Menu

أوسلو: تاريخ يميني.. عندما كان الجميع يتحدث عن السلام (1-4)

ترجمة وتحرير ومراجعة: أحمد مصطفى جابر و د. وسام الفقعاوي.

[مقدمة المحرر: في هذا النص المطول، الذي تنشره الهدف على حلقات، يستعرض حاجاي سيغال، تاريخ اتفاق أوسلو من وجهة نظر اليمين الصهيوني، مستعرضا "كفاح " هذا اليمين، في مواجهة الاتفاق، الذي اعتبر على مثالبه وانحيازه السافر للاحتلال، تنازلا للفلسطينيين، وانهزاما أمامهم.

نشر النص في صحيفة مكور ريشون اليمينية، التي لم تكن موجودة زمن أوسلو، بل ظهرت لاحقا كرد من اليمين الصهيوني على ما وصفه استئثار حكومة رابين ثم بيرس بوسائل الإعلام وعدم وجود وسائل إعلام تطرح وجهة نظر اليمين والاستيطان.

هذا النص الذي يكتبه يميني دموي متطرف وإرهابي استيطاني معروف، هو دليل دامغ على التزييف الصهيوني وخداع الفلسطينيين، أو بعضهم الذين صُوّر لهم أنهم "انتصروا" فعلا، وحققوا إنجازا، بينما الحقيقة الدامغة أن هذا الاتفاق وكما وصفه رابين "أكبر نصر للصهيونية"، إذ ببساطة اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني وبحقه دولته في الوجود، مع ما في هذا من اعتراف بحقوق للمستوطنين الذين غزوا بلادنا وشردوا أهلنا ودمروا مدننا وهودوها، مقابل فتات ليس أهمه اعتراف تافه بالمنظمة كممثل منوط به التحدث باسم الفلسطينيين.

نقدم هذا النص مع تعليقاتنا عليه حيث كان ضروريا وقد وضعت التعليقات التحريرية بين قوسين [..]، وبالطبع يجب الانتباه إلى أن هذه إحدى القصص الصهيونية عن أوسلو، ولكنها تمثل اليمين بالذات، ولا تقل قصة اليسار الصهيوني كذبا وتزييفا، يبقى أننا كفلسطينيين للأسف ما زلنا بعيدين نسبيا عن تناول هذه التفاصيل وحقائقها، ولكن معرفة ما يقوله العدو، هي خطوة واحدة، وليس كل شيء، تجاه الفهم الأعمق لهذه السنوات.

الكاتب: حاجاي سيغال، رئيس تحرير مكور ريشون منذ 2014، إرهابي معروف، ولد لعضوين في الأرغون، وهو نفسه كان عضوا في الخلية الإرهابية المسماة "مترو الأنفاق" التي استهدفت رؤساء البلديات العرب عام 1976، عمل بعد سجنه مذيعا ورئيس تحرير الأخبار في القناة 7 قبل ترخيصها رسميا، ثم محررا في "نقطة" الاستيطانية، وكاتب عمود في معاريف، ويديعوت وله عدة كتب ]

مقدمة:

بعد عامين من وصول الليكود إلى الحكم عام 1977  كان ما حدث نادرا، أو غير متوقع، فجأة وجدت المعارضة "اليسارية" المستجدة، والتي لم يمض على تجربتها كمعارضة سوى أقل من عامين، وجدت نفسها يوم التاسع من تموز/ يوليو 1979مصطفة إلى جانب اليمين لتقديم الدعم السياسي والمعنوي لرئيس الحكومة مناحيم بيغن، لتقديم بيان مبني على صياغة مشتركة لإدانة الزيارة التي قام بها ياسر عرفات إلى النمسا.

كان ياسر عرفات، قائد منظمة التحرير الفلسطينية، أبغض زعيم عربي لدى "إسرائيل" قد وصل إلى النمسا بدعوة من المستشار برونو كرايسكي بحضور المستشار الألماني السابق ويلي برانت، في زيارة هي الأولى من نوعها لبلد غربي، كانت "إسرائيل" مصدومة تماما، من كرايسكي والذي في الحقيقة لم يكن يمكن اعتباره مؤيدا تماما للمشروع الصهيوني، وكذلك زميله ويلي برانت، استدعت تل أبيب سفيرها من النمسا لإجراء مشاورات عاجلة [كان برونو كرايسكي يشغل منصب مستشار النمسا ما بين عامي 1970-1983 ويعد أكثر القادة الاشتراكيين الأوربيين نجاحا، وفي عهده انتقلت النمسا من دولة محايدة صغيرة إلى دولة مؤثرة في السياسة العالمية، هو أول من فتح الباب أمام منظمة التحرير الفلسطينية إلى المجتمع الأوروبي في شكل رسمي مقدماً السيد ياسر عرفات، إلى الاشتراكية الدولية. ولم تحظَ القضية الفلسطينية منذ تخلي كرايسكي عن الحكم بشخصية ذات وزن على المسرح السياسي العالمي بمستواه أما ويلي برانت فقد كان استقال من منصبه كمستشار عام 1974، وبقي حتى عام 1983 نائبا في البرلمان الأوربي، وكان من أبرز زعماء الاشتراكية الألمانية، عندما استقبل مع كرايسكي ياسر عرفات في فيينا في تموز/يوليو 1979 كان يشغل منصب رئيس الاشتراكية الدولية.

وجاء في مقال لكرايسكي في مجلة "قضايا الاشتراكية" عام 1979: "ان اللقاء مع السيد عرفات لم يكن مصادفة ولم يكن نتيجة لقرار سريع. لقد كنت على علاقة به منذ سنوات، وقد التقيته في القاهرة وفي دمشق عن طريق بعض الوسطاء وكان منهم الرئيس أنور السادات وكذلك كنت ولا أزال على اتصال به عن طريق المراسلات. وكان لقائي الأول به امتد لمدة ثلاث عشرة ساعة. وأنا أؤكد لكم ان ذلك اللقاء كان صريحاً ومفتوحاً. وخلال تلك الساعات أصبح كل شيء واضحاً لي، كانت العلاقة بين كرايسكي والكيان الصهيوني تتسم بالجفاء وقد اعتبرته غولدا مائير خائنا للشعب اليهودي لأنه لديه نظرة أخرى لأزمة الشرق الأوسط ولأنه لم يحذر الكيان من حرب أكتوبر بعد أن أبلغه مبعوث الرئيس السادات إسماعيل فهمي الذي أصبح لاحقا وزيرا للخارجية المصرية بموعد الهجوم، وكان الصحفي والمؤرخ الصهيوني توم سيغف قد كشف عن وثيقة من بروتوكول الدولة، تكشف مشاعر غولدا مائير تجاه كرايسكي، الذي اعتبر أن الأولى تحاول أن تفرض عليه ما لا يرغبه، وتسعى إلى تدهور الأمور الشرق الأوسط إلى الحرب وتضر بمصالح اليهود، وهو نفس ما قاله عن بيغن فيما بعد، كما اتهمته بتشجيع الإرهاب، لأنه سمح بمغادرة الفدائيان اللذان احتلا قطار الهجرة إلى ليبيا ولم يسمح بفتح معسكر المهاجرين الجديد ثانية، وحينها سافرت غولدا إلى النمسا من أجل إعادة فتح المعسكر. واستمرت المحادثات لمدة ساعة و خمس وأربعين دقيقة، قالت مئير في نهايتها:" لم يعرض علي حتى كوباً من الماء"!، وفي الاجتماع المذكور، الذي كان يفترض أن يكون رسمياً، تحدث كرايسكي باللغة الألمانية، وانتقل فوراً إلى ملاحظة شخصية تتعلق باتهامه بخيانة شعبه، الشعب اليهودي. حيث قال إنه لم يكن يوماً صهيونياً، ولم يكن متديناً، ولكنه لم ينكر يهوديته.  المحرر].

بيغن في خطابه، وبعد أن ذكر بعمليات عديدة للمقاومة الفلسطينية كانت قاسية جدا على الكيان، وصف ذلك اليوم [استقبال كرايسكي لعرفات] بأنه " حزين لكل الشعب اليهودي ولجميع الناس الأحرار في جميع أنحاء العالم، سأقدم الرسالة البسيطة التالية، كما أعتقد، إلى غالبية المتحدثين باسم البيت: وأعضاء من أرض إسرائيل، سنتغلب على عرفات والنازيين وخدمهم".

بعد بيغن، أكد بيريز، رئيس أكبر أحزاب المعارضة، الذي كان يتحدث أيضًا باسم حزب راتز بقيادة شولاميت ألوني، الحركة النواة لحركة ميرتس. وصرح أن "الاجتماع في فيينا كان مفاجأة و تسبب لنا بالصدمة والحزن، وسوف يعرض عملية السلام للخطر ويشجع الإرهاب الدولي"،  وقال "عندما يقول عرفات انه يتطلع إلى دولة علمانية وديمقراطية فنحن نعرف ما هو النموذج"، مشيرا إلى مقارنة عرفات لحرب الأيام الستة بالتوسع النازي و"العلمانية والديمقراطية الأقرب إلى قلبه: الخميني، الخميني، الذي أسس ديمقراطية تبدأ وتنتهي بفريق الإعدام".

زعم بيرس في ذلك الاجتماع أن منظمة التحرير مازالت تعتنق الأيديولوجية القديمة، ولو "استجبنا وبدأنا مفاوضات معهم لكي يغيروا سياستهم هذا يعني أننا نعترف بمنظمة التحرير قبل أن تغير سياستها وسيواصلون إطلاق صواريخ الكاتيوشا لأن هذا هو طريقهم، وآخرون سوف يستقبلونه بالورود لأن هذا هو دينهم ". واختتم بيريس "من الواضح لنا أن الذئاب لا تتغير نتيجة المداعبات، وأن مداعباتها لا تفعل أكثر من أنها تزيد من ثقتها بنفسها ونسلها".

حصل مقترح إدانة زيارة عرفات للنمسا على 82 صوتا وعارضه 5 نواب فقط منهم ما وصف باليسار المتطرف مثل مئير فلنر وأوري أفنيري.

 

الفصل الأول:

 

لم تكن هناك أيام لطيفة لليسار الإسرائيلي في 23 يونيو 1992، لقد كان يوم ثورانه الحلو، بعد خمسة عشر عاماً من "ثورة" الليكود التاريخية. عانى الحزب الحاكم المنتهية ولايته إثر هزيمة قاسية أدت إلى نفيه إلى المعارضة، وقفز حزب العمل بقيادة إسحاق رابين إلى 44 مقعدًا في الكنيست الثالثة عشرة. فاز حزب العمال وحزب ميرتس، بعشرات المقاعد، وهو أكبر إنجاز لهم على الإطلاق. جنبا إلى جنب مع الحزبين العربيين (حداش والعربي الديمقراطي: 5 مقاعد)، كان اليسار يملك الكتلة المطلوبة من 61 مقعدا. وكما انتقلت مقاليد الحكم عام 1977 من يد رابين إلى يد مناحيم بيغن هاهي تعود إلى يد رابين من يد خليفة بيغن اسحق شامير حيث وصف رابين نفسه برجل الانتقالات.

في التفاصيل كانت كتلة اليمين قد حازت على 60 ألف صوت زيادة عن اليسار ولكنها ضاعت نتيجة الفساد والحسابات الطائفية و انتخب اليسار لقيادة "إسرائيل" في طريقها. ولم يكن بعيدا عن الاضطراب أنه جاء بأغلبية بسيطة جدا ومتكئا على أصوات حداش المعادي للصهيونية، وإن يكن خارج الائتلاف فعليا، ولكنه أيد البرنامج السياسي لرابين، وعلى مدى السنوات الأربع التالية زعم رابين كما لو أن نظرته للعالم قد فازت بالإجماع، ولكن ما حدث أن رابين تقصد توجيه الإهانة لمصوتي الطرف الخاسر الذين لم يصوتوا له، وحصل ناخبو اليمين على جرعة كبيرة من الإهانة، عندما قال "سوف نرغب في مشاركة جميع القوى الإيجابية في الأشخاص الذين يحددون طريقنا: تعزيز السلام مع الحفاظ على الأمن" وكان أكثر من مليون ناخب من الجناح اليميني أدركوا أنه يعتبرهم قوى سلبية، وعاد لشعاره الانتخابي المتضمن وضع التغيير السياسي ضمن الأولويات كما شرحه في خطاب النصر، وفي مقابلته مع زئيف شيف في هآرتس وعندما طلب منه شيف توضيح الفرق بين تسوية وتسوية دون الإقلال من قيمة الأمن كان رده " التسوية السياسية تعني أن صدام حسين لن يهدر صواريخ سكود علينا".

 

وتعهد رابين بأنه في غضون ستة إلى تسعة أشهر،  سيتم التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسيقدم بادرة للفلسطينيين بتجميد البناء اليهودي هناك وبعد أسبوع من هذا التعهد قررت الحكومة تكليف زير المالية الجديد أبراهام (بيج) شوحط وزميله وزير الإسكان بنيامين بن إليعازر باقتطاع 4 مليار شيكل من ميزانية البناء في المجلس الاستيطاني "يشع."

وأُمر المسؤولون الحكوميون بمسح المساكن خارج نطاق الخط الأخضر باستخدام عدسة مكبرة وتجميد أي حي لم ينجح في عبور أكثر من الأساسات. "السلام الآن" توجهت إلى وزير الإسكان برسالة "أريد أن أهنئكم على قراركم تجميد الاستيطان والتحقق من كل البناء والمخططات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ونأمل ألا تردعكم تهديدات غوش إيمونيم والناطقين باسمها".

"قريبا سيكون هناك أراضي مدن أشباح" كان هذا عنوانا بارزا في يديعوت أحرونوت، الذي استند إلى "مصدر رفيع المستوى في وزارة الإسكان."و سيطر قادة ميرتس على خطاب "تجفيف المستوطنات" في الساحة السياسية والإعلامية، وكان هناك شعور بأن الحكومة الجديدة تسعى للسلام مع الفلسطينيين والحرب مع المستوطنين، لدرجة أنه نقل عن زعيم الائتلاف الحكومي يوسي ساريد، تهديده العلني بأنه "إذا كانت هناك مظاهرات عنيفة من قبل المستوطنين، فسوف نضطر لاستخدام القوة وقمعهم بالقوة" وزعم اليمين الصهيوني أن ساريد لم يستخدم هذه اللهجة ضد "العنف" الفلسطيني.

في تلك الأيام، لم يكن لدى اليمين وسائل إعلام خاصة به، حيث لم تكن قد وجدت بعد "مكور ريشون" أو "شيفا"،  بينما كانت "هتزوفه" صحيفة حزبية غير ملائمة ومن جهة أخرى لم تكن مجلة "نيكودا" الخاصة بالمستوطنين والتي يشرف عليها المراسل الأمني حاجاي هوبرمان، تطبع بتواتر وبالكاد شهرية، بينما سيطر اليسار على يديعوت أحرونوت ومعاريف وهآرتس بالطبع، ودافار وموديع وهاشمار وجميعها كانت تحتقر المؤسسة الاستيطانية والأحزاب اليمينية، على الرغم من أن بعضها زينت نفسها بكاتب يميني أو اثنين (يوري إليتزور وأوري أورباخ وإسرائيل هرئيل وإيمونا ألون وأيضا الكاتب حاجي سيغال). وتم التحكم في الهواء من قبل محطات الإذاعة والتلفزيون الحكومية، والتي تمت مصادرتها أيضا لصالح المواقع اليسارية: "كل إسرائيل" و راديو الجيش و"التلفزيون الإسرائيلي" القناة الأولى.

كان رد الجناح اليميني على مؤسسة الإذاعة أحادية البعد تأسيس محطة إذاعية شابة كانت تبحر على الأمواج منذ نهاية عام 1988، هي القناة السابعة، وكانت تبث أولاً الأغاني العبرية من الصباح إلى الليل، و كان مؤسسوها، قادة مستوطنة بيت إيل، يأملون أن يستمع الجمهور "الإسرائيلي" لهم ببثهم للأغاني العبرية، ويقلل من استهلاك بث الأحداث الجارية على القنوات الإذاعية الرسمية، وبالتالي يكون أقل عرضة للدعاية اليسارية، لم  هذا أملًا يائسًا.

في السنوات الأولى للبث، ازداد الاستماع إلى المحطة الجديدة إلى حد خلق القلق بين القنوات المخضرمة، و رد المنافسون بزيادة كمية الموسيقى العبرية لديهم، وتحركت شبكة الجيل الثالث المشهورة مع مرور الوقت لبث الأغاني "الإسرائيلية" فقط. ومع ذلك، ومع صعود اليسار إلى السلطة في عام 1992، أدرك مؤسسو القناة السابعة أنه لا يوجد خيار سوى بث الأحداث الجارية، وطلبوا منهم مرافقتهم إلى المهمة وتم استدعاء يوهوشوا مور يوسف وكوبي سيلا وحاجي سيغال.

بعد أسابيع قليلة من تأسيس الحكومة اليسارية الجديدة، تم بث التحدي الأول في المحطة، كانت القناة السابعة هي المحطة الإذاعية الوحيدة التي تطرح الأسئلة التي أزعجت المعارضة، والتي قامت باحتجاجها، والتي لم تتبع النخبة الإعلامية لسياسة الحكومة.

في السنة الأولى من حكومة رابين - ميرتس كانت متعبة ورمادية-،  كان التقدم السياسي قريبا، ولم يتمكن الوفد "الإسرائيلي" في محادثات واشنطن مع الفلسطينيين والأردنيين من إقناعهم بالتوقيع على اتفاق الحكم الذاتي المرغوب فيه، و بدا السلام بعيدا كما كان خلال حكومة شامير الراحلة.

استمرت الهجمات [العمليات الفدائية ضد الأهداف الصهيونية، يشير الكاتب في هذه الفقرة إلى اختطاف الصهيوني نسيم توليدانو عام 1992، وأدى هذا بزعم الكيان إلى نفي 415 فلسطينيا إلى مرج الزهور -المحرر].

لاحقا قرر رابين أن اللقاءات مع ممثلي منظمة التحرير ستكون معفاة من القانون الذي يحظر اللقاء مع العدو، [زعم اليمين أن رابين اختطف القانون وطوعه لمصلحة تسهيل التواصل بين حكومته ومنظمة التحرير- المحرر]، كان رواد تلك المرحلة الياكيم روبنشتاين وايتمار رابينوفيتش.

[إن سياسة رابين في الحقيقة تفاوضيا مع منظمة التحرير لم تختلف أبدا عن سياسة شامير وكان رابين يريد تغيير وضعية الأراضي الفلسطينية من "محتلة" إلى متنازع عليها" وهي سياسة بالمجمل كانت امتدادا لاتفاقية كامب ديفيد المصرية –الصهيونية عام 1979 والتي وضعت الحكم الذاتي كسقف للطموحات الوطنية الفلسطينية- المحرر]

القانون المعروف باسم "قانون توليدانو" كان صدر أثناء تولي شمعون بيرس السلطة التناوبية مع اسحق شامير وبعد شهر من إلغائه صار اليساريون الذين سجنوا في الماضي للقائهم مع ممثلين فلسطينيين يدعون كضيوف شرف في الكنيست.

بعد سلسلة الهجمات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر عام 1993 اتهم رابين الجيش بالتآمر في مكافحة "الإرهاب" وحاول تهدئة المستوطنين خصوصا في الجولان بعد أن نظموا أنفسهم جيدا بعد الأخبار حول المفاوضات مع سوريا وتمت تعبئتهم تحت شعار " الشعب مع الجولان" بعد أن كان رابين قد صرح بأن المستوطنين "سيبقون هناك من أجل السلام" وتراجع عن كلامه، وأصبح غاضبا منهم الآن “لا، يمكن لمستوطنين في الجولان أن يتجولوا مثل المروحة." تظاهر المستوطنون في الضفة ضده على "خلفية تدهور الوضع الأمني" وأطلقت الكاتيوشا على مستوطنات الشمال وهكذا دواليك.

وقال حاييم هيرتزوغ، رئيس دولة "إسرائيل" آنذاك، في احتفال الذكرى 45 [لما يسمى استقلال إسرائيل: نكبة الشعب الفلسطيني-المحرر] "اليوم، هناك جو من الكآبة في وسطنا". لاحقا لمح خلفه عيزر وايزمان [ وهو يميني انضم إلى اليسار ] إلى الحكومة بأنه يرغب بسلام يشبه السلام مع مصر ملمحا إلى حكومة رابين-ميرتس بعدم السقوط في إغراء اتفاقية "تمرد عليها جزء كبير من الشعب" [يقصد مليون مصوت يميني بما فيهم المستوطنين].

[في الحقيقة يتجاهل الكاتب اليميني الحقائق هنا، ومن ضمنها صقرية رابين وبيريس، الذين كانا يحتاجان ميرتس للاستمرار في الحكم، ويقومان بمناورات ذات طابع تنازلي وهي على العكس من ذلك تماما، وهذا ما أثبتته اتفاقيات أوسلو لاحقا بنسخها المتلاحقة، ولنتكلم عن رابين هنا، دون التطرق إلى كونه مجرم حرب وجزء من التيار العمالي الذي نهب فلسطين ونفذ النكبة، عمليا، ومسؤول عن المصائب الفلسطينية منذ ما قبل 1948، غير أنه حتى في مزاعمه الحمائمية رفض قيام دولة فلسطينية، ورفض الانسحاب من الضفة وغزة، ورفض حق العودة ورفض الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والحملة الاستيطانية اليمينية كانت حملة شعبوية استباقية، هدفها انتخابي والعودة إلى الحكم ومنع حتى الفتات المقدم للفلسطينيين الذي كان ينوي رابين خداعهم به كما حدث فعلا- المحرر].

"لقد رفضت دولة فلسطينية" ، هذا ما أعلنه وزير الخارجية شمعون بيريس في نقاش سياسي في الكنيست. يوم 15 آب/أغسطس، 1993، وقال "لا تغيير في موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه منظمة التحرير الفلسطينية: وأن الحديث فقط يشمل الفلسطينيين في الأراضي التي تحصل على ترتيبات مؤقتة و "الذين لا يشاركون في الإرهاب"، ولكن هذا كان بيانا كاذبا بوضوح “كان هناك انفراجة في محادثات سرية في أوسلو بين الوفد الإسرائيلي من عضوية شمعون بيريس وممثلين عن الفلسطينيين و في ليلة 19 آب / أغسطس، في الساعة الواحدة صباحا، وقع ملك النرويج الصفحات الثلاث والعشرين من إعلان المبادئ المتعلق بترتيبات الحكم الذاتي المؤقت".

[في الحقيقة كانت تلك عملية كذب مزدوج قادها رابين وعرفات في آن معا، فرابين خدع "شعبه" لكن لمصلحتهم، ولم يبلغهم بالمحادثات السرية، وعرفات كذب على شعبه وخدعهم أيضا مع حفنة من مساعديه ليغرقهم تماما في مستنقع أوسلو، ولايمكن أن يتجرأ أي من هؤلاء على الادعاء إن هذه الخدعة وهذا الاتفاق كان في مصلحة الشعب الفلسطيني-المحرر].

كتب رون بونداك، أحد منظمي المحادثات السرية ويعتبر مهندسها من الجانب “الإسرائيلي"، بعد عدة سنوات في كتابه "قناة سرية" أن العملاء النرويجيين أحضروا معهم اثنين من الأقلام الذهبية الفاخرة التي صنعتها "مون بلان"، في علب جديدة، وعلق بونداك في الكتاب بقوله "لقد فكروا في كل شيء، حتى في الأقلام". على الأقل هكذا كانت تبدو تلك الليلة التاريخية، وعلى الجانب “الإسرائيلي"، وقع الاتفاق المدير العام لوزارة الخارجية أوري سافير، وعلى الجانب الفلسطيني من قبل مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية أبو علاء [أحمد قريع] وعلق بيرس على طلب بعض الحضور بشرب نخب من الشمبانيا "الدم والشمبانيا لا تختلط جيدا" حيث في ذلك اليوم قتل تسعة جنود على يد المقاومة اللبنانية رغم ذلك هذا لم يمنع بيريز وأبو علاء من تبادل العناق.

لسبب ما، ربما بسبب الخوف من رد الفعل الشعبي، استغرق الأمر أسبوعًا حتى يتسنى للاتفاق الخروج على العلن، وقد فضح الأمر شمعون شيفر من يديعوت أحرونوت حيث كتب "وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاقا في ستوكهولم"، وكان هذا خطأ بالنسبة للدولة التي جرت فيها تلك الوقائع ورأى العديد من "الإسرائيليين" أنه اتفاق جهنمي، التعامل مع الشيطان نفسه، وعدت "إسرائيل" أن يغفر له تقريبا كل الآثام الماضية، واستضافته في أفضل الغرف.

في خمس مذكرات مكتوبة بتسلسل بالعبرية، يبدو واضحا أنه قد تم جر رابين من أنفه من قبل وزير خارجيته ويوسي ساريد، ولو كان الأمر متعلقا به وبمعتقداته لربما لم يفعل هذا أبدا، وكان مستمرا في أمل التوصل إلى اتفاق مع فلسطينيي المناطق وليس مع ياسر عرفات، أو " منظمة التحرير الفلسطينية"، فقد كان يعارض محادثات تونس عندما كان ياسر عرفات وعصابته يعيشون هناك.

وكان رابين قد رفض الطلب الأول من قبل مبعوثي عرفات للحكومة "الإسرائيلية" لاقتراح طريق مباشر للمحادثات. تقدموا وخلقوا مثل هذا المسار السري عبر  رجال يوسي بيلين - رون بونداك ويير هيرشفيلد ببركة شمعون بيرس  ولكن بيني بيغن، الليكودي كان مقتنعا بأن رابين أعطى الضوء الأخضر لفريق بيلين لمجرد أنه كان أسيرا لوعده بإنشاء مناطق الحكم الذاتي في غضون ستة إلى تسعة أشهر بعد صعوده إلى السلطة. وعندما مر الوقت، ولم يتم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي مع الفلسطينيين في المناطق وافق رابين على الاتفاقية مع منظمة التحرير الفلسطينية.

اعترف رابين في ذلك الوقت: "كنت ممغوصا من هذا" وقال انه وقع عقدا مشبعا بالتنازلات الإسرائيلية لعدو إسرائيل رقم واحد.

أصيب اليمين بالحزن والصدمة، بينما كان اليسار سعيدا [ربما لم يكن اليمين يدرك حينها حجم الانتصار الصهيوني- المحرر]، تم تلوين عناوين الصحف باللون الأزرق الاحتفالي وعلى الصفحة الأولى ليديعوت أحرونوت كانت هناك قصيدة للشاعر حاييم حيفر عبارة عن أغنية شكر بالنيابة عن جميع الذين سقطوا في حروب إسرائيل.

زعيمة شبيبة ميرتس شولاميت ألوني كانت أيضا مبتهجة: "أشعر أنني في 29 نوفمبر. لذلك لم نكن نعرف لماذا نحن ذاهبون، ولكن نحن نعلم أننا ذاهبون إلى الأيام العظيمة "، وأوضحت الكاتبة الشابة دوريت رابيانيان: " يمثل السلام لي إخراج نفسي من هذا العبء القومي الثقيل، وعنونت دافار "الاتفاق هو بداية العهد الجديد ".

اعتراف الحكومة الإسرائيلية بمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتراف المنظمة بإسرائيل، مثل مغادرة الرؤية القديمة لصنع السلام مع أعداء ألداء. لقد رأى الزعيم الفلسطيني نفسه أنور السادات في السلطة الفلسطينية ، وأدهشته شجاعة رابين للتخلص من بقايا الماضي. حتى ساخر كامل مثل يشعياهو ليبوفيتش، الذي يعارض رابين هنأ رئيس الوزراء الآن بحرارة. "لقد خطت حكومة رابين - بيريس الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح" ، كما أضاف "وصلنا إلى نقطة حيث ينبغي لنا أن ويجب البدء في بناء الجسر"،  وعلى كل العمود الثاني في يديعوت أحرونوت تقريبا كتب عاموس عوز "الآن يمكننا الوصول أخيرا الوصول إلى جوهر القصة: لإنشاء إسرائيل كمادة صلبة."

وشأنه شأن غيره من اليساريين، أشار عاموس عوز إلى احتمال أن تسوء الأمور على طول الطريق،  وقال إن "إذا كان الفلسطينيون سيخدعوننا بأن سوف نقدم لهم ويطلبون المزيد من خلال استمرار أعمال العنف والإرهاب" مضيفا إن " إسرائيل ستلغي الاتفاقية في أسوأ الحالات وسيكون من الأسهل للجيش كسر كيان فلسطيني صغير ومنزوع السلاح - من الاستمرار في كسر، إلى ما لا نهاية وبلا أمل، ظهر ثمانية أطفال يرمون الحجارة علينا".

قبلها بعامين كتب يوسي ساريد في أعقاب حرب الخليج: "إذا كانت الدولة الفلسطينية التي ستنشأ ستتجرأ وتهدد إسرائيل سيتم اقتحامها خلال 24 ساعة"

اليوم، بعد إنشاء دولة فلسطينية صغيرة في غزة، من الواضح أن هذه افتراضات لا أساس لها من الصحة. دولة إسرائيل في حيرة مثيرة للتهكم من حكومة حماس في غزة، وتسمح لها بسحبها إلى جولة تلو الأخرى من العنف مع عدم القدرة على اتخاذ القرار. يطلق الأطفال البالغون من العمر ثماني سنوات قنابل حارقة تدمر عشرات الآلاف من الدونمات في النقب الغربي، و يهاجم الأولاد البالغون من العمر ثمانية عشر عامًا أسوارنا، ويتم حصادهم بالعشرات وننال الانتقاد الدولي الشديد ولا أحد في الغرب يتذكر رحمة تنازلاننا الإقليمية للفلسطينيين قبل 25 سنة.

الفصل الثاني:

وقع مانشيت يديعوت أحرونوت كالصاعقة على الجمهور، صوت 16 وزيرا لصالح الاتفاق وامتنع أريه درعي وشمعون شطريت، وبدأت الاستعدادات المكثفة لحفل التوقيع الذي من المقرر إقامته في واشنطن في الأسبوع التالي.

رابين، الذي، وفقا لجميع المنشورات والمذكرات، تم جره إلى اتفاقات أوسلو، يقف الآن وراء هذه الخطوة في صحتها السياسية والأخلاقية الكاملة،  مقدما أول اعتراف " إسرائيلي" بحقوق الفلسطينيين وبمنظمة التحرير الفلسطينية كونها ممثلا لهذه الحقوق، بينما رئيس وزراء آخر في كامب ديفيد 1978 (مناحيم بيغن) ومن ثم في مؤتمر مدريد 1992 (اسحق شامير) رفضا ذلك بشكل حاسم، وحددا "نحن فقط من يقرر" وقال شامير في اجتماع لحزب الليكود أوائل أيلول/سبتمبر/1993 أنه "خلافا لاتفاق السلام الذي وقعه بيغن مع السادات فإن الاتفاقية الجديدة مع الفلسطينيين لا تنطوي على إزالة المستوطنات" وكانت هذه حقيقة جزئية حيث تم توقيع مذكرة تفاهم في أوسلو تشير إلى المناطق التي لم يكون فيها مستوطنات "المدن، قطاع غزة، أريحا" وتلك كانت مجرد مقدمة للاتفاق الدائم في المستقبل وذلك خلال مدة سنتين كما كان مقررا،  و سيتم الانتهاء منها في ما لا يزيد عن خمس سنوات، وقال إن الفلسطينيين لم يخفوا منذ البداية نيتهم للمطالبة بدولة خاصة بهم في جميع الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" في عام 1967، ولم تخف الحكومة "الإسرائيلية" استعدادها لاقتلاع المستوطنات أو بعضها على الأقل.

"وقال رابين في اجتماع مع فصيله " بالطبع هناك مخاطر"، ولكن في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت أشار إلى ميزة كبيرة لخطته التخلص من الصداع وإدارة الأراضي العربية ووضعها الأمني،  "آمل العثور على شريك من سيكون مسؤولا عن المشاكل الداخلية في غزة" ، وقال إنه سوف يعتني بهم "دون المحكمة العليا، دون بتسيلم وبدون مشاكل من كل نوع" وفي مناسبات أخرى ، أثنى على مشاعر القلق من  النمو الديموغرافي للفلسطينيين. لم يرَ أي طريقة أخرى للتعامل معها سوى الانفصال: "نحن هنا وهم هناك."

على الورق، تعهد عرفات ليس فقط بنزع السلاح ولكن أيضا بقمع احتمال العنف من منظمات المقاومة المختلفة، بما في ذلك حماس والجبهة الشعبية برئاسة أحمد جبريل.

في خطاب تاريخي اعترف عرفات بـ"حق إسرائيل في الوجود في سلام وأمن"، أعلن تخلي منظمة التحرير عن استخدام "العنف والإرهاب" وأنها ستتولى المسؤولية عن جميع العناصر في منظمة التحرير الفلسطينية من أجل ضمان امتثالها لمنع الاضطرابات وفرض عقوبات على المخالفين، وكان شمعون بيريس مقتنعا بأن عرفات سيحافظ على كلمته،  وقال في أول مناقشة برلمانية حول إعلان المبادئ "بعد مائة عام من الإرهاب، يأتي قرن من الحوار ". وقال لأعضاء الكنيست من حزب الليكود، الذين قاطعوا خطابه "أنتم شعب الأمس. لقد تغير العالم بالكامل. أنتم فقط لا تعلمون".

كان الليكوديون مستاءين جداً في ذلك اليوم، وأحياناً إلى حد التمرد، و أعلن العضو شاب تساحي هنغبي على الراديو أنه من المتوقع أن المعارضة لن توافق على الانسحاب من غزة وأريحا لا يتوافق مع تراجع إلى غزة وأريحا،

ووقع أول احتجاج على الشارع ضد أوسلو في تلك الليلة في وسط أيلول، وعقدت مظاهرة ضخمة خارج مكتب رئيس الوزراء في القدس نيابة عن مجلس يشع،  كانت جماهير اليمينيين من جميع أنحاء البلاد تندفع بشكل عفوي لتبديد بعض الصدمة والاشمئزاز، لكن على التلفزيون "الإسرائيلي" ، القناة التلفزيونية الرئيسية في تلك الأيام ، صدر تقرير فاتر بشأن مظاهرة تبدو معتدلة في ذلك المساء. زادت الشرطة "الإسرائيلية" من إسهامها في لجم عشرات الآلاف من المتظاهرين - وهي مشاعر ستستمر في الارتفاع خلال الأشهر المضطربة التي تلت ذلك - واعتقل حوالي عشرين شخصا، وتعرض العشرات للضرب،  وقال عضو الكنيست جونين سيجيف [أصبح لاحقا وزيرا ثم عضوا في الكابينت، واتهم مؤخرا بالخيانة والتجسس لصالح إيران- المحرر] من الجناح اليميني "هذا هو وقت الخروج إلى الشوارع وأن نظهر لرابين أنه ليس لديه تفويض للتنازل عن أرض إسرائيل، وبالتأكيد ليس لإقامة دولة فلسطينية في غزة وأريحا".

رابين وبيريس لم يكتفوا بالعمل مع عرفات فحسب، بل سرعان ما اقتربوا منه عقليا، وسعى المستوطنون، إلى ترجمة نصوص الاتفاقية إلى لغة يومية تعكس كيف ستتغير حياتهم وما سيحدث لهم، عندما يكون عرفات ورجاله مسلحين ومنتشرين في الميدان،  قبل خمسة عشر عامًا، حدثت موجة من الأسئلة المماثلة، مع مناحيم بيغن الذي وضع خطة للحكم الذاتي لعرب يشع [ الضفة الغربية] في إطار اتفاقات كامب ديفيد، والتي بموجبها انسحب جنود جيش الدفاع الإسرائيلي من المراكز السكانية العربية.كابوس الاحتكاك مع الشرطة الفلسطينية تلاشى مثل حلم سيئ عندما دخلت الشمس،  وفجأة بعد عقد ونصف، ظهر مرة أخرى.

ردا على سؤال لأفرايم سنيه على القناة السابعة "هل نذهب إلى أريحا عندما يكون هناك حكم ذاتي؟" بعد أيام قليلة من نشر الاتفاقيات وقدم سنيه إجابة مطمئنة "بالتأكيد، نعم تماما. انظروا، إذا كان يهودي لا يستطيع السفر في أي مكان بأمان، ولا يستطيع عربي السفر في أي مكان في الأمن، فلماذا يحتاجان هذا السلام؟ هذا السلام هو بالضبط السبب الذي يجعل من الممكن أن تذهب إلى أريحا ومقيم وغيرها وتكون قادرا على الذهاب إلى القدس من خلال أريحا ". ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، إلا لفترة وجيزة خلال أنشطة كازينو المدينة، والجيش الإسرائيلي يمنع الإسرائيليين من دخول المدينة خوفا على سلامتهم. أريحا مغلقة ومعزولة عن شعب إسرائيل، كما هو مكتوب في سفر يشوع، فضلا عن غيرها من مدن يهودا والسامرة، وهناك شبكة كاملة من الطرق الالتفافية مهدت من قبل حكومة رابين لإنقاذ اليهود من الخطر الكامن في السفر في المراكز السكانية الفلسطينية، واليوم تتضح مساهمة الطرق الالتفافية التي رفضها المستوطنون في البداية بالزيادة الهائلة في ديمغرافيا المجتمع الاستيطاني، لكن بالطبع لم تكن هذه هي النية الأصلية. في خريف عام 1993، كان وضع الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة قاتماً للغاية.

أقيم حفل التوقيع في 13 أيلول/ سبتمبر عام 1993 كان عرفات يرتدي الكاكي، وغير حليق ربما ليوضح لشعبه أنه لم يلق السلاح وأنه بقي يساوم حتى اللحظة الأخيرة، على بعض بنود الاتفاق، الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كان على ما يبدو مبتهجا وبربطة عنق بأبواق ورقية، ما جلب ذكر يشوع أسفل جدار أريحا، كرمز لجدران الكراهية التي أجهضت وقبلها بيومين، قتل أربعة إسرائيليين في قطاع غزة، لكن قتلهم كان يعتبر " عصر الحرب القديم، مأساة أخرى" كما قالت دافار.

 تم خلط التحية المعتادة في البداية مع عدد لا يحصى من الإشارات إلى كلمة “السلام"، هذه المرة ليس كطلب ورغبة من الخالق، بل كصلاة شكر.

وزير الخارجية بيرس، الذي قاطع الحفل تقريبا في واشنطن بسبب إهانة بسيطة، أخبر الرئيس الأمريكي “أنت تستولي على واحد من أكثر الأيام المبشرة بالخير في التاريخ الطويل لمنطقتنا"، بينما اسحق رابين اقتبس الآية الشهيرة عن "وقت الحرب ووقت السلام". وكرر ياسر عرفات كلمة "السلام" في خطابه القصير و عندما حان الوقت لمصافحة رابين، نظر الجميع إلى الاثنين. اعترف رابين في كلمته "ليس هذا سهلاً هنا، ليس أنا، جندي مخضرم في حروب إسرائيل، وليس أنا. إن شعبي في إسرائيل والشعب اليهودي يراقبوننا في هذه اللحظة ".

[من المعروف حسب أكثر من مصدر أن رابين لم يكن يريد مصافحة عرفات، ولكن جرى نقاش بينه وبين كلينتون الذي أبلغه أنه لايمكن عقد اتفاق بدون مصافحة بين الطرفين، عندها وافق رابين بشرط ألا يكون هناك أي معانقات- المحرر]

لا شك في أنه تحدث عن الحقيقة، ففي انتخابات 1992 رفض حزب العمل الاتهامات المثيرة للاشمئزاز حسب وصفه من الليكود برغبته بالتفاوض مع عرفات"لقد صنعنا السلام مع أعدائنا"، أوضح اعتذاريًا لجماهير مجلس النواب الإسرائيلي، وتمكن لفترة من الوقت من إقناعهم بأن استطلاعات الرأي العام تشير إلى دعم عام جيد للتحركات الدراماتيكية للسلطة الفلسطينية، فبعد سنوات طويلة من الاحتكاك مع عرب الضفة كان معظم الإسرائيليين يرغبون في التوصل إلى اتفاق مع جيرانهم، حتى على حساب التنازلات الثقيلة.

وقد امتنعت الحكومات المختلفة عن تطبيق السيادة الإسرائيلية على المنطقة، معترفة أنه لا يمكن أن تبقى دائما تحت الاحتلال، و المقصود من خطة الحكم الذاتي في كامب ديفيد تقديم هذا الرد حول م=عضلة السكان العرب في الضفة ولكن الحكومة نفسها ركضت ببطء أيام بيغن في محادثات الحكم الذاتي، و فشلت الحكومة ذاتها أيضا للعثور على المحاورين الفلسطينيين الذين يمكن أن يوافقوا على تنفيذ الحكم الذاتي والآن تأتي حكومة رابين وتزعم أنها عثرت عليهم في شخوص عرفات وأبو مازن وأبو علاء.

بقي رابين يرفض إقامة دولة فلسطينية، يصر على الحكم الذاتي فقط، حتى مقتله، ولا يوجد أساس أرشيفي لادعاءات اليسار اليوم بأن رابين دعا إلى حل الدولتين، ربما كان يخطط سرا لكسر هذا الالتزام ولكنه لم يأت على ذكر ذلك في خطاباته،  وقبل شهر من اغتياله أعلن " نرى المناطق كجزء من الأراضي الإسرائيلية كما كانت في عهد الانتداب البريطاني" وأضاف إن الفلسطينيين سيحصلون على كيان أقل من دولة بكثير، كما أن شمعون بيرس نفى بشدة ادعاءات اليمين بأن اتفاقيات أوسلو كانت في الواقع اتفاقية لإقامة دولة فلسطينية "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، صرخ حرفيا من منبر الكنيست باتجاه مقاعد الليكود.

 لكن اليمين لم يعد يصدق رابين أو بيريز أو أي متحدث حكومي آخر، و مصافحة عرفات وموافقة حكومة إسرائيل على نقل مقر منظمة التحرير الفلسطينية في ضواحي تونس إلى ضواحي القدس، خلق شعورا بانهيار كل الخطوط الحمراء.

كتب أوري إليتزور في يديعوت أحرونوت: "تماما. قبل ثلاثة أيام، قال رابين  أنه لا يزال لا يعرف أنه ذاهب إلى واشنطن، وقال انه لن يلتقي مع عرفات وأن الاتفاق هو مخاطرة محسوبة؟ لا. حتى أشد المؤيدين يعترفون بأنه لا توجد وسيلة لحساب الخطر.. هل ستجلب هذه الاتفاقية السلام؟' كل الأحلام تقول أنها ستحقق السلام، كل المنطق يقول إنها ستجلب الحرب".