Menu

هل فعلاً تستطيع السلطة الفلسطينية الانفكاك من الاحتلال "اقتصاديًا"؟

أحمد نعيم بدير

صورة تعبيرية

غزة _ خاص بوابة الهدف

يرى مُختصون أن الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال "الإسرائيلي" تطبيقًا للقرار الصادر عن المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الأخير الذي اختتم أعماله في مدينة رام الله مساء الاثنين الماضي، سيُسهم في تحقيق استقلال اقتصادي وطني رغم المصاعب المُترتبة على ذلك.

تطبيق الانفكاك الاقتصادي من شأنه تحقيق استقلال الاقتصاد الوطني، بعيداً عن التبعية "الإسرائيلية" التي تتحكم بموارد ومقدرات الشعب الفلسطيني من خلال تحرير حركة التجارة الفلسطينية التي قيدها اتفاق باريس الاقتصادي.

قرار "المركزي" بهذا الشأن، يبدو وللوهلة الأولى سهلاً وقابلاً للتطبيق. ولكن، هل فعلاً يُمكن تحرير الاقتصاد الفلسطيني من قبضة الاحتلال "الإسرائيلي"؟. في السطور التالية سنُحاول الإجابة على هذا التساؤل.

بدايةً، عملية الانفكاك من اتفاق باريس الاقتصادي المُوقَّع بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" هي عملية صعبة، ولسبب بسيط جدًا، وهو أن اتفاق باريس الاقتصادي ليس اتفاقًا مُستقلاً بذاته بل يُعتبر أحد توابع اتفاقية "أوسلو"، وبالتالي لا يمكن الفصل بينهما، والحديث هُنا للمُختص في الشأن الاقتصادي د. أسامة نوفل.

هذه الاتفاقية –باريس- أُطلق عليها "غلاف اقتصادي" حول الأراضي الفلسطينية، وهو مشروع اقتصادي مُربح للاحتلال "الإسرائيلي"، وعكست بنود الاتفاق العلاقة بين اقتصاد منهك بالقيود والأغلال وهو "اقتصاد مناطق السلطة الفلسطينية"، وآخر مهيمن ومتسلط وهو "اقتصاد دولة الاحتلال".

ونصت الاتفاق على إقامة غلاف جمركي يشمل الاقتصادين (السلطة الفلسطينية، ودولة الاحتلال) للمرحلة الانتقالية، من خلال المزج بين النمطين المعروفين في عالم التجارة الدولية، وهما: "التجارة الحرة"، و"الاتحاد الجمركي".

وبحسب المُختص نوفل، فإن منظمة التحرير الفلسطينية عندما وقعت اتفاقية "أوسلو"، كانت تعلم منذ البداية أن الاقتصاد الفلسطيني سيدخل في تبعية طويلة المدى للاقتصاد "الإسرائيلي".

مُؤخرًا، وعلى وقع تصاعد حالة الغليان الشعبي في الشارع الفلسطيني نتيجة قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس ، اضطرت السلطة الفلسطينية للإعلان عن قرارات، على شاكلة ما صدر عن الدورة الأخيرة للمجلس المركزي، في محاولة لامتصاص غضب الشارع.

ويتابع نوفل في مقابلةٍ مع "بوابة الهدف"، أنه "من الصعب الانفكاك عن الاحتلال اقتصاديًا طالما أن فلسطين دولة غير مُستقلة بذاتها وقابعة تحت احتلال، والحديث يجري عن تعديلات في اتفاق باريس ليس إلّا، في ظل أن جميع الدراسات أثبتت أنه ليس من السهل أن تتخلى السلطة عن اتفاق باريس طالما أنها تتمسك باتفاقية أوسلو الأساسية".

وحتى لا تكون الصورة سوداويّة على الصعيد الاقتصادي –وان كانت كذلك- ماذا لو أقدمت السلطة على الانفكاك من هذه التبعية المقيتة للاقتصاد "الإسرائيلي" فعلاً، ماذا يمكن أن يحصل على الأرض من إجراءات من شأنها المُساهمة في تغيير هذه الصورة سالِفة الذكر.

يُعدِّد المُختص نوفل مجموعة من النقاط التي يراها إيجابية في حال تم الطلاق بالفعل بين الاقتصاد الفلسطيني و"الإسرائيلي"، يقول:

أولاً: حالة الهيمنة الاقتصادية "الإسرائيلية" على الاقتصاد الفلسطيني ستنتهي، وهذا إيجابي بشكلٍ كبير.

ثانيًا: سنتمتع بحرية استيراد وتصدير السلع للدول التي نراها مُناسبة، ونقول هنا إن اتفاق باريس قيَّد هذه الحرية.

ثالثًا: يصبح لنا الحريّة المطلقة في السياسة المالية، فنحن نعاني اليوم من السياسة المالية "الإسرائيلية" التي تُطبق علينا، فمثلاً ضريبة القيمة المضافة 16% تُفرض علينا فقط لأنها تُطبق في "إسرائيل"، وأيضًا ضريبة الجمارك تفرض علينا لأنها تُطبق في "إسرائيل"، وضريبة الشراء كذلك، مما يستدعي ضرورة الانفكاك عن هذا الاقتصاد.

رابعًا: عمليًا، عندما نستورد البضائع بعملة الشيكل، كونها العملة الأكثر تداولاً في الأراضي الفلسطينية، نستورد أيضًا ومن حيث لا ندري التضخم من "إسرائيل" والارتفاع المُستمر في الأسعار، ونعالج تلقائيًا المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد "الإسرائيلي" عبر تداولنا بعملة الشيكل. في حال الانفكاك يُصبح لدينا عُملة وطنية خاصة بنا، وبالتالي نبتعد كليًا عن المشاكل التي يُعاني منها اقتصاد الاحتلال، وهذا مكسب كبير جدًا.

ولكن على ذكر العملة الوطنية، كيف سيكون هناك اقتصاد فلسطيني حُر، بدون عملة وطنية خاصة به للتداول والاستيراد والتصدير؟.

يُبيّن نوفل، أنه في حال قامت دولة فلسطينية كاملة السيادة لها كامل السيطرة على المعابر ولديها ميناء ومطار، فيحق لهذه الدولة اصدار عملة وطنية خاصة بها، لكن هذه الخطوة المُتمثلة بإصدار عملة خاصة، ستواجه في البداية إشكالية من حيث قوتها النقديّة بين دول العالم.

ونُشير إلى أنَّ مدى قوّة العملة مُرتبط بمدى قوة التصدير للخارج، بمعنى أن الانفتاح الاقتصادي على الدول الأخرى وخاصة الدول العربية منها، سيقوي أي عملة فلسطينية مستقبلية.

لا نريد اصدار عملة جديدة؟، لنا ذلك، على الأقل لنا الحرية كفلسطينيين باختيار العُملة المُناسبة كالدولار الأمريكي أو الدينار الأردني مثلاً، بعيدًا عن اجبرانا على تداول عملة بعينها كما هو حاصل اليوم –الشيكل-.

وبحسب مثال، ذكره المُحلل الاقتصادي نوفل على نجاعة اصدار عملة وطنية خاصة والتعامل بها عوضًا عن غيرها، فإن 3% من الناتج المحلي "الإسرائيلي" يأتي فقط من تعامل الأراضي الفلسطينية بعملة الشيكل، ما يعني خسارة لهذا الاقتصاد في حال التخلي عن هذه العملة.

خامسًا: ووفق اتفاق باريس فإن الاقتصاد الفلسطيني غلاف جمركي لاقتصاد الاحتلال، الذي يقوم بتصدير سلع للأراضي الفلسطينية، لا يُصدرها للخارج، أي أنه يستفيد من السوق الفلسطينية لبيع سلعه غير المُطابقة للمواصفات الدولية، وهذا لن يكون في حال الانفكاك.

يرتبط الأمر كذلك بالمعابر، خاصة في قطاع غزة، وما تعانيه من أزمات في ظل سيطرة الاحتلال على كل شاردة وواردة فيها، إذ يمنع توريد أو تصدير السلع حسب مزاجه بحجة "ازدواجية الاستخدام" وغيرها من الذرائع، وفي حال افتك الاقتصاد الوطني عن الصهيوني، فلا تكون هذه السلطة لـ"إسرائيل" على المعابر.

هذا كله يحتاج إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولكن أيضًا في حال الانفكاك، هل الاتفاقيات الاقتصادية المُوقَّعة من قبل السلطة الفلسطينية مع الدول العربية والعالم الخارجي، تحمى هذه الخطوة الجريئة –الانفكاك- أم لا، يُجيب المُختص نوفل، بأنها فعلاً تحمي هذه الخطوة، ومن الضروري الاستفادة من كافة هذه الاتفاقيات.

المُختص نوفل، شدَّد على ضرورة تكاتف الجهود من أجل الوصول إلى هذه الخطوة، وإذا وجد المواطن الفلسطيني أن هناك جدوى من الانفكاك من الاقتصاد "الإسرائيلي"، وأن هناك مكاسب كبيرة جدًا نتيجة للحرية الاقتصادية من وراء ذلك، فسنجد الجميع داعمًا لهذه الخطوة.

السلطة الفلسطينية لا تزال رهينة النموذج الاقتصادي الليبرالي، ما يُعرف بـ"اقتصاد السوق"، الذي يعمّق بدوره حالات الفقر والبطالة والعوز ويزيد من اتّساع الشرائح المهمشة اقتصاديًا، في ظلّ غياب أيّة أفق لحلولٍ جذرية إزاء هذا الواقع، وتفاقم مظاهر الفساد والإفساد والتضّخم في مؤسسات السلطة، فكيف هذا، وهي ذات السلطة التي تحث على الانفكاك الاقتصادي من الاحتلال، فهل هي جاهزة في ظل ما ذُكر لمرحلة "عض أصابع" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!.