لا حدود للعسف والأذى الذي يتم إلحاقه بالفلسطينيين من كل الجهات التي تآمرت تاريخيًا على حقوقهم وقضيتهم ووجودهم، بل يمكن القول انه خلال الساعة الواحدة أو اليوم الواحد بات بالإمكان رصد عدة قرارات وممارسات تنتهجها هذه الجهات تلحق أذى بشرائح بأكملها من الجمهور الفلسطيني، وليس من باب المبالغة أو الإيمان بنظريات المؤامرة أن نتحدث عن رغبة واضحة من هذه الأطراف بشطب ملف القضية الفلسطينية وتصفية حقوق الفلسطينيين.
ما يجري فعليًا هو تتبع لكل الحقوق السياسية والفردية للفلسطيني والانقضاض عليها واحد تلو الآخر، في إطار عام يتم فيه تفكيك المعنى السياسي والهوياتي والمجتمعي لوجود الفلسطينيين، وإبقائهم كأبدان تدب على الأرض وأفواه جائعة يتم ربطها بمشاريع تشغيل وإطعام تضعهم كعبيد لعدوهم ورعاته الدوليين وتضمن خضوعهم وغياب أي تعبيرات سياسية عنهم.
حين نتحدث عن التجويع في هذه السطور نتمثل سلسلة الإجراءات المتخذة من "أونروا" فما تقوم به المؤسسة الدولية المنوط بها إغاثة وتشغيل اللاجئين من تقليصات هو عمليا الانضمام لحملة التجويع الممنهج للاجئ الفلسطيني، دون أدنى اعتبار للمسؤولية التاريخية لوكالة الغوث والجهة المؤسسة لها وهي الأمم المتحدة ذات الدور الكبير في نكبة الفلسطينيين، فالحديث هنا لا يدور عن ضحايا زلزال أو فيضان بل عن لاجئين تم ترحيلهم من ديارهم بفعل جرائم الحركة الصهيونية التي حظيت بغطاء دولي واستفادت أيضا من تقصير دولي في تطبيق القرارات ذات الصلة بعودتهم لديارهم.
فلسطينيا وليس بعيًدا عن هذا الموضوع، لم تعطي الطبقة السياسية القيادية الفلسطينية الانطباع بكونها قادرة أو مستعدة على قيادة الفلسطينيين في هذه المعركة المصيرية لصد الهجوم المتصاعد على حقوقهم ووجودهم، بل إن هذه القيادة بمستواها الرسمي تظهر عجز واضح عن تحمل مسؤولياتها في توحيد الشعب الفلسطيني، أو طرح إستراتيجية وطنية متوافق عليها، او حتى تلبية احتياجات الصمود الوطني، هذا دون حديثنا عن انتهاجها للعقوبات كأداة للتعامل مع جزء أساسي من أبناء الشعب الفلسطيني.
هذه المسافة التي باتت تفصل بين عموم الجماهير الفلسطينية وبين المسؤول الفلسطيني تشكل تهديد حقيقي للبقاء السياسي للفلسطينيين، ومدخل لمشاريع قتل الهوية الفلسطينية آنفة الذكر، بل والأسوأ أنها تشكل أداة تفتيت وتقسيم للشعب الفلسطيني، وليس بعيد عن ذلك المستوى القيادي الرسمي لا تبدي النخبة القيادية لمعظم القوى السياسية والمجتمعية الحيوية الضرورية لمواجهة هذه التحديات المتعددة، بل تبدوا أقرب ما تكون للعجز عن طرح برنامج نضال وطني في وجه الاحتلال وديموقراطي لتصحيح الخلل الكبير في الوضع الفلسطيني الداخلي.
ليس من باب تسجيل النقد فحسب، لكن هناك حاجة ماسة لتفعيل العامل الجماهيري وإطلاق طاقاته، بكل ما تجلبه هذه الطاقات من ديناميكية في الفعل النضالي الفلسطيني، وابداع جديد لوسائل النضال، هذه اليوم مسؤولية لكل القوى الحية والتقدمية، أن تزيد من التحامها بالجمهور وتناغمها مع تطلعاته وهمومه ونضاله، وتحيل هذه النضالات لبرنامج وطني عام ، يصد محاولات تحويل القضية الفلسطينية الى قضايا معيشية ومطلبية محلية.
المسؤولية الوطنية اليوم هي الحفاظ على البعد السياسي والوطني النضالي التحرري للقضية الفلسطينية، وتلبية احتياجات وتطلعات الجمهور الفلسطيني عبر إيجاد آليات لحمل نضالاته اليومية لمصاف الهبة الوطنية الشاملة والفعل الثوري الواسع والممنهج والهادف لإسقاط مشاريع التصفية.