصهيونية ورجعيتها الشوفينية.

و لطالما استغلت الحركة الصهيونية جرائم النظام النازي كاستثمار ناجح، ونفذت بهذه الطريقة وبسبب عداء العالم للنازية أبشع عملية ابتزاز عبر التاريخ مستمرة حتى اليوم إلا أن الوقائع تثبت أن الحركة الصهيونية تستخدم قيم الأخلاق وضحايا النازية فقط لمصلحتها، فحولت  «الهولوكوست» إلى صناعة ناجحة ورابحة لجني الأموال والدعم السياسي يثبت ذلك حقائق أثبتها البحث التاريخي الموثق بلا أدنى شك.

ولا شك أن أساس العلاقة كان المصلحة المشتركة التي سوغتها الجذور المشتركة للأيدلوجية الفاشية التي يعتنقها الطرفان، وبالتأكيد كان قادة الحركة الصهيونية شديدي الإعجاب بالتجربة الألمانية، وقد نقل عن ناحوم غولدمان قوله «ثمة هوية أساسية لدى الألمان واليهود هي مواجهة المصير المشترك كمهمة إلهية».

وهكذا ارتبطت أهداف الطرفين، رغبة النازية بالتخلص من اليهود، ورغبة الصهيونية بترحيل اليهود إلى فلسطين، فعملت الحركة الصهيونية بمثابرة على تهجير اليهود الألمان وحاربت بشدة اندماجهم وقد حصل هذا النشاط على تأييد هتلر شخصياً الذي عبر عن ذلك بقوله «لقد كانوا هم الصهاينة الذين أعلنوا تنظيف ألمانيا من يهودها».

كانت المصالح متبادلة إذن، فبصدد المذبحة التي نفذتها النازية ليس فقط ضد اليهود، نجد الحركة الصهيونية متورطة ببشاعة في هذه الجريمة، ومن الثابت أن صلات عميقة انعقدت بين قادة الحركة الصهيونية والنظام النازي، ففي عام 1933 عقد الزعيم  الصهيوني الاشتراكي أرلوزوف مع الهتلريين اتفاقية بصدد صفقة تحويل الألمان اليهود النازحين إلى فلسطين بشكل بضائع، مما قوض المقاطعة الاقتصادية الدولية لألمانيا الهتلرية وأمن لها جمع مبلغ 5.5 مليون جنيه، وهذا لم يكن مجرد اتفاق هامشي بل كان في صلب السياسة العامة للحركة الصهيونية.

إن ذلك كله مرتبط بأن الوكالة اليهودية لم تكن مهتمة بالوضع الصعب لليهود الألمان وإنما تركز اهتمامها على إمكانياتهم وقدرتهم على المساهمة في المشروع الصهيوني، ويشير توم سيغف في (المليون السابع) أن المنظمة أرسلت عام 1935 إلى برلين قائمة بأسماء من لا يجب السماح لهم بالهجرة.

ذلك مجرد إشارة بسيطة إلى عملية الخداع التاريخي التي مارستها الفاشية الصهيوينة في محاولة وضع قناع يعزلها عن واقع علاقاتها الإجرمية المشبوهة، وبالتالي لايمكن منطقيا القبول بأن سلوك اليمين النمساوي هو سلوك غريب أو خارج السياق، الموضوع لايتعلق باليهود، بل يتعلق بالصهيونية والعلاقة بين كيانين إرهاربيين.