Menu

طمس الهوية: عن برج المراقبة الصهيوني الذي يشوه باب العمود

بوابة الهدف/ أحمد.م.جابر

لا يتعلق الأمر بالناحية الجمالية فقط، فتغيير المكان وهيئته هو جزء وثيق من الممارسة الاستعمارية لفصل السكان عن مكانهم وتحطيم الصلة بين المألوف وأصحابه عبر تحويله إلى شيء آخر لا يعرفونه تماما، تشويه المكان واقتراع أشجاره هو مسعى لقطع الصلة من جهة وإحلال هوية مغايرة من جهة أخرة، عملية كي للوعي الانتمائي للمكان الذي هو لنا، بحيث لا يعود يشبه نفسه.

ولكن الأمر يتجاوز هذا في باب العمود، حيث تهدف تلك الكتلة السوداء غريبة الملامح المزروعة في المكان إلى تعزيز الرقابة والضبط والسيطرة، خطة جديدة ووجه جديد للبوابات الإلكترونية. ضمن خطة وزير الأمن الداخلي الصهيوني جلعاد أردان لإحكام القبضة الصهيونية على القدس ، والتضييق على حياة الفلسطينيين وقاصدي الصلاة في المسجد الأقصى.

باب العمود هو قلب العالم أو يكاد، فهو مغرق في التاريخ وإن كان جدد على يد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي أعاد إنشاءه عام 944هـ/1538م فوق الباب الروماني القديم حيث يبدو عقده في نهاية الخندق الذي يعبره الناس على قنطرة تمر فوقه.

 يرجع تاريخ باب العمود إلى عصر هيرود أغريبا (40م/41) حسب عالمة الآثار كاثلين كينون التي ذكرت أنه كان مخصصاً للمشاة. ويذكر أنه بعد أن دمر دمتريوس القدس عام 70م هدم هدريان (أدريانوس) عام 135م بقية المدينة وبنى مستعمرة جديدة أسماها (إيليا كابيتونيا) وبنى ثلاث بوابات متجاورة أوسطها، هي: نواة باب العمود الحالي وأولها وثالثها أبواب للمشاة ولم ينبثق عنها سوى الباب الروماني الشرقي.

ويمر الداخل من الباب إلى مفترق طرق أولها إلى سوق (خان الزيت) وثانيها إلى طريق الواد فالمسجد الأقصى وثالثها إلى حارة السعدية وباب حطة (أحد أبواب المسجد).

وقد سمي الباب بهذا الاسم (العمود) نسبة إلى عمود كان يتوسط الباب من زمن الإمبراطور الروماني أدريانوس (هدريان) وفوقه تمثال لذلك الإمبراطور، ويعتقد أيضاً أنه عمود كان الرومان يقيسون به المسافة إلى المدن الأخرى، وقد زال الآن، وكان العمود واقعاً قبالة الباب من الداخل في الساحة عند مفترق الطرق بين كنيسة القيامة وباب خان الزيت، وكان مصنوعاً من الغرانيت الأسود بطول 14 متراً، وهو ظاهر في خارطة الفسيفساء المكتشفة في الكنيسة البيزنطية في مأدبا (الأردن) ويقال أنه كان موجوداً لفترة متأخرة من العهد الإسلامي ولكن بدون التمثال.

وسمي أيضاً باب دمشق، لأنه كان مدخلاً ومخرجاً للقوافل المتجهة إلى دمشق، ومن أسمائه باب (النصر أو طريق الانتصار)، حيث كان يستخدم ممراً للملوك الفاتحين للقدس ومحتليها، ويقال أن التسمية جاءت بعد دخول ولي عهد فارس منه عام 1896م، أو عبور البابا (بول) منه عام 1964م.

وسمي أيضاً الباب الشامي، وفق ما جاء في الحمرة المسحية في الرحلة المقدسية، وأيضاً (باب النصب التذكاري) وسماه أهل الخليل (باب نابلس) ويعتقد المسيحيون أن السيد المسيح صلب عنده، على التل المجاور، وأنه حين ذهب للصلب عَبَر درب الآلام عَبْر هذه البوابة، وقد استشهد القديس (استيقان) بعد ذلك بست سنوات فعرفت البوابة باسمه.

الكيان الصهيوني في سعيه للاستيلاء على القدس والعمل المتسارع على طمس معالمها يستهدف باب العمود الاستراتيجي قيميا وسياسيا وتاريخيا ودينيا أيضا، عبر تلك الهياكل المعدنية البشعة التي نصبها هناك، من أجل مراقبة الفلسطينيين.

بيأس وعنجهية يحاول الاحتلال تمويه فعلته الشنيعة بوضع ذلك الهيكل –البرج - على شكل شرفة لإخفاء هويته الأمنية العسكرية، في محاولة بائسة للادعاء أن هذا يختلف عن تلك الأبراج الأسطوانية العملاقة التي تشوه وجه الضفة الغربية وتستعد لإطلاق النار على الفلسطينيين، مدمرة مكانهم ومهددة حياتهم ومحتجزة حركتهم.

المدينة المقهورة، يتجاهل العالم كله الإجراءات الصهيونية فيها، وكونها مصنفة كموقع تراثي فلسطيني في خطر،  حيث يفتح غول التهويد شدقيه بنهم وعنف ليبتلع المدينة ويبتلع كل شيء.