Menu

عبدالعال: المخيم يحمي الذاكرة من الزوال

مروان عبد العال

بوابة الهدف _ وكالات

حاز ابن مخيم نهر البارد، شمال لبنان، مروان عبد العال على جائزة القدس للثقافة والابداع 2016، نشر العديد من المقالات الأدبية والسياسية والفكرية، أقام معارض تشكيلية عدة، وصدرت له روايات: "سفر أيوب" عن دار كنعان 2002، وعن دار الفارابي: "زهرة الطين" (2006)، "حاسة هاربة" (2008)، "جفرا لغاية في نفسها" (2010)، "إيفان الفلسطيني" (2011)، "شيرديل الثاني" (2013)، "60 مليون زهرة" (2016) وأخرها " الزعتر الأخير" 2018.

استغرقت كتابة روايته "الزعتر الأخير" أكثر من عامين، ويمتد رصد الأفكار والعوالم الواردة فيها الى أكثر من 10 سنوات فهي تستند الى ذاكرة شفوية ومكتوبة.

وفي مقابلة خاصة مع "شبابيك"، استعرض عبد العال أحداث الرواية قائلاً أنها "تحكي قصة شخصية كانت قريبة مني جداً وكنت مأخوذا بها وأحد معالمها الرئيسية في مخيم تل الزعتر، ذلك المخيم الذي أقيم شمال شرق بيروت عام 1949، وأزيل عن الوجود خلال الحرب الأهلية، بنيت على هذه الشخصية الخيال، واستطعت أن أحولها بشكل أو بآخر إلى رواية".

وأضاف "كان راعياً في فلسطين يطلق على صديقه الماعز اسم زعتر، لأنه كان يحب نبتة الزعتر الموجودة في وادي الحنداج، وخلال عيش حياته كان يتخيل شبح هذا الماعز، فهذه الذاكرة الطفولية كانت دائماً تواكبه في حياته، ونتيجة للأحداث التي حلّت به أصيب بمرض نادر يعرف بمرض "الإفراط في الذاكرة" وتعرض لجلطتين في القلب ومات بعد ان روى هذه الرواية ليس نتيجة لتوقف قلبه بل نتيجة انفجار في الذاكرة كما أكد طبيبه".

في هذا السياق، رأى عبد العال أن المخيم هو الذي حمى الذاكرة بشكل أو آخر، وقال "لم أعش في فلسطين وذاكرتي لا علاقة لها بفلسطين" ويوضح قائلاً "لم أعش الذاكرة هناك لأني من مواليد مخيم نهر البارد ورغم ذلك أنقل وأروي الذاكرة الشفوية التي حفظتها عن امي وأقاربي فالذاكرة متناقلة بين الاجيال والمخيم ساعد على حفظ هذا النوع من الذاكرة".

وتطرق عبد العال خلال حديثه الى أحداث مخيم نهر البارد في ايار 2007، وقال: "عندما دُمر المخيم كان أصعب شيء عندي أن تدمر الذاكرة، لذلك أهم معركة خضناها مع الجهات المانحة هي اعادة اعمار المخيم وفق النسيج الاجتماعي، أي أن توزع المنازل بالطريقة التي كانت عليها، فعملنا على اعادة اعمارها بشكل حديث لكن حسب القرى الفلسطينية" مُشيراً الى محاولات لتدمير وتشويه المخيم وهويته.

وعن مدى قدرة مروان عبد العال على فصل نفسه كروائي عن وضعه السياسي حين يكتب الرواية، قال: "هناك أمور ولدت معي بالفطرة، ترعرعت في منزل فيه بيئة خصبة للكتابة فوالدي يمتلك مكتبة منزلية خاصة به. ولدي قناعة تامة أن القضية الفلسطينية لا تصل للناس بالخطاب السياسي فحسب بل هناك جوانب ثقافية وانسانية واجتماعية بإمكانها أن تصل بشكل أسرع للقارئ".

وأضاف عبد العال: "الكتابة، الرسم، الفن، والادب أصلح أسلحة لحماية الذاكرة، فالحفاظ على المكان وهويته والنسيج الاجتماعي والفكرة "الوطنية" عامل مهم جدا". مُشيراً الى أن الثورة الفلسطينية لم تحرر فلسطين لكنها انتجت وطنية فلسطينية لا يمكن انكارها.

وأفاد الروائي الفلسطيني بأن الكتابة عبارة عن تفريغ حمولة زائدة أحياناً، ليس لها علاقة بالذاكرة وحدها، بل بالهوية أيضًا، والرواية لا تعيد الذاكرة فحسب، بل تطرح أسئلة في خوف من منفى جديد تصبح فيه الذاكرة عرضة لتحولات.

وفيما يخص اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، قال عبد العال: "كنا نشعر بكل الراحة عندما نذهب الى مخيم اليرموك، فالمجتمع كان أكثر استقراراً مقارنة بالمخيمات في لبنان، التي تهجرت منذ زمن ومجازر اجتماعية ارتكبت بحق الفلسطينيين الموجودين في لبنان بفعل اغلاق كل سبل الحياة امامهم وفق سياسة بعيدة المدى وهذا ما لم يحصل في سوريا، الذي حدث في سوريا هو ضربة فجائية، صدمة لم يتوقع احد ان تكون بهذه القوة، فمخيم اليرموك ليس فقط ذاكرة، كل حارة من حاراته تحمل اسم حارات فلسطين".

ولفت عبد العال الى أن "الثقافة الفلسطينية تراجعت بطريقة جنونية حيث أصبحت تشكل عبئًا كبيراً قياسًا بالسابق، وأن واقع اللجوء نزف نخبة كبيرة، ومعظم الذين تركوا المخيمات كانوا من الناس المؤهلين".

وأضاف أن "المنظمات غير الحكومية سحبت كمًا كبيرًا من هذا الكادر المؤهل ثقافياً ووضعتهم في برامج جزء منها خارج اهتماماته، ويعود تراجع هذه الثقافة أيضاً الى أولويات الناس فالكثير منهم يعتبر أن شراء الكتاب ترف".

ورأى أن "الاعتداء على الثقافة هو اعتداء على العقل والفرد نفسه والسيطرة عليه، فأي أرض ممكن احتلالها لكن لا يمكن احتلال ارادة الناس وعقولهم وهويتهم وانتمائهم"، موضحاً أن هناك محاولة لسلخ فلسطين عن كل شيء وكل كاتب أصبح عنده اولوياته الخاصة وفلسطين الخاصة به.

واعتبر عبد العال أن "العمل السياسي يخشى العمل الثقافي خوفاً من التصادم معه، خاصة أن العمل السياسي أصبح عملاً وظيفيًا مُؤخراً، أما بالنسبة لي لم يكن دخولي في العمل السياسي بهدف مهني بل هو القيمة الفنية والأدبية والتحررية للفعل السياسي الذي لم يكن يوماً رتبة وراتبًا ومنصبًا".

وفيما يتعلق بأحداث عين الحلوة المتتالية، قال عبد العال إن "عين الحلوة لن يتكرر في تجارب المخيمات الاخرى". وتساءل هل سيسمح له بالحلّ بشكل كامل "بالتأكيد لا" من هنا يفكر الفرد بطريقة لا شعورية بأن مكانه ليس هنا لاسيما الجيل الصاعد الذي يولد عنده قلق سياسي وأمني واقتصادي.

وأضاف "نحن نعلم حجم الضغط على الشباب الفلسطيني اليائس في المخيمات وندرك تماماً خطورة التسهيلات وعمليات الخروج والهجرة التي تترتب، فهناك من يحاصر الشباب داخل المخيم وخارجه بالمعنى النفسي والعسكري والاقتصادي وآخر يفتح له الطريق للهرب الى الخارج، هذا مخطط مدروس لتحويل الفلسطيني الى ضحية، والمطلوب أن نرفض من يعمل على ابتزازنا ويفرض سياسته علينا".

وعن الأساليب التي يجب اتباعها لتغذية روح القراءة عند الشباب، رأى عبد العال أن "الموضوع يبدأ من المنزل منذ الطفولة، ففي أوروبا لا يغفو الطفل إلا إذا قرأت له قصة، وهذا في علم النفس يغذي عند الطفل علاقته بالكتاب وهو مهم جداً اضافة لدور المنظمات والمراكز في اقامة معارض كتب في المخيمات مثلاً وغيرها من العادات التي تشجع الشباب على القراءة".

المصدر: شبابيك - لميس ياسين