Menu

على أعتاب حرب باردة جديدة: روسيا.. وفخ سباق التسلّح !

صاروخ باليستي روسي عابر للقارات

بوابة الهدف_ موسكو_ غرفة التحرير:

انه اجتماع دوري عادي لوزراء دفاع حلف الناتو في بروكسل مؤخراً، لكنه ليس عادياً  في إطار القرارات التي صدرت عنه حول تعزيز وجوده العسكري في شرق أوروبا، هذا الاجتماع بقراراته تعزيز قدرات قوات الرد السريع بزيادة عددها من 13 ألف إلى قرابة 40 ألفاً ونشر أسلحة قرب الحدود مع روسيا، إشارة إلى أن حرباً باردة جديدة، قد تقررت ضمنياً في الرابع والعشرين يونيو/حزيران الجاري!!

وكان الأمين العام لحلف الناتو " ينسى ستولتنبرغ " قد صرح قبل هذا الاجتماع أثناء زيارته لبولندا لرعاية أكبر تدريب لقوة التدخل السريع الجديدة، أن ما يجري الآن من استعدادات عسكرية من قبل الحلف هي بمثابة أكبر جهد دفاعي منذ نهاية الحرب الباردة، وذلك نظراً للبيئة الأمنية الجديدة التي تعود إلى مستويات عالية من العنف والاضطرابات وانعدام الاستقرار في والجنوب – سورياو العراق وشمال إفريقيا – ولكن، والحديث لستولستبرغ – ونظراً لما أقدمت عليه روسيا في تغيير للحدود وضم القرم وإحداثها عدم الاستقرار في أوكرانيا، إلا أن أمين عام وحلف الناتو، نسي أنه كان قد صرح أثر إنشاء قوة التدخل السريع في أيلول/ سبتمبر العام الماضي، إن هدف هذه القوة التي كانت تضم 21 ألف جندي تعزيز الجبهة الشرقية للحلف في مواجهة ما أسماه طموحات موسكو، من دون أن يذكر أي شئ عن العنف والإرهاب في جنوب حدود حلف الناتو في ذلك الوقت!

في المقابل، ترى روسيا أن الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة، هي منبع العودة إلى الحرب الباردة، وترى القيادة الروسية، أن هذه الحرب الباردة، لا تتوقف عند تعزيز قوات الحلف على كافة المستويات، في دول الجوار وعلى تخوم الحدود مع روسيا فحسب، بل أن هذه الحرب ذات أبعاد مختلفة متنوعة السياقات والمجالات، بدأت بشكل واضح عندما حاول الغرب منع روسيا من حق استضافة وتنظيم كاس العام لكرة القدم عام 2018، مروراً بقرار العقوبات الاقتصادية ومؤامرة الخفض المتعمد لأسعار النفط لأسباب غير اقتصادية هذه المؤامرة التي تعاونت معها بعض دول الخليج العربي بقيادة السعودية.

وتعتقد القيادة الروسية، أن محاولات موسكو للانقضاض على " القطب الواحد" من خلال جهودها الحثيثة للعب دور بارز في السياسة الدولية، هو ما يحفز حلف الناتو إلى تصعيد مناوراته السياسية والعسكرية لإحباط هذه الجهود، ونجاح موسكو في أن تكون شريكاً في القرار المتعلق بتطورات المنطقة الأكثر توتراً في العالم، المنطقة العربية تحديداً، هو ما يتعلق القطب الواحد ففي هذه المنطقة الساخنة، لم يعد الاستغناء عن الدور الروسي ممكناً، بل حتمياً، ولم يعد هناك دور حقيقي " للقطب الواحد" في هذه المنطقة، الأمر الذي لا يمكن للولايات المتحدة وحلقاتها الأوروبيين السكوت عليه، أن جملة التحالفات التي عقدتها موسكو مع عدة عواصم عربية وإقليمية، ك إيران ومصر، فضلاً عن دورها المركزي منفي سوريا، تعزز في تراجع القطب الواحد في هذه المنطقة ويوفر لموسكو، فرصاً أفضل لاستعادة دورها الإقليمي والدولي على حساب تفرد القطب الواحد.

الحرب الباردة الجديدة، تدفعنا إلى العودة إلى "القديمة" وهنا لابد من الإشارة، أن تداعي المنظومة الاشتراكية بقيادة الإتحاد السوفيتي، وسقوطها مع بداية تسعينات القرن الماضي، كانت تعود لعوامل عديدة، لكن أبرزها على  ما يعتقد معظم المحللين الإستراتيجيين إلى نهج " سباق التسلح" اذ وقع الإتحاد السوفيتي أسيراً في هذا الفخ الذي نصبه حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، فقد سارع الحلف في كل فترة زمنية بالإعلان عن نشرة لأسلحة جديدة متقدمة، تقليدية، ونووية، صاروخية وتقنية، ساهمت وسائل الإعلام في إبرازها والإشارة بقدراتها التدميرية، الأمر الذي فرض على حلف" وارسو" بقيادة الإتحاد السوفيتي، إلى الانجرار وراء هذا الفخ، فخ "سباق التسلح" الذي كان يهدف خارجياً إلى دفع الإتحاد السوفيتي إلى المسارعة إلى توازن عسكري من خلال اتفاق هائل على التسلح، وداخلياً، كان هذا السياق، يعزز من مكانة الشركات العملاقة المتخصصة  بصناعة السلاح في أمريكا وأوروبا.

وفي حين كان سباق التسلح، يجري على حساب خطط التنمية في دول المنظومة الاشتراكية، فإن ذلك أدى إلى تردي متزايد في الأحوال المعيشية لشعوب هذه المنظومة وتحدياً مباشراً للأيديولوجيا الاشتراكية والشيوعية، التي وضعت الإنسان واحتياجاته بالمرتبة الأولى لاهتمامات الحزب القائد، بينما عزز سباق التسلح، القوى الرأسمالية في دول الغرب، وهو الأمر الذي لا يتنافس مع المبادئ الأساسية، بل أن ذلك أسهم في تعزيز ترسانتها الاقتصادية والمالية، كل ذلك جرى في ظل آلة إعلامية غربية ضخمة ومتطورة وضعت هدفاً واحداً، وهو استثمار " سباق التسلح" لإسقاط المنظومة الاشتراكية وهكذا كان!

في ذلك الوقت، اعتمد المعسكر الاشتراكي، على توازن دولي معقد، فمن خلال امتدادات الأحزاب الشيوعية والاشتراكية واليسارية عموماً، ونشوء مجموعات إقليمية ودولية، تناصب  العداء للوليات المتحدة لأمريكا والغرب عموماً، إضافة إلى تورط أمريكا في حرب فيتنام وخسارتها، كل ذلك أسهم في تعزيز دور المنظومة الاشتراكية على المستوى الدولي، رغم الأوضاع المعيشية المتراجعة لدى دول المنظومة .. إلا  أن تداعي هذه القوى بشكل متدرج، أدى إلى فقدان المنظومة الاشتراكية العديد من التحالفات القادرة على إسنادها على المستوى الإقليمي والدولي، الأمر الذي أسهم في اختلال التوازن، الذي بدوره أدى مع أسباب أخرى عديدة، إلى تهاوي هذه المنظومة ونهايتها مع انهيار جدار برلين.

وإذا كان التعامل مع مستجدات المسألة الأوكرانية، خاصة بعد ما تعتبره روسيا استعادة لشبه جزيرة القرم، قد أعاد الحديث مجدداً عن الحرب الباردة الجديدة، فالواقع أن الاحتكاك الأوضح بين " الشرق والغرب" عسكرياً عام 2008 على خلفية أزمتي أوسيتيا انجازيا على الجبهة الجورجية كانت البداية الحقيقية لانطلاق الحديث عن حرب باردة جديدة في الألفية الثانية بين معسكرين، وليس بين بلدين، وهو الأمر الذي يتخذ أبعاده العسكرية بعد أن أشار القادة الروس إلى ضرورة تعزيز ترسانة روسيا العسكرية في مواجهة تهديدات الأطلسي، واستثمرت هذه القيادة، الأبعاد القومية الروسية لإسناد هذا التوجه، بالنظر إلى شعور الرأي العام الروسي، أن مجد بلادهم بات يتلاشى مع هذه التهديدات، ومنذ ذلك الوقت، بدأ سباق تسلح محموم بين المعسكرين، وبشكل معلن، والإعلان عن تفاصيل هذا السباق بشكل متكرر، شكل من أشكال طمأنة الرأي العام بالنسبة لروسيا، وتأكيد المعسكر الغربي على التمسك بأن العالم بات محكوماً بقطب واحد وحيد، لا يقبل الشراكة والعودة إلى مفاهيم الحرب الباردة التقليدية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحول العلاقات مع روسيا إلى حالة من التهديد المتبادل في إطار سباق التسلح من ناحية، وتأثير كل معسكر عن السياسة الدولية، انطلاقاً في هذه الفترة من التهديدات الإقليمية في الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، مع أن الجبهة الأوكرانية ستظل مظهر الاحتكاك الرئيسي على الصعيد السياسي الأمني بينهما.

وفي إطار سباق التسلح الذي نعتبره فخاً متكرراً نصبه المعسكر الغربي، أعلن الرئيس بوتين مؤخراً عن طرح الورقة النووية، من خلال تعزيز القدرات الروسية النووية بنحو 40 صاروخاً نووياً عابراً للقارات، الأمر الذي دعا حلف الناتو إلى ضرورة عدم المبالغة بإدخال القوة النووية في المعادلة وقيام الحلف كشكل من أشكال الرد، بنشر قوات تكتيكية على كامل الحدود الشرقية للدول الحاضنة والمشاركة للحلف، مع أن تصريح بوتين، حدد نهاية العام الجاري كموعد لتجهيز هذه الصواريخ، إضافة إلى أن غواصة نووية إضافية ستكون جاهزة للخدمة هذا العام.

يفسر بوتين قراراته العسكرية بالقول " أن الهيمنة الأحادية الغربية لا يمكن احتمالها، هم يعتقدون أنهم يعيشون في العالم لوحدهم" معتبراً أن نشر قوات الناتو على مقربة من حدود روسيا، يشكل عدواناً لا يمكن السكوت عليه، خاصة وأن روسيا خرجت نهائياً من معاهدة القوات التقليدية في أوروبا وبالتالي " فإنها لم تعد مقيدة في الرد على مثل هذه الخطوات العدوانية " من هنا، فإن فخ سباق التسلح، قد لا يؤدي إلى التوازن العسكري المطلوب عددياً وتقنياً، وربما أن تمسك روسيا، بما أحرزته من توازن على صعيد النفوذ الإقليمي والدولي، يشكل أداتها الحقيقية في إيجاد التوازن الممكن!!