Menu

ندوة غسان كنفاني.. في ذكراه تُناقش "الإعلام الوطني الفلسطيني.. مجلّة الهدف نموذجًا"

غزة_ بوابة الهدف

نظّمت بوابة الهدف الإخبارية، على شرف الذكرى الـ46 لاستشهاد الأديب المناضل غسان كنفاني ، الندوة الفكرية والثقافية، التي تحمل اسمه وتعقدها البوابة بشكل دوري، وناقشت قضيّة الإعلام الوطني الفلسطيني، باستحضار "مجلة الهدف" نموذجًا ومُرتَكزًا لمحاور الندوة.

وشارك في الندوة المُخرج السينمائي والكاتب العراقي قاسم حوَل، أحد مُؤسسي سينما الثورة الفلسطينية، وعمل في مجلة الهدف عدّة سنوات، إضافة للكاتب والصحفي الفلسطيني هاني حبيب، الذي عمل سكرتير تحرير في المجلة سنوات طويلة، والأكاديمي الأستاذ في علم الاجتماع د.ناصر أبو العطا.

وأدار الحوار خلال الندوة الكاتب السياسي طلال عوكل، والذي افتتح النقاش بالقول إننا "بحاجة لاستعادة بعض محطّات الزمن الجميل الذي نفتقده هذه الأيام، عبر نبش مسيرة مجلة الهدف، وهي مسيرة طويلة، وعسى أنّ نُوفي غسان كنفاني وغيره من المُشاركون في تجربة الهدف، بعض الوفاء عبر التذكير ببعض المحطات المهمة".

وعن بدايات مجلة الهدف، التي تأسست بترخيص لبناني بالعام 1969، حينما كانت الثورة الفلسطينية موجودة بقوة في عمّان، التي كان يتركّز فيهال الفِعل والإعلام الفلسطيني، وهو ما دفع لتساؤلٍ وجّهه مُدير اللقاء للمخرج قاسم حول، كونه تواجد منذ بدايات الهدف، وفسّر حول بدوره الأمر بأنّ الفترة التي تأسست فيها الهدف بالعام 1969 شهدت أحداث أيلول، وكان الظرف قاسِ وغير مُهيّأ إعلاميًا، كما أنّ الأردن لم يكُن يمتلك حرية الصحافة والإعلام كما بيروت.

وأضاف حوَل أنّ كنفاني كان يرى في الإعلام والصحافة أداة هامّة جدًا في المجال السياسي، لا تقلّ أهميّة عن الأداة الثقافية، وكان يُفكّر في إصدار مجلة. لافتًا إلى أنّ الجبهة الشعبية احتاجت في تلك الفترة مجلة، كي تنقل أحداث الثورة الفلسطيني، وتُوصل صوت الجماهير.

وعن الإمكانيات التي كانت تتوفر وقت تأسيس مجلة الهدف، قال قاسم إنّها كانت بسيطة جدًا، لكن "الجبهة الشعبية كانت تعتقد أنّ الجماهير قادرة على أنّ تنهض أي مشروع وطني، بأبسط المقومات، ثقة الجبهة بالجماهير كانت كبيرة جدًا، كما كان غسان كنفاني يثق أنّ الإبداع في الإعلام سينجح في استقطاب الآخرين، وعليه ستكون المجلة قادرة على سداد تكلفة إنتاجها، وهو ما تحقق فعليًا، وكانت المجلة تُحقق مردودًا جيدًا من مبيعاتها في أوروبا وأمريكا وغيرها من الساحات". مُضيفًا أنّ العاملين في الهدف كانوا يتقاضون رواتب رمزيّة تسدّ حاجات العيش فقط. وكذلك كانت الشعبية كفصيل في منظمة التحرير، تعتمد على مخصصاتها من الصندوق القومي الفلسطيني.

وفي مداخلته، أشار د.ناصر أبو العطا إلى أنّ مجلة الهدف كانت تقع تقريبًا في 60-70 صفحة، وتتضمّن 3 ملفات رئيسيّة، الأول يعكس المقال السياسي للمجلة إضافة للحوارات واللقاءات السياسية، والثاني الملف الثقافي الذي كان يحتلّ حيزًا مهمًا من صفحات الهدف، والملف الثالث حول أخبار المقاومة.

وقال أبو العطا "أعتقد أن كنفاني كان يهدف بشكل رئيسي من تأسيس المجلة، إلى التحرّر والحرية"، وهذا المثقف المقاوم الملتزم كان يُؤمن بالجماهير، وتمكّن من الجمع بين السياسة والثقافة، وعوّض النقص في المادة لدى الجبهة الشعبية باتّكائه على ما يكتنزه الجمهور من إمكانيات، في الكتابة التي هدفت لإيصال صوت مقاوم للجماهير الفلسطينية والعربية بشكل عام.

ورأى أن الساحة اللبنانية كانت الأنسب لعمل المجلة، خاصة وأنّها تزامنت مع مُراجعات كُبرى شهدتها فترة التأسيس، كالنكسة، التي ألقت بظلالها على المثقف الفلسطيني والعربي، واعتبر مجلة الهدف "رد فعلي على النكسة 1967، بخلق صوت مختلف عن أدب الهزيمة ليؤسس لأدب المقاومة، بمجلة تحمل الحقيقة كل الحقيقة للجماهير".

وقال "إن نخبة من المفكرين والمثقفين والروائيين والسينمائيين على المستوى الوطني والعربي والدولي، كانت حاضرة في مجلة الهدف، وتضافرت جهود هذه النخبة لتشكل رافعة ثقافية لتتناسب مع الهدف الذي وضعه غسان لتأسيس المجلة الرائدة، والتي عكست تصورًا حداثيًا في ذاك الوقت، لدور الجريدة أو المجلة في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين".

وعودةً للمردود المالي الذي كان تُحققه الهدف من مبيعاتها في أنحاء العالم، نوّه الصحفي هاني حبيب إلى أنّ مردود الاشتراكات الفخرية من الطلاب الفلسطينيين في الولايات المتحدة كافٍ لتغطية نفقات الهدف بالكامل، وهذا في فترة معيّنة حينما كانت تصدر المجلة في بيروت، إذ تغيّر الأمر بعدها ولم تُعد الإيرادات تُغطّي النفقات. وعزا حبيب الإيراد العالي من الاشتراكات إلى أنّ الثورة الفلسطينية آنذاك كانت تحظي بقدسية كبيرة، وكان الجميع يسعى للقيام بدوره في مختلف المجالات، من ضمنها الاشتراكات الفخرية.

وفي إطار انطلاق مجلة الهدف من بيروت، قال حبيب إنّ العاصمة اللبنانية شكّلت عاصمة الصراعات العربية، والتدخلات العربية التي نشهدها الآن على صعيد عسكري وسياسي وأمني، كانت في تلك الفترة صراعات ذات طبيعة إعلامية، فكل دولة عربية كان لديها أدواتها الإعلامية.

صدور المجلة في بيروت كان له تحدٍ من جانبين، أوّلهما هو قدرة فلسطين على أن لا تدخل في الصراعات كطرف، وهو تحدٍ كبير في ظل التقاطعات العربية، والتحدي الثاني، الذي رأى هاني حبيب أنه الأهم وأنّ كنفاني تكفّل فيه، هو أنّ كبار الصحفيين والمحررين والمحللين السياسيين والمثقفين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب كلهم موجودون في بيروت، فإنّ إصدار مجلة فلسطينية وسط هذا الزخم الهائل والراقي من الإعلام الذي تشكله بيروت، التي كانت كذلك عاصمة للصحافة الإقليمية، بمعنى أن وكالات الأنباء والصحافة الكبرى كلّها كانت في بيروت، كلّ هذا شكل تحديًا كبيرًا، نجحت فيه الهدف.

وتطرق هاني حبيب إلى "ثورة الشكل" التي أوجدتها مجلة الهدف، التي كانت تصدر بحجم نصفي "تابلويد"، والذي لم يكن متداولاً في المنطقة العربية. ليُصبح غلاف المجلة رسالة سياسية إعلامية وتشكيلية فنية من خلال الملصق الذي كان يرسمه لفترة طويلة غسان كنفاني، والذي كان مُولعًا به.

من بعد العام 1982، وانتقال مجلة الهدف من بيروت إلى دمشق، فإنّ هذا أثّر بشكل مباشر عليها، وفق هاني حبيب، الذي رأى أن من بين المحطات السلبية التي مرّت بها المجلة، كان تولّي رئاسة تحريرها في الغالب عضو مكتب سياسي، رغم أن غسان كنفاني لم يكن عضو مكتب سياسي، وهذا شكّل مفارقة أثرت سلبًا على مستوى الهدف، وعزا هذا إلى أنّ عضو المكتب السياسي الذي قد يُجيد كتابة التعميم الداخلي ليس بإمكانه التوجّه إلى جمهور متعدد ومتنوع بالضرورة. وربّما هذا تم تداركه في الفترة الأخيرة، قبل الخروج من دمشق.

وقال "نحن عملنا في الهدف، لكن لدينا وجهة نظر، لذا علينا أن نُراجع وندرس هذا التراث الإعلامي، دراسةً موضوعيّة".

وعن قفزة نوعيّة تُسجّل لمجلة الهدف، وفق ما رآه الصحفي هاني حبيب، خصصت المجلة عددًا من صفحاتها لكي يُعبر الآخرون عن آرائهم، تحت مُسمى وُجهة نظر، وهذا في فترة تولي طلال عوكل رئاسة التحرير، وكان حبيب مديرًا للتحرير في حينه، لتكون الهدف منبرًا يُعبر كذلك عن مواقف الآخرين، إلى جانب كونها ناطقة باسم اليسار العربي.

ولفت الصحفي حبيب إلى أنّ البعد الإعلامي للهدف كان عربيًا بالدرجة الأولى، وكان طاقمها مكونًا في غالبيّته من يساريين عرب. وللمفارقة فإنّها ورغم علاقتها الجيّدة بالنظام العراقي في حينه، إلّا أنّها ضمّت في طاقمها عراقيين معارضين للنظام.

وفي مُداخلة للمخرج قاسم حول، استذكر أنّ مجلة الهدف لم تكن تصل لسوريا، في أول تأسيسها، لوجود خلافات بين الشعبية وسوريا، وحينها أرسل غسان كنفاني المخرج قاسم حول واثنين من الرفاق، وقال لهم "اذهبوا لدمشق وأصدروا مجلّة اسمها الجبهة، تضمّ أهمّ الموضوعات التي تنشرها مجلة الهدف". كان يتم تحريرها في عيادة طبيب فلسطيني، ويتم طباعتها في مطبعة صغيرة، وصدرت على مدار عام.

ولفت عوكل إلى أنّه في الفترة اللاحقة، صدرت كذلك مجلة باللغة الإنجليزية، تحمل اسم "فلسطين الديمقراطية".

وحول ورود الإعلانات في مجلة الهدف، في الفترة ما بعد أوائل تسعينات القرن العشرين، على عكس الفترة التأسيسية الأولى، التي اعتبر قاسم حول أنّها شهدت فترة من اليسارية الطفولية، إذ كانت ترفض المجلة نشر إعلانات. تساءل طلال عوكل ما إن كان هذا التغير يعود لتوجّه المجلة نحو مهنية أكثر أو طبيعة صحفية والخروج من إطار الحزبية في سياق تطور داخل الجبهة الشعبية، أم إنّه يعود لسبب أن الظرف كان يقضي بأن تكون الهدف على نحوٍ مختلف عمّا كانت عليه في البدايات.

وردّ المخرج قاسم حول، بأن غسان كنفاني كان شخصية مهنية، استطاع أن يجعل مجلة الهدف حرفية ومهنية ليست للشعبية فقط، وكانت الدراسات التي تُنشر في حينه ذات بعد عربي وعالمي. وأشار إلى الدور الهام والمفصلي للصحفي هاني حبيب حينما تولى سكرتاريا التحرير في تعزيز المُحتوى العربي والدولي في مجلة الهدف.

وقال إن تدني الأوضاع السياسية في الساحة الفلسطينية والعربية انعكست بالضرورة على مستوى المجلة فكريًا وفنيًا، وأصبحت تتراوغ ما بين كونها مجلة حزبية أو مجلة عربية فحسب. على عكس قوة أداء ومستوى المجلة زمن غسان كنفاني.

وعن هذا الارتباك، وما عكسه على مجلة الهدف التي شهدت صعودًا وهبوطًا، قال د.ناصر أبو العطا، إنّ حالة التراجع التي تتزامن مع تراجعًا في النظام السياسي الفلسطيني وحوامل حركة التحرر الوطني والعربي والحروب الأهلية إلى جانب التحول الكوني في الميديا وطبيعتها ورسائلها، كل هذا بحاجة إلى موارد كبيرة جدًا ورسائل مختلفة عن الشكل الذي اعتدنا عليه في السابق.

وأضاف أنه من المهم الحفاظ على تراث الهدف، الذي ارتبط بغسان كنفاني، لكن يجب عقد الكثير من الورش لبحث كيف يمكن لمجلة الهدف إعادة الانخراط في أسئلة الراهن العربي والفلسطيني من ناحية، وبأدوات وموارد مختلفة من ناحية أخرى. وطالب بتحويل إصدارات الهدف لنسخ الكترونيّة تطّلع عليها الأجيال، التي لم تعشها زمن صدورها الورقي.

وبالتطرّق لتراث مجلة الهدف، طالب الصحفي هاني حبيب بإعادة جمع أعداد المجلة، الذي لم يتم الحفاظ عليه وقد يكون تعرّض للضياع.

وفي المرحلة الثانية من مسيرة مجلة الهدف، وهي المرحلة الشامية، برئاسة طلال عوكل، وهاني حبيب مُديرًا للتحرير، تطرّق الأخير في مداخلته خلال الندوة لسلبيات رافقت هذه المرحلة، تتعلق بسطوة السياسي على الصحفي، على شاكلة صدور العدد الخاص، الذي كان أكثر من نصفه برقيات، مختلفة الأحجام وتستغرق وقتًا وجهدًا كبيرًا لإعدادها، اعتبرها حبيب عديمة الأهمية ولا يقرأ. ما كان يجعلها جهدًا ضائعًا.

وقال الصحفي حبيب أنّ هذه كانت معاناة شديدة، وجوانب سلبية، وتُرهق وتحبط طاقم العمل، لكن هذه الجوانب لم تكن تطغى بالتأكيد على الإيجابيات ودور الهدق في تلك المرحلة.

وعن مصاعب في السياق الفني، نوّه حبيب إلى أنّه بعد الانتقال إلى دمشق، التي كانت متخلفة في الطباعة، دفع لأن يكون التحرير في دمشق والطباعة في بيروت، وفي أيام الشتاء كان يتم توصيل أعداد الهدف على ظهور الدواب، وغيرها من الصعوبات. وفي زمن محدد كانت الطباعة تتم في قبرص لضمان إصدار المجلة في موعدها.

واستذكر هاني حبيب دور عددٍ من الشخصيات العربية التي كان لها دورًا كبيرًا في مسيرة مجلة الهدف، وكثير من هذه الشخصيات تولّت مناصب راقية فيما بعد في مجال الصحافة والإعلام.