Menu

افتتاحية الملف

صورة أرشيفية - انتفاضة الحجارة

لا يمكن عزل الانتفاضة وسياقاتها عن المسار الطبيعي للمقاومة والنضال التاريخي للشعب الفلسطيني ضد الوجود الاستعماري وفي القلب منه المشروع الصهيوني، إذ شكّلت في حينه محطة نوعية جديدة. نعم؛ لكنّ ضمن منطق الاستمرارية مع انتفاضات وثورات شعبنا في أعوام 1920 و 1921 و1924 و1929. وكانت درّة تلك الانتفاضات والثورات الثورةُ الفلسطينية الكبرى، التي بدأت عام 1936 واجهضت عام 1939؛ بنداءٍ من ملوك العرب المتحالفين مع القيادة الإقطاعية الفلسطينية، يطالب شعب فلسطين بالاستكانة لوعود بريطانيا العظمى بتحقيق أمانيهم. تلك الوعود من بلفور إلى الملوك وإقطاعييهم وضعتنا أمام كارثة النكبة عام 1948، وما ترتب عليها من تطهير وتهجير واحتلال استعماري– كولونيالي، متحفزٍ لتطوير أدواته لالتهام المزيد من الأرض والوقت، وضمان استمرار التقدم والتفوق على أكثر من صعيد.

وكما نقرأ الانتفاضات والثورات بمنطق الاستمرارية، فذلك ينطبق على الهزيمة أيضاً، والتي استمرّت في أقصى فصولها عام 1967، واستمرّ في المقابل الفعل الثوري، ولم ينقطع رغم كل تعرجاته والضربات المتلاحقة لتنظيماته وأدواتها، ولشعبنا ووجوده في الأردن ولبنان؛ حيث كان مركز الفعل والقيادة والقرار الذي بدأ بالتراجع والانحسار تدريجياً؛ بعد أن أصبح قيد المنفى السياسي والمالي يُضيّق الخناق وينتظر فكّه الثمن السياسي من لحم وعظم ووجود القضية والشعب الفلسطيني. هذا الشعب الذي لم يكن بحاجة إلّا إلى شرارةٍ تفتح نار اللحظة الثورية، بالجيَشان الانتفاضيّ الشعبيّ؛ بعدما سالت دماء العمال الأربعة، تحت عجلات مقطورة المستعمرة الكولونيالية، ليصبح تاريخ 9 كانون أول 1987، عنواناً لاستمرارية أكبر للنضال والكفاح الوطني الفلسطيني، بعنفوانٍ وزخمٍ شعبيّ لم يسبق له مثيل، خلقَ معه أدوات فعله، كما أبدع في أشكالها، وفي إنتاج وسائل تضامنه، وحمل على أكتافه قيادتها الوطنية الموحدة، بشعارها الناظم: الحرية والاستقلال.

إن استلهام تجربة الانتفاضة، لا يعني بالمطلق استنساخَها الذي لا يمكن أن يكون، إلا إذا أردنا أن يتوقف التاريخ وينتهي عندها. بل يأتي من كونها شكّلت محطة نوعية، كبّدت الاحتلال خسارةً تاريخية ومعنوية؛ لم يجد بدًا أمامها إلا أن "يستلهم" تجربة الاستعمار المؤسس "بريطانيا الكبرى"، وما جرى بعد 3 سنوات من اندلاع ثورة فلسطين الكبرى عام 1936، التي انتهت بوعد الملوك وإقطاعييهم، وختمتها النكبة، ليمتطي الاحتلال ظهر النظام الرسمي العربي المهزوم، المتحالفِ مع القيادة الفلسطينية البرجوازية المهيمنة على الساحة الفلسطينية، فبعد 3 سنوات من اندلاع الانتفاضة الكانونية كنّا أمام "وعد بوش" الذي بدأ بما سمي "مفاوضات مدريد – واشنطن للسلام" وانتهى بإحلال كارثة أوسلو، الذي وعدنا بطلها بسنغافورة -كما الملوك من قبلِه- بتحقيق أمانينا.

استلهامُ التجربة، يعني أن نضع أيدينا على حقيقة واضحة وموضوعية، وهي استعدادية الشعب الفلسطيني المستمرة للعطاء وتقديم عظيم التضحيات، لكن يبقى السؤال: كيف يمكن أن تُستثمَر؟ ومن يجب أن يقوم بذلك، كي لا تستمرّ وتتجدد النكبة والكارثة؟