Menu

بحجة إيران.. إلى أين تقود أمريكا العرب

غزة_ خاصّ بوابة الهدف

قال مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي "سنستعمل الدبلوماسية وسنعمل مع شركائنا لطرد "آخر مقاتل إيراني" من سوريا، وسنضاعف جهودنا من أجل "إعادة السلم والاستقرار للشعب السوري الذي يعاني من ويلات الحرب"، تصريحات بومبيو هذه جاءت في خطاب ألقاه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أعاد من خلاله الأذهان إلى خطاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في ذات الموضع، وكذلك خطاب مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس، ليفتح كثير من المتابعين أرشيفهم مقارنين بين هذه الخطابات وترجمتها السياسية السابقة والمحتملة على المنطقة العربية، مشيرين لكون استخدام هذه المنصة بات طريقة للإعلان عن انتقال الولايات المتحدة لمرحلة جديدة لسياساتها في المنطقة العربية.

ما الجديد؟

بتاريخ 4 يونيو 2009 وقف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما موجهًا خطابه لشعوب الشرق العربي والإسلامي التي طالما اكتوت بنيران السياسات الأمريكية، ورغم سوء الخطاب وخبثه المتناهي فيمكن اعتباره قصيدة سلام لطيفة قياسًا بما طبقته إدارة الرئيس الأمريكي من سياسات على الأرض، وعن هذا يمكن سؤال من ذبحتهم غارات أحلاف الولايات المتحدة وطائراتها في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، سياسة إدارة باراك أوباما كما تتضح اليوم للكثير من المتابعين كانت "سنقتلكم وسنشجعكم على قتل بعضكم بعضًا".

هنا لابد من عودة قصيرة للوراء فقبل أن يشغل بومبيو منصب وزير الخارجية كان قد عمل كرئيس للمخابرات المركزية الأمريكية، أي أنه كان على رأس الذراع التنفيذي لمعظم سياسات إدارة باراك أوباما في المنطقة، وهو ما يثير الكثير من الاسئلة حول جدوى هذه المقارنات بين سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومدى دقتها، فدائمًا ما تم الحديث عن سياسات جديدة ولكن الوقائع تشير لنهج واحد مستمر عنوانه الأساسي ضرب الولايات المتحدة لشعوب هذه المنطقة بأقسى ما لديها من أدوات وأساليب التدمير، وإن كان الخطاب يأتي والتبريرات تأتي بصيغة مختلفة في كلّ مرة، وهو ما يقود لمزيد من التوجس من تصريحات بومبيو.

من استهدفت هذه التصريحات؟

بومبيو ركز في خطابه على إيران، كما فعلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ قيام الثورة في إيران عام 1979 وسقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان قد وضع بلاده تحت الهيمنة الغربية، وحقيقة وجود سياسات متباينة بين الإدارات الأمريكية تجاه هذا البلد تعتبر مسألة غير قابلة للتصديق، فإيران البلد الثري نفطيًا تعاني من تأثير العقوبات المفروضة عليها منذ قيام الثورة، هذه العقوبات التي أعلن بومبيو ذاته في مرات متعددة عن حزم جديدة منها تطال قطاعات أوسع من الأقتصاد والمرافق الإيرانية، على نحو يهدف لتهديد معيشة ملايين الإيرانيين وفرصهم في الحصول على احتياجاتهم الحيوية، ملايين الإيرانيين بشرهم بومبيو بالتالي "إن العقوبات الأمريكية على إيران هي الأقوى في التاريخ وسوف تزداد صرامة".

ورغم احتجاج الولايات المتحدة في ممارسة سياساتها هذه بحجة تدخل إيران في سوريا أو غيرها من البلدان العربية، إلّا أنّ المطالب الأمريكية الرسمية لم تطال فعليًا هذا الجانب على الأقل خلال المحادثات المباشرة أو غير المباشرة مع الإيرانيين، ففعليًا كان هاجس الولايات المتحدة تلبية حزمة من المطالب التي قدمتها وأعلنتها حكومة الكيان الصهيوني بشكلٍ رسمي والتي ركّزت على موضوعيْن أساسييْن، الأول وهو منع إيران من تطوير الصواريخ وتجريدها من قدراتها الصاروخية، والثانية وهي منع إيران من دعم قوى المقاومة في المنطقة.

أين نحن؟

بموجب التصريحات المتعاقبة من الإدارة الأمريكية الحالية فنحن أمام مسعى أمريكي جديد لتشكيل تحالف شرق أوسطي يشمل دول عربية بجانب الكيان الصهيوني، يكون شعاره مواجهة إيران، وهو ما سبق أن وصفه دونالد ترامب في تصريحات سابقة بـ "ناتو شرق أوسطي". وفي تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة أعاد الرجل التأكيد على هذه الرؤية، داعيًا لحلّ النزاعات بين دول المنطقة من أجل التفرغ لمواجهة إيران، وهو ما يلفت الانتباه للمسعى المتجدد من قبل الإدارة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء أشكال المقاطعة العربية للكيان الصهيوني.

ما يتبادر للأذهان هو الإمكانيات الهائلة عسكريًا وسياسيًا وماليًا لدى الإدارة الأمريكية، وما هي حاجتها الفعلية لحشد النظم العربية الرسمية في مواجهة إيران، وهو ما يمكن فهمه في ضوء ما تبوح به الإدارة الامريكية حول رغبتها في تحميل دول المنطقة مسؤوليات جديدة في عملية حراسة المصالح الأمريكية في المنطقة، وسعيها لجمع حلفائها من نظم عربية رجعية مع الكيان الصهيوني في بوتقة واحدة دفاع عن هذه المصالح.

هل هي الحرب؟

أثارت التصريحات المذكورة تكهنات مختلفة حول عدوان أمريكي قد يشن قريبًا على إيران، وهو أمر يبدو أنه مرتبط بالقدرة الفعلية لدى الولايات المتحدة على تحمل نتائج هذا العدوان والرد الإيراني عليه، فمما لا شك فيه أنّ الولايات المتحدة لا زالت لديها مخاوفها في هذا الشأن، وأنّ التطورات الأخيرة في المنطقة لم تحمل معها ما يطمئن الادارة الإمريكية لإمكانية شنّ عدوانٍ مجاني على إيران، وهو ما يضع مساعي بومبيو في سياق السعي للبحث عن وكلاء جاهزين لدفع الأثمان نيابة عن الولايات المتحدة في هذه المواجهة المحتملة؛ وهو أمر رغم جدية إدارة ترامب فيه فإن احتمالات نجاحه تبقى مرهونة بقدرة هذه النظم على خوض مواجهاتٍ عسكرية فعلية، فحرب اليمن لا زالت تؤكد بشواهدها اليوميّة من ميادين القتال، أن نظم القمع الرجعية العربية وشركائها الغربيين أعجز من حسم أي معركة جدية في منطقتنا مع قوى المقاومة الرافضة للهيمنة الغربية باختلاف تشكيلاتها.