لم يقتصر ضرر المستعمر بنسخه المختلفة على السيطرة على الأرض أو نهب الموارد الطبيعية، بل يمكن القول أن الاستعمار يخوض عملية مستمرة لتطوير أدواته التي تمكنه من تدمير المجتمعات وتفكيك البنى القائمة بما يحول دون قيام أي مشروع وطني تحرري أو يفتته حال قيامه.
المسعى الاستعماري في فلسطين حاول باستمرار تحويل الفلسطينيين من شعب إلى مجموعات من السكان متعددي الهويات والمصالح، مقاتلا ضد الهوية الفلسطينية الجمعية وكل ما يسهم فيها، وفي هذا الإطار يمكن فهم طروحات الاحتلال وسياساته وخططه التي عكست روحية ذلك الجزء من وعد بلفور والذي يصف الفلسطينيين بـ "الأقليات غير اليهودية" .
في هذه المرحلة نبصر جميعًا المساعي لفصل قطاع غزة عن بقية فلسطين، وهذا الاستهداف لغزة لا يأتي من فراغ، بل لما تمثله من مخزون بشري لقضية اللاجئين، وحالة ثائرة نشطة في كل أشكال الاشتباك مع الاحتلال، فالشروط المفروضة مقابل بعض التسهيلات المعيشية التي لا ترقى لمرتبة تخفيف الحصار، تقوض أسس هوياتية وطنية، وتعطل قدرة غزة على المساهمة في الفعل الوطني هذا ناهيك عن استهدافها الواضح لدور فصائل المقاومة التحرري باتجاه تحويلها لمستودعات أسلحة أو جموع من حملة البنادق التي تفقد قيمتها ودورها وتماسكها وتهتز قيمها ودوافعها دون الاشتباك مع الاحتلال.
لا يمكن قبول الفصل الممنهج والمدروس للمقاوم والمواطن والثائر في غزة عن الاعتداءات اليومية على القدس ، ولا يمكن لفصيل وطني قبول الصمت في مواجهة التهويد والاستيطان المستمر، وكذلك يستحيل أن تقبل الحالة الوطنية أن تكون شاهدة زور على تقسيم جديد للشعب الفلسطيني. كل فلسطيني يتحمل نصيبه من المسؤولية عن هذه الكارثة المقبلة، وفي المقدمة القيادة السياسية الرسمية، والقيادات الفصائلية والقوى المجتمعية، واجب الساعة لشعب فلسطين هو الوحدة الوطنية وتمزيق هذا المشروع الرامي لمزيد من التقطيع في الوطن السليب، وعلى هذا الطريق يجب أن يسير كل وطني حر شريف.