Menu

عندما فكر رابين بطرد المستوطنين من تل الرميدة

باراك يكشف أسرارا جديدة عن عمليات "السايريت ماتكال"

صورة نادرة للسايريت ميتكال وبارك الثاث من اليسار وقوفا

بوابة الهدف/ترجمة وتحرير: أحمد.م .جابر

منذ عشرة أيام تقريبا، اعترف الكيان الصهيوني رسميا ولأول مرة بقصف ما زعم أنه منشأة نووية سورية، في تموز/ يوليو 2007، ولكن في الحقيقة ما حفز وسائل الإعلام للطلب رسميا رفع الحظر عن السجلات هو ما جاء في مذكرات رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الأسبوع الماضي وإطلاق السيرة الذاتية لأيهود باراك في الولايات المتحدة في أيار/ مايو المقبل، ما يعني إزاحة الغطاء عن مجموعة من العمليات السرية الصهيونية بقيت طي الكتمان لمدة خمسين عاما.

ومن الواضح أن باراك لا ينطق عن الهوى في سيرته الذاتية لدرجة أن المجلس الوزاري الذي يراقب بحزم كل كشف عن أسرار الدولة يغض النظر عن ما ينشره زميله السابق سامحين له بالذهاب إلى مجاهل لم يسبقه إليها أحد في الأرشيف السري والكشف عنها.

وفي كتابه القادم يقدم باراك سردا تفصيليا للعمليات الاستخبارية السرية التي قادها في العمق السوري والمصري على رأس "السايريت ماتكال" وجمع المعلومات التي أدت إلى النصر في عام 1967، ومزاعم باراك أيضا في قصته الشخصية إنه كان يمكن تلافي الهزيمة عام 1973.

من المعلوم ربما ان وحدة " السايريت ماتكال " أكثر الوحدات سرية وفاعلية في الخارج لم يتم تأسيسها في الأصل لتنفيذ عمليات إنقاذ الرهائن وعمليات "مكافحة الإرهاب".، ولمن تم إضافة هذا النوع من المهمات لاحقا، والعمليات الاستخبارية التي شارك بها باراك بقيت سرية طوال عقود. وبينما تم نشر بعض التفاصيل في الماضي - في وسائل الإعلام الإسرائيلية و "من مصادر أجنبية" على عادة الإعلام الصهيوني عندما يريد التحدث عن شسء محظور،  فإن باراك هو أول من يقدم نسخة أصلية كاملة لما فعلته الوحدة في سنواتها الأولى.

يقول باراك أن الوحدة كانت في الأصل مبادرة مستقلة تقريبًا من حفنة من الضباط المخضرمين لتدريب مجموعة صغيرة من نشطاء القوات الخاصة القادرة على وضع أجهزة استماع والحفاظ عليها عميقًا "خلف خطوط العدو". في حين تم بالطبع تدريب هؤلاء بشكل صارم في جميع سيناريوهات القتال، تركز معظم تدريبهم على تنفيذ مهمتهم دون الكشف عنها وترك أي أثر.

تم فرز إيهود بروغ (الذي سيغير  اسمه إلى باراك بعد أكثر من عقد من الزمن)، وهو كيبوتسي هزيل يكره السلطة،  إلى الوحدة في عام 1960 و تضمنت نواتها الأصلية أقل من 20 رجلاً. كان من المفترض أصلا أن يخدم باراك في كتيبة مشاة مدرعة، ولكن تم أخذه منها عندما سمع ضباط الوحدة إشاعة عن طفل كان قد صنع أدواته الخاصة التي تسمح له بسرقة الذخيرة من مخبأه في الكيبوتس. وكانت لديه موهبة اللصوصية بعيدة المدى.

كانت هناك صدمتان قد سبقتا تكليف " السايريت ماتكال " بمهمتها الأولى، الصدمة الأولى كانت عام 1954، عندما قام الجيش السوري في هضبة الجولان بالقبض على فريق صغير من المظليين والجنود من لواء جولاني كانوا يحاولون استبدال بطاريات جهاز الاستماع. وقد أُفرج عنهم بعد عام ونصف فقط بعد أن مات أحدهم، أوري إيلان، في السجن. ويقول باراك إن "مقتل إيلان شكل صدمة وطنية في الشباب الإسرائيلي" حينها أمر بن غوريون بوقف العمليات وراء الحدود.

وجاءت الصدمة الثانية في فبراير 1960، بعد بضعة أشهر من تشكيل الوحدة ولكن قبل وقت طويل من امتلاكها للقدرات أو الضوء الأخضر لبدء عملياتها. بشكل هزلي، في حفل كوكتيل، علم رئيس المخابرات العسكرية من رئيس محطة السي آي إيه أن مصر قد نقلت فرقتين كاملتين إلى شبه جزيرة سيناء. ما أصبح يعرف باسم "تنبيه روتم" لم يؤد هذا إلى حرب، لكنه أبرز النقاط العمياء للاستخبارات "الإسرائيلية".

 يفصل باراك في كتابه كيف تم فرز حفنة من المجندين لأول مرة إلى " السايريت ماتكال " ويوضح بالتفصيل كيف تدربوا وتجنبوا كشافة صحراء "إسرائيل" إلى أن اعتبرهم ضباطهم جاهزين.

كان لدى "باراك" نفسه الوقت ليصبح أول من يتقدم إلى المجندين الأصليين لتدريب الضباط،  ويوقّع على سنتين إضافيتين من الخدمة ويعود إلى الوحدة. وكانوا لا يزالون في انتظار الضوء الأخضر.

لم يتم الحصول على إذن بالعملية الأولى إلا في أغسطس 1963، عندما أُمر باراك بالتخطيط وقيادة توغل على رأس فريق مؤلف من خمسة أفراد في الجولان وتركيب جهاز استماع على خط اتصالات الجيش السوري. في ما يمكن أن يصبح ممارسة قياسية للعديد من عمليات " السايريت ماتكال "، وقبل استلام الضوء الأخضر النهائي "للمخاطرة بخمسة رجال في أرض العدو"، أرسل باراك وكان ملازما، لإحاطة رئيس أركان الجيش تسفي تسور بالوضع، حيث قدم  أول تقرير مفصل عن العملية التي من شأنها أن تؤدي إلى اختراق تاريخي واستراتيجي للمخابرات "الإسرائيلية".

 بمجرد تركيب الجهاز على قمة عمود الهاتف، عادوا إلى قاعدتهم دون أن يكتشفوا، لكنهم تأخروا ثلاث ساعات. وتم استقبالهم على الحدود من قبل رئيس المخابرات العسكرية، مائير أميت.

كانت العملية الأولية بمثابة نموذج لمزيد من مهام " السايريت ماتكال " على مدار الشهور التالية في الجولان. والمعلومات الاستخباراتية التي ستجمعها الأجهزة المزروعة ستكون عاملاً أساسياً بعد أقل من أربع سنوات عندما احتل الجيش الصهيوني مرتفعات الجولان في آخر 36 ساعة من حرب الأيام الستة. لكن الجبهة السورية لم تكن الجبهة الرئيسية للكيان. فإلى الجنوب في مصر كان أكبر جيش عربي والرئيس جمال عبد الناصر، عازمون على توحيد العالم العربي ضد الكيان. وهكذا فإن الاستفادة من اتصالات الجيش المصري العميقة في سيناء ستحتاج جهازًا أكبر وأقوى بكثير، وليس جهازًا يمكن حمله على ظهر الكوماندوز.

في ذلك الوقت، كان سلاح الجو الصهيوني يستحوذ على أول مروحيات نقل كبيرة، "سيكورسكي إس 58"، وتقرر أن يقود باراك المهمة الأولى الرئيسية، ويكتب باراك  "حتى الآن، معظم تفاصيل كيفية تخطيطنا للاستفادة من اتصالات المصريين تبقى سرية." .

لكنه  يعطي قدرا كبيرا من التفاصيل الجديدة، بما في ذلك استشارة الجيولوجيين للمساعدة في وضع أفضل المواقع والطرق التي تم تطويرها لإخفاء أجهزة التنصت من الكشافة المصرية. ورغم شرحه الكثير من تفاصيل العملية تقنيا يخفي باراك  كيف تم توصيل الجهاز بخط الاتصال المصري وكيفية  إخفاؤه في أوائل عام 1964، لكنه يكشف أنه استلزم جميع الرجال الخمسة في الفريق للتأكد من أنه تم تركيبه قبل أن يلتحقوا بالمروحية. وفشلت رحلة العودة تقريبًا، حيث تشكل الضباب الكثيف فوق الصحراء، وتحطمت الطائرة تقريبا عندما انحرفت قبل الهبوط مباشرة دون تفاصيل إضافية. وكانت هذه المهمة الأولى لباراك التي وافق عليها رئيس الأركان الجديد، اسحق رابين، وستتبعها عمليات مماثلة. . وأعطت أجهزة الاستخبارات الصهيونية صورة واضحة عن الحركات العسكرية المصرية، التي ساعدت الكيان في سرد قصة خاصة بعد الحرب عن مخاطر التحرك المصري. يشرح باراك كيف كان جيشه في عام 1967 على معرفة تامة بحركات "العدو".

 العملية السرية الثالثة لتركيب أجهزة الاستماع التي وصفها باراك بالتفصيل وقعت في أوائل عام 1970، بعد حرب الأيام الستة حيث تبين أن الأجهزة التي زرعت سابقا أصبحت عديمة الفائدة،  و ستحتاج هذه العملية  الجديدة إلى طائرات هليكوبتر أكبر وتشمل هجمات تحويلية على منشآت مصرية لإخفاء المهمة الحقيقية.

حلقت المروحيات فوق قناة السويس - وبالتالي إلى البر الرئيسي المصري في القارة الأفريقية ولكن عملية تركيب الجهاز وإخفاؤه كانت أصعب وكادت المهمة أن تجهض، لكن الجنرالات في مركز القيادة أبلغوا المنفذين أن المزيد من الوقت كان متاحًا، وتم الانتهاء من العمل قبل شروق الشمس.

وكتب باراك "للمرة الأولى منذ استولتنا على سيناء، كانت إسرائيل تتلقى اتصالات في الزمن الحقيقي من داخل مصر". هذه الأجهزة وغيرها التي تم تركيبها بعد العمليات كانت "المصادر الخاصة" التي استخدمتها دولة الكيان لماما للحد من مخاطر الكشف، وعشية حرب يوم أكتوبر، تم تشغيلها لفترة قصيرة جداً، مما حرم الجيش "الإسرائيلي" مما كان يمكن أن يكون معلومات استخباراتية حاسمة عن الخطة المصرية السورية للهجوم في أكتوبر / تشرين الأول 1973.

لم يتم القيام بمهام في أبريل / نيسان 1971، وأصبح باراك قائدا لـ" السايريت ماتكال " وعلى الرغم من بعض معارضة من هيئة الأركان العامة، تم توسيع مهمات الوحدة إلى ما وراء جمع المعلومات عبر الحدود إلى المزيد من الكوماندوس الهجومي وعمليات التخريب والاغتيال، ومن خلال في كتابه، لم يقدم تفاصيل إضافية عن المهمات "الصامتة"، لكن العمليات الصاخبة الجديدة لا يمكن إخفاؤها ، على الرغم من أن الوحدة، التي لم يُعترف وجودها رسميًا في الإعلام حتى أوائل التسعينات، لم يذكر اسمها بالاسم في ذلك الوقت.

ويقدم باراك بعض التفاصيل الجديدة لهذه البعثات التي هي معروفة بالفعل، كما يكتب عن العمليات التي كانت مخططة ولم يعط الضوء الأخضر لها،  وكان أحدها خطة لإنقاذ الطيارين "الإسرائيليين" الذين تم إسقاطهم خلال حرب الاستنزاف 1967-70 من السجون في دمشق والقاهرة. كانت الخطة التي ذكرها في الكتاب هي هبوط المروحيات بالقرب من دمشق واختطاف الضباط السوريين من نادي الضباط على مشارف المدينة، من أجل استبدالهم بالسجناء.

 في كتاب موشيه زوندر عام 2000 "سايرت ميتكال"، الذي يشرح التاريخ الكامل للوحدة، تم وصف مهمة مماثلة، في منتصف عام 1973 - هذه المرة لإنقاذ السجناء من سجن العباسية في القاهرة. وكان على رأس البعثة نائب باراك، يوني نتنياهو. تم تجميع فريق من الوحدة والوحدات الخاصة الأخرى، ولكن بعد ثلاثة أشهر من التدريب لم تكن الخطط قد انتهت بعد عندما اندلعت حرب أكتوبر، وتم حل الفريق.

 بعد حوالي 20 سنة، كان باراك - في هذا الوقت نائب رئيس الأركان - وكان مسؤولاً عن إعداد خطط الطوارئ لمهاجمة قاذفات صواريخ سكود العراقية خلال حرب الخليج عام 1991. مرة أخرى، قدم باراك تفاصيل جديدة، قائلاً إنه بالإضافة إلى الضربات الجوية، خطط الجيش الصهيوني للدفع بـ "500 إلى 600 جندي" من الوحدات المحمولة جواً الذين "سيسيطرون على المناطق الرئيسية وتقاطعات الطرق في غرب العراق ويبدؤون في الصيد والتدمير" لقاذفات صواريخ سكود.

سافر أيضا إلى لندن مع رئيس الوزراء يتسحاق شامير للاجتماع سرا مع العاهل الأردني الملك حسين. في الاجتماعات، التي شارك فيها عدد قليل من كبار المسؤولين، رفض حسين السماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق فوق الأردن. وأخيرا التقى حسين وشامير لوحدهما ورفض شامير أن يقول ما هي الاتفاقية التي تم التوصل إليها على الإطلاق.

وهناك إشارة مثيرة للاهتمام إلى عملية مفاجئة لـ " السايريت ماتكال " بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي التي نفذها المستوطن القاتل باروخ غولدشتاين عام 1994 حين فكر رابين بطرد المستوطنين من تل الرميدة، في الخليل،  وطلب من باراك، رئيس أركان الجيش حينها، معرفة  ما إذا كان هذا ممكنا من الناحية العملية للقيام به بسرعة. كانت خطة باراك إرسال فريق " السايريت ماتكال "  في منتصف الليل لإغلاق المنطقة والسماح بالطرد السريع، ولكن رابين ولم يصدر هذا الأمر أبداً. لا يزال المستوطنون يعيشون في تل الرميدة.

يلاحظ أنشيل بريفير في "هآرتس" أن باراك يكشف هذه الحقائق لمصلحته الخاصة، ومع أن العديد من هذه التفاصيل كانت معروفة بالفعل لدى المؤرخين والصحفيين "الإسرائيليين"، وقد ظهر البعض منها على مواقع غير مصرح بها، لم يُسمح سابقاً "لإسرائيلي" بالحديث عن مثل هذه التفاصيل في مهمات " السايريت ماتكال " و باراك، قائد ومخطط هذه البعثات، هو أول من يلقي الضوء عليها. لكن حسابه، تماماً مثل دوره كوزير للحرب أثناء الهجوم على المفاعل السوري في عام 2007، هو بشكل طبيعي خدمة ذاتية. الآن أن لديه المرجع عند فتح الباب، يبقى أن نرى ما إذا كان سيسمح للكتاب الأكثر موضوعية بتأليف نسخة أكثر اكتمالاً للتاريخ يختم بريفير.