Menu

اغتصاب المحارم: روايات الضحايا.. ظلمٌ مركّب وقانون مُغيّب

هدى بارود

غزة _ خاص بوابة الهدف

في مراكزَ خاصةٍ بحماية النساء من العنف في قطاع غزة، طفلاتٌ فقدن بكارتهن غصباً لم يجدن سوى جدران تلك المراكز ملاذًا من رصاصات أو سكاكين عائلاتهن، فهُن المغتصَباتِ من محارمهنَ يساويهن القانون الفلسطيني المعمول بهِ في القطاع بالجُناة، وتَعتبرُ عائلاتهن أن انتفاخَ بطون بعضهن بالأجنةِ عارٌ، رغمَ معرفتهم يقيناً أنهن ضحايا لعنفٍ جسدي واغتصاب. ويصمت الجميع ( الشرطة- والعائلة) عن الجرائم بحق الصغيرات حفاظاً على سمعة العائلات، فلا يعاقَب الجُناة ولا تُنصف الضحايا.

"الهدف" تابعت ضحايا الاغتصاب من المحارم داخل إطار العائلة، اللواتي كَشفَ حملهن الجرائمَ بحقهن، فإما قتلتهن عائلاتهن أو دفعوهن للانتحار، وفي أحسن الحالات لجؤوا لكبارِ العائلة من أجل تزويج الضحايا.

أعداد تتزايد.. وإحصائيّات مُغيّبة

103 حالات لطفلات وشابات وصلت 5 مراكز حكومية وأهلية خاصة بحماية النساء على مدار 4 سنوات متواصلة (من 2014 وحتى 2018) وفقاً لمتابعة "الهدف". كانت الأعداد تزيدُ بمتوسط 4 حالات سنوياً، وتتراوح أعمار الضحايا ما بين 14 إلى 25 عامًا. 98% من الحالات التي وصلت المراكز جاءت بعدَ اكتشاف حمل الضحايا، و12% فقط منها كانت بتحويلٍ من الشرطة. 93% من الضحايا زُوجنَ لرجالٍ من العائلة؛ إما كانوا غير أسوياء نفسياً أو عقلياً، أو يكبرونهن بأكثر من 30 عامًا. وكل الأطفال الذينَ أنجبتهم الضحايا الحوامل حولتهم الشرطة بعدَ ولادتهم مباشرة إلى مركزٍ خاص برعاية "مجهولي النسب" في القطاع.

لم تتمكن "الهدف" من إحصاء عدد ضحايا القتل أو الانتحار نتيجة التعرض للاغتصاب في إطار العائلة؛ لعدم توافرها لدى جهاز الشرطة بغزة، إضافةً إلى غياب التفصيل عن سبب قتل النساء أو انتحارهن في بيانات مراكز حقوق الإنسان، غيرَ أن غياب الإحصائيات لا ينفي القتل أو الدفع للانتحار الذي واجهته الضحايا.

في الحادي والثلاثين من يناير لعام 2016 سقطت الشابة آية (26 عامًا)– اسم مستعار- من نافذة منزلها في الطابق الرابع، ونُقلت إلى المستشفى حيثُ أُعلنَ عن وفاتها هناك بعدَ ثلاثة أيام، وقالت عائلتها آنذاك إن الفتاة فقدت توازنها وسقطت، في حين كشفت تحقيقات الشرطة إنها انتحرت.

والدتها التي رفضت أن تتحدث بادئ الأمر وأغلقت سماعة الهاتف في وجه مراسلة "الهدف" أكثرَ من مرة، عاودت الاتصال تخبرنا إنها توافق على مقابلةٍ واحدة. قالت "سأخبركم بما حدث لأرتاح".

في البيت ذاته التي قررت آية أن تنهي فيه حياتها كانت الأم بانتظارنا، ترتدي جلبابًا وغطاء رأسٍ أسودين. أجلستنا في غرفةٍ مخصصة للضيوف ومنفصلةٍ عن المنزل وأغلقت الباب وراءها.

لم تنتظر الوالدة أسئلتنا لتقص ما لديها، إذ قالت "في الجمعة الثانية من ديسمبر 2015، عُدتُ إلى المنزل من حفل زفافٍ لأقاربنا مساءً، وكانت آية تبكي في غرفتها، سألتها عن السبب فلم تجِب، وظننتها تغار من قرينتها العروس التي كُنا في حفل زفافها، قلت لها سنباشر نظامًا غذائيًا غدًا وستفقدين وزنك الزائد وتتزوجين نهاية العام القادم".

الفتاة التي كانت تزن 98 كليوجرامًا، لم تأكل الطعام بشكلٍ طبيعيّ لشهرٍ كامل، واعتقدت الوالدة أن وزنها الذي بدأ ينزل دليلٌ على التزامها بالنظام الغذائي.

وصفت الأم  شكل ابنتها وخصالها الشخصية وانعزالها بصوتٍ متزن وهادئ، وهي مستقيمة الظهر على الكنبة وشاخصة في وجوهنا، كأنما تقرأ كلامًا مُسجلًا، حتى وصلت لتفاصيل معرفتها بحمل ابنتها.

حنت ظهرها للأمام وحضنت كفها اليمنى باليسرى، وقالت "يوم 22 يناير 2016، جاءتني آية تبكي، وقالت إن الطمث تأخرَ عليها، حاولتُ طمأنتها فالأمر طبيعي لفتاةٍ لم يسبق لها الزواج، حتى أخرجَت من جيبها شريطَا لفحص الحمل، كانت نتيجته إيجابية".

لم تنتظر الوالدة تبريراً من ابنتها فانهالت عليها ضربًا وركلًا حتى هربت إلى غرفتها وصارت تصرخ "عمّي اغتصبني".

حاولت الأم إخفاء ارتجاف أصابعها وهي تخبرنا كيفَ وصفت ابنتها اعتداءَ عمها عليها أثناء غياب العائلة عن المنزل، وكيفَ هددها بالقتل لو أخبرت أحدًا، فأذعنت الفتاة خوفًا.

"واجهتُ سِلفي فاعترفَ، وطردني من منزله، وقالَ: إن كشفتِ للناس أنني الفاعل سأقتلُ ابنتك". قالت الأم التي بدأ جمود ملامحها ينكسر وصارت تمسح دموعها عن خدها بيدها المرتجفة.

وتابعت "باتَ همي أن تُجهضَ آية جنينها حتى نجد حلًا، فصرت أضربها على بطنها وظهرها بقوة حتى ملّت المسكينة من عنفي. عصرَ اليوم الأخير من يناير هربَت من ضرباتي باتجاه النافذة وصرخت "لن أسامحكم، كلكم ظالمون"، ثم ألقت بنفسها، وبعدَ يومين توفيت في المستشفى".

القضايا لا تصل القضاء!

قُيِّدت قضية آية في ملفات الشرطة كانتحار، حالها حال الشقيقتين "هـ. م" (16 عامًا) و"ر. م" (18 عامًا)، اللتين انتحرتا سقوطًا من نافذة منزلهما في واقعتين منفصلتين، الأولى بالعام 2014، والثانية في 2016؛ بعدَ تحرّش شقيقهما بهما.

المختارة في جمعية المخاتير بغزة، وصفية حسونة، قالت "في الواقعتيْن، تحرشَ الشقيق جنسيًا بالأختين، ولحقهما بآلةٍ حادة لإخضاعهما. ألقت الفتاتان بنفسيهما من على ارتفاعِ ستة طوابق، في عامين مختلفيْن؛ هروباً منه وتوفيتا فورَ السقوط. سُجلت القضيتان انتحاراً، في حين لا يزال الجاني طليقًا بحجة أنه مريضُ نفسي، بل وتسعى عائلته حاليًا لتزويجه".

حسونة أشارت إلى أن أغلب الضحايا اللواتي لجأن لجمعية المخاتير كُنَّ وحيدات أو برفقة أمهاتهن وشقيقاتهن، ويبحثنَ عن حلٍ يُخلصهن من الحمل، وبعض الأمهات طلبنَ صراحةً تزويج بناتهن اللواتي لم يعُدن عذراوات. في حين لم تطلب الضحايا وعائلاتهن الواصلات للجمعية محاسبة الجُناة.

جهاز الشرطة في غزة لم يُحول أيًا من قضايا اغتصاب الفتيات داخل حدود العائلة من المحارم (أب، أخ، عم، خال أو جدّ)، التي أُبلِغَ بها من شهود أو كشفها في إطار تحقيقات على خلفية قضايا جنائية، إلى القضاء منذ الانقسام الداخلي الفلسطيني بالعام 2007 حتى الآن، وفق مُتابعات "الهدف"، واكتفت بحبس عقابيّ للمتهم بالاغتصاب، قد يُفرَج عنه في حال تنازل ولي الضحية أو الضحية نفسها عن القضية.

الناطق باسم جهاز الشرطة بغزة المُقدم أيمن البطنيجي قال للهدف "عادةً ما يتمّ التنازل من قِبَل الضحية أو وليّها قبلَ وصول الأمر للقضاء".

تخشى الضحايا من معاملتهن معاملة المجرمات، سيّما اللواتي يُغتصبنَ أكثرَ من مرة ويُتهمنَ ضمنَا أثناء التحقيق بارتكاب الزنا؛ فالقانون المعمول به في قطاع غزة– قانون العقوبات 74 لعام 1936- لم يذكر أي تفاصيل عن اغتصاب المحارم، وكانَ فيه تفصيلٌ لجريمة (السفاح) في المادة رقم (155)، إذ ذكر أنها "مواقعة غير مشروعة لبناتٍ غير متزوجات تجاوزن 16 ولم يتممن 21.."، وتكون عقوبتها الحبس 5 سنوات، في حين لم يأتِ القانون على الاغتصاب من المحارم، ولم يفصل جريمة الاغتصاب لمن هن دونَ سنّ 16.

المحامية في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، خديجة البرغوثي، قالت إن "القانون الفلسطيني عاجز عن محاسبة الجُناة المغتصِبين داخل إطار العائلة؛ لأنه لم يخصِّص مادةً حول الاغتصاب من الأقارب، وكل ما أصّلَهُ هو جريمة السفاح والتي اشترطَ فيها أن تكون العلاقة بالخضوع، الذي يعني الموافقة طوعًا أو جبرًا، وأن تكونَ الضحية غير متزوجة، وإن كانت متزوجة صارت القضية زنا".

قانون يُساوي بين المجرم والضحية

وتابعت البرغوثي للهدف "يُساوي القانون بين المجرم والضحية، إذ اعتبرَ أن الخضوعَ شرطًا لتصنيف القضية كسفاحٍ لا اغتصاب، رغمَ أن الخضوع يكون دائمًا محكومًا بسلطةٍ ذكورية، ويفرِض على الضحية الانصياع للجاني جبرًا".

انتصار(45 عاماً)- اسم مستعار- اعتزلت عائلتها وآثرت السكوت عن اغتصاب والدها لها لأن الشرطة ومختار العائلة اتهموها بإغوائه لمواقعتها.

المرأة القصيرة النحيفة ذات وجهٍ صغير وعينين ضيقتين، ترتسم التجاعيدُ الطويلة على أطرافهما. استقبلتنا في منزلها الضيق مُرتديةً جلابيةً واسعةً عليها وحذاء بلاستيكيًا وحاولت قبلَ بدئنا بالحديث إخراج أصغر أبنائها (10 أعوام) من المنزل، رمت له كرة بلاستيكية وقالت "اذهب للّعب خارجاً"، ونظرت لنا مبررةً "لا أريده أن يسمعَ ما سأقول".

"يوم 19 مارس 2008، طُلقت من زوجي للمرة الثالثة، وعدت إلى أهلي برفقة ابني الرضيع الذي لم يتجاوز حينها ثلاثة أشهرٍ من العمر. أثناء وجودي في منزلهم اغتصبني والدي مرتين، وفي كل مرة كنت أقاومه ينهال عليَّ بالضرب"، قالت المرأة وهي تقدم لنا كؤوس الشاي.

وضعت كأسًا في كفّ يدها، ضمته جيداً ودونَ أن ترتشفَ منه تابعت "شكوت لشقيقي الأكبر أول مرةٍ اغتصبني فيها والدي، فاتهمني بالكذب، وفي المرة الثانية قصدت مركز الشرطة لأشكو، خاصة وأن علامات الضرب كانت واضحةً على وجهي وجسدي. هناك نظرَ إليَّ الشرطيّ، وسألني: لماذا اغتصبكِ مرتين إن لم يكن عجبكِ الأمر في المرة الأولى؟!".

حوّلَ الشرطي انتصار لمختار عائلتها "لتنتهي الأمور على خير" كما أخبرها. وعندما قابلَت المختار الذي كانَ في السبعينَ من العمر، اتّهمها بإغواء والدها، قالت "استقبلني المختار بقلة احترام، وكان كلما هممت بإخباره التفاصيل قال اخرسي لو كان فيكِ خيرًا لما طُلِّقتِ، وقالَ إن والدي حسن السمعة، وإنّني من يجب أن يُلام لكذبه، وإن صدق حديثي فهذا لأنني أغويته ودفعته لفعلته. وعلى ذلك انتهى الأمر، وعدت إلى بيت والدي ضعيفةً، غير مُنصَفة".

تعرضت المرأة، التي كانت تبلغ من العمر حينها 35 عامًا، للضرب من والدها يوميًا، والحبس في إحدى غرف المنزل لثلاثةٍ أشهرٍ متواصلة. وفي موعد تطعيم رضيعها ذي الستة أشهر، سُمحَ لها بالخروج إلى المركز الصحي، وهناكَ أخبرت الطبيبة بما حدثَ معها فدلّتها على مختصٍ نفسي تابعَ حالتها وساعدها على استئجار منزلٍ والاستقرار بهِ مع أبنائها، وهددَ والدها بالحبس في حال تعرضَ لابنته.

بردت كأس الشاي في يد المرأة وهي تتابع سرد التفاصيل، تتذكرُ شكلَ الكدمات على رأسها وذراعيها وظهرها، تخبرنا أن ذراعها اليمنى التي تأذت كثيرًا وهي تحاول الدفاعَ عن نفسها لا تزال تؤلمها، وإنها بعدَ هجرها لعائلتها لا تجد ما يسدّ جوع أبنائها الأربعة، سوى معونة حكومية متواضعة.

حماية شكلية

مديرة دائرة الأسرة والطفولة في جهاز الشرطة بغزة المُقدم مريم الناعوق قالت "قضايا الاغتصاب داخل إطار العائلة الواحدة حساسة جدًا، وتتسبب بفضيحة للعائلات، لذا فإن التنازل عن القضية هو الحل الذي تفضله الأغلبية، فنطلق سراح الجُناة، وعادةً ما تعزف الضحايا عن الشكوى خشية القتل".

تحاول بعض الضحايا، خاصة القاصرات، الوصول للدائرة الشرطية التي تشكّلت في مارس 2017، سرًا خوفاً من تنفيذ الجُناة تهديداتهم بالقتل لو كشفوا الجريمة. سارة (14 عامًا)– اسم مستعار- واحدة من الضحايا التي لجأت إلى الدائرة خوفاً من القتل، فبعدَ اغتصاب شقيقها لها عرفَ والدها واغتصبها كذلك، وتوالى الاغتصاب لأشهرٍ حتى نفذت الدائرة جلسة توعية في مدرستها، وبعدَ أيام اتصلت الفتاة تطلب مقابلة سرية مع مديرة الدائرة.

أكملت الناعوق "أوصلنا سارة لبيت الأمان الخاص بحماية المُعنّفات واعتقلنا الجُناة، ولا تزال الصغيرة ضيفةً في بيت الأمان منذ سبعة أشهر، وأُفرجَ عن والدها بعدَ تراجعها عن أقوالها واتهامها لشقيقها فقط".

تحاول الشرطة توفيرَ حمايةٍ للمغتصبات من القتل، غيرَ أنها حمايةٌ مؤقتة، فبعدَ انتهاء مدة استضافتهن في بيوت الرعاية يعدن للعائلة، التي توقع تعهداً بعدم المساس بهن، وهو تعهد شكليّ، إذ لم يحمِ "ب. ر" (32 عامًا) من القتل عام 2017 على يد شقيقها الذي طعنها وشوّه جسدها واعترفَ بفعلته مُفاخرًا.

وفي تفاصيل الواقعة الأخيرة، روت الناعوق "المرأة كانت متزوجة واغتصبها عمها أكثرَ من مرةٍ بعدَ زواجها، ثُمَ صارت تخضع للاغتصاب مقابل مبالغ مالية أو ملابس وطعام لأبنائها. كُشف الأمر للشرطة، فألقت القبض عليهما، وبعد أنّ عرفت العائلة تعهدت بعدم أذيّتها، ولم تمضِ أيامٌ حتى فوجئنا بأحد أشقائها يعترف بقتلها وتشويهها، في حين لم يسجن أو يُقتل الجاني، واكتفت العائلة بعزله عنها".

يقتل الأهل ضحايا الاغتصاب سعياً لما يسمونه "غسل العار" غير آبهينَ بعقوبة جريمة القتل، إذ أن قانون العقوبات 74 لعام 1936 يمنح القتلة حُكماً مخففاً وفق المادة (18) منه، والتي تقول "يستفيد من العذر المخفف الشخصُ الذي يرتكب جريمة في حال الدفاع عن ماله أو شرفه أو عرضه أو نفسه" ناهيكَ عن تنازل أولياء دم الضحية عن حقهم في القصاص إن كانَ القاتلُ من العائلة، بذريعة "جريمة الشرف".

"أي فضيحةٍ أكبر من الاغتصاب"

لا يتوقف الظلم الذي تتعرض له ضحايا الاغتصاب من المحارِم على القتل أو الدفع للانتحار، أو الحرمان من اختيار أزواجٍ أسوياء وحياة أُسرية مستقرة، إذ يتجاوز الأمر ذلك لممارسة أشكالٍ مختلفة من التعذيب النفسي على الحواملِ منهن، وعزلهنّ، وإن وضعنَ مواليدهن يُحرمنَ من رؤيتهم نهائيًّا، ويُخبَرنَ كذبًا أنهم توفوا.

في مركزٍ لرعاية ضحايا العنف في غزة كانت تنتظرنا إيمان (16 عامًا) – اسم مستعار- فتاة طويلة أنيقة ممتلئة القوام، تُزينُ خدّيها غمازتان واضحتان. إيمان كانت في الخامسة عشرة من عمرها حين اغتصبها والدها قهرًا، وإغراءً بالمال، لثلاثة أشهرٍ متواصلة أثناء غياب والدتها عن المنزل إثرَ مشاكل عائلية العام الماضي.

لمّا عادت الأم كانت الصغيرة حاملًا، قالت للهدف: أخبرتُ أمي فكذّبتني بداية الأمر، ثم اصطحبتني برفقة خالتي لطبيبِ نساء وتوليد في عيادة خاصة، وعندما أخبرها الطبيب أنني حامل صُدِمَتْ. حينها بكيتُ لتُسارع خالتي بضمّي وتهنئتنا، في محاولةٍ للتغطية على رد فعلنا".

بحجة إجراء فحوص أخرى، أخذ الطبيب إيمان لغرفةٍ ثانية وسألها عن اسم والد الجنين وعمره وعمله، فارتبكَت، ما دفع الطبيب للاتصال بالشرطة اشتباهًا منه بأن الأمر "جريمة زنا"، وبعد التحقيق كشفت الشرطة الحقيقة، وسجنت الجاني.

أنكرَ الوالد فعلته واتهمَ ابنه، وغيرت إيمان اعترافاتها بضغطٍ من عائلتها لتقول إن شقيقها هو الفاعل. وبكفالةٍ مالية خرج الابن من السجن، أمّا إيمان فبقيت في مركزٍ خاص بحماية ضحايا العنف حتى أنجبت.

إيمان رغمَ صغر سنها كانت هادئة ومتزنة في حديثها، لم تبكِ أو تتلعثم أثناء حوارنا، حتى روت تفاصيل حملها. قالت وعيناها تبرق كأمٍ ناضجة "عِشت تجربة الحمل لأوّل مرة، وتعلقت بالجنين كثيراً، كُنت آكل وأنام جيداً حتى تولدَ بصحةٍ جيدة، وكنت سأسميها ريما".

أنجبت إيمان، لكنّها لم ترَ طفلتها أبدًا، إذ نُقلت بعدَ الولادةِ مباشرةً إلى مركزٍ خاص برعاية "مجهولي النسب" بغزة. قالت الصغيرة وهي تبكي "كُنت أريد أن أشمّها فقط، إنّها طفلتي بغض النظر عن هوية والدها، أخذوها منّي قبلَ أن أراها. قالوا إن وجودها سيفضحني، فأي فضيحةٍ أكبرُ من اغتصابي!".

تتعرض ضحايا الاغتصاب في إطار العائلة لسلسلةٍ من الظلم، لا يتوقف عند الاغتصاب، فإن كُشفَ أمرَهن يبِتنَ تحتَ جناح الموت، قتلًا أو انتحارًا، وإن نجونَ يفقدنَ حقهن في اختيار أزواجٍ أسوياء وحياة أُسرية هادئة، وتحرمُ الحوامل منهن من حقهن في احتضانِ مواليدهن ولو لمرةٍ واحدة.

ولا تأمل الضحايا اللاتي تحدّثنَ للهدف تحسن حالهن، في ظل مجتمعٍ يرى أن شرفَ النساء ببكارتهن فقط، إن فُضَّت بصورة غير شرعية غصبًا أو طوعًا تفقد العائلة "شرفها".

*فضّلت الضحايا عدم كشف أسمائهنّ لحساسية الموضوع