Menu

عشر سنوات منذ "الرصاص المصبوب": عندما صار تدمير غزة جزءا من العقيدة العسكرية

بوابة الهدف - إعلام العدو،ترجمة خاصة-بتصرف عن ميكوميت

عشر سنوات على عدوان "الرصاص المصبوب"، الاعتداء الوحشي غير المسبوق الذي شنه جيش الاحتلال الصهيوني بدءا من 27 كانون أول/ 2008 واستمر لغاية 18 كانون ثاني/ يناير 2019.

كان العدوان تتويجا للسياسة الصهيونية التي قامت على عنصري الخنق الاقتصادي ثم الإخضاع العسكري ضد غزة، وبالتالي لم تكن تلك الحرب بنت يومها، أو ردا على الخروق الفلسطينية للهدنة كما زعم العدو، أو محاولة لاستعادة الجندي جلعاد شاليط، بل تنفيذا للمرحلة الثانية من إخضاع غزة، وتحويلها إلى حزام أمني مسيطر عليه في عمليه اتسمت بالتدمير المنهجي الذي وصل حد إبادة أحياء بكاملها.

وعلى وحشية الحصار والخنق الاقتصادي والعزل السياسي، كان السلوك العسكري الصهيوني يشكل نقلة نوعية في أساليب القتال وعقيدة الحرب التي أعيدت كتابتها صهيونيا، بحيث تؤمن في النتيج أقل عدد من الخسائر في صفوف العدو وأكثر عدد ممكن من الضحايا الفلسطينيين وأكبر دمار منهجي يمكن إحداثه في الأحياء الفلسطينية المهاجمة، في ظل أن جيش العدو أعلن قطاع غزة بأكمله منطقة عمليات عسكرية بدون تمييز.

أجمعت التقارير في حينه، أن قوة النيران التي صبتها آلة الحرب الصهيونية في العدوان المسمى "الرصاص المصبوب"في كانون ثاني/يناير 2019، وعدد الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الصهيوني كان غير مسبوق في تاريخ الوحشية الصهيونية في هذا الصراع الطويل، ومنذ ذلك الوقت تحولت التكتيكات التي استخدمت في ذلك الهجوم، إلى جزء دائم من ترسانة جيش العدو، في حروبه على غزة.

وقد جاء في تقرير لمنظمة "سينات" أن تلك العملية لم تكن مسبوقة، وأضاف التقرير " "تم كسر جميع السجلات فيما يتعلق بقوة النار الموجهة ضد قطاع غزة ، ونطاق القوات العسكرية التي شاركت ، وعدد المقاتلين المسلحين والمدنيين الذين قتلوا ، وعدد المنازل التي هدمت ، وأي سجل آخر يمكن تخيله."

يزعم خبراء صهاينة أن التغيير في العقيدة القتالية نبع من تجربة الانتفاضة الثانية، وحرب لبنان الثانية والدروس المستفادة منهما، والتي ما زال هناك خلاف كبير على كيفية انتهائها "نصر أو هزيمة أو ما بين وبين"، وبالتالي، وعلى نطاق واسع فهم أن عدوان 2009 جاء محاولة مباشرة للرد على هزيمة 2006، ومحاولة يائسة للتمسك بدرع الردع "الإسرائيلي" بأي ثمن، للتخلص من العار السابق.

كان أحد تغييرات هذه العقيدة العسكرية مرتبطا بالخسائر في حرب لبنان والانتفاضة الثانية، إذ أصبح على الجيش أن يتصرف على نحو يمنع تعريض الجنود للخطر، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير مبنى كامل بمدنييه، على ما قالت وثيقة سرية، يزعم أنه لم يتم تبنيها أبدا، ولكن تم العمل على أساسها في جميع الظروف.

كان آفي بنياهو، الناطق السابق باسم الجيش الصهيوني قد أكد ضمنا على هذا التوجه بالقول ""أولويتنا الأولى هي مواطنينا ، والثانية يأتي جنودنا ، والثالثة يأتي مدنييهم ، والرابعة - إرهابييهم. "

هذا التوجه الذي ينص على أن حياة الجنود أهم من حياة سكان قطاع غزة بأي ثمن، أدى إلى تحديد قطاع غزة بالكامل كمنطقة حرب، رغم أن العمليات تمت في قطاعات سكنية مدنية من المستحيل التمييز فيها بين مقاتل ومدني، إلا أن تبني الجيش لهذه العقيدة "الأخلاقية" كان يسمح بمثل هذه العمليات، لأنه في النهاية ليس مهما "قتل ألف مدني والتخلص من إرهابي واحد".

هذه العقيدة أيضا سمحت بالقصف المدفعي العنيف، في مناطق مأهولة لأول مرة، ففي كل مرة دخلت القوات لأحياء غزة كانت مسبوقة بقصف مدفعي عنيف، واستخدم الجيش أكثر من 3000 قذيفة متفجرة خلال العملية، وكل واحدة منها قد تصيب وتقتل أي شخص ولو كان على بعد عشرات الأمتار من مكان سقوطها.

وفي شهادة لمنظمة كسر الصمت قال جندي صهيوني شارك في تلك العملية "لم أكن أعتقد لحظة واحدة أنه يمكن أن تكون هناك خطة لنيران المدفعية على غزة"، حيث "حيث أن غزة كثيفة للغاية وتشتت المدفعية (الأضرار الجانبية) جنوني".

في الواقع يعلم كل من يمتلك معرفة ضئيلة بالقذائف والأسلحة، أن مطلق المدفعية ومهما كان دقيقا لايمكنه أن يكون دقيقا تماما، وذلك بسبب طبيعة هذا السلاح الفتاك بالذات وطبيعة القذائف المستخدمة فيه، ما جعله محرما دوليا للستخدام في الكمناطق المأهولة.

التغير الآخر، جاء في قواعد إطلاق النار في الجيش الصهيوني والتي حددت ظرفا قياسيا (بغض النر عن مدى الالتزام به) بأنه يتم إطلاق النار على شخص فقط في الحالات التي يحدد فيها الجنود السلاح والقدرة والنية على استخدامه.، ومع ذلك ، سمحت الأوامر خلال الرصاص المصبوب للجنود باستخدام تقديريتهم الخاصة ، وأحيانًا ما يعتبرون كل شخص موجود في منطقة القتال – ما لم يكن جنديًا في جيشهم- محاربًا معاديًا يمكن توجيه النيران إليه. وشهد العديد من الجنود بأنهم قيل لهم إنه لا يوجد شيء اسمه مدني في المناطق التي دخلوا فيها ، حيث طُلب من المدنيين الرحيل، ولكنهم في الواقع لايستطيعون المغادرة تحت النار، من الناحية العملية ، شهد الجنود مراراً وتكراراً بأنهم واجهوا مدنيين داخل المنازل التي سيطروا عليها ، وأحياناً حتى أسر بأكملها أختبأت في منازلهم.

ترجمت لوائح النار المفتوحة المتساهلة إلى قوة نيران هائلة، و تقدمت القوات تحت غطاء المدفعية ونيران الدبابات - بعد أن تم إسقاط منشورات توعز للسكان بمغادرة منازلهم - وعندما أطلقت القوات النار على أي تهديد في المنطقة ، سواء كان موضوعيا أو متصورا، ويصف أحد الجنود ما حدث "كان شعورنا الأساسي هو أن الأرض كانت تهتز باستمرار ، كانت هناك انفجارات طوال اليوم ، ومضات طوال الليل ، [قوة النار] لم تكن مألوفة وكانت جرافات D9s تعمل أيضا على مدار الساعة" كانت " قوة [نار] مختلفة تماماً عما نعرفه".

كانت جرافات D9s العسكرية، سلاحا فتكا آخر نفذ الهدم المنهجي لللأحياء المدنية، وفي بعض الحالات كانت فرق الهندسة القتالية تبدأ في تدمير المباني فور دخولها الأحياء.

ووفقاً للجنود ، كان يزعم أن بعض المباني مفخخة ، وزعم أن بعضها تحتوي مداخل إلى الأنفاق أما الأخرى فتم تدميرها ببساطه لإن هياكلها تحجب نظر الجنود.

كانت سلطة تحديد المباني التي يجب هدمها في أيدي قادة صغار ميدانيين، رغم أن تقارير أخرى أِارت إلى أن هذا التدمير كان تطبيقا لـ "عقيدة الضاحية"، في حرب لبنان الثانية.

وقد قال غادي أيزنكوت عام 2008، قبل أن يصبح رئيسا للأركان، عن تلك الحرب " عملية الرصاص المصبوب كانت مختلفة عن أي عملية سابقة، . لقد كانت قوة النيران وحجم الدمار وكمية القتلى والجرحى غير مسبوقة في التاريخ الوحشي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع ذلك ، فقد أثبتت العمليات العسكرية في غزة منذ ذلك الحين أن وسائل القتال المستخدمة في البداية في الرصاص المصبوب ليست حوادث معزولة، في الواقع ، لقد تكررت هذه الاتجاهات نفسها بل تصاعدت".

بالتأكيد رغم الإنكار إلا أن"عقيدة الضاحية" موجودة في جوهر الممارسة العسكرية الصهيونية، دون أن يتم طرحها في أي خطاب علني حقيقي، وهكذا نرى بني غانتز العسكري القادم للسياسة يتفاخر بعدد الفلسطينيين الذين قتلهم ويستخدم صورا لتدمير حي فلسطيني كامل "تبين أنه سرقها أصلا من شركة فلسطينية" في حملته الانتخابية، كل هذا يحدث دون أي اعتراض من أي طرف سياسي صهيوني، لأن الدم الفلسطيني لاقيمة له، وفي الحقيقة إن العقيدة الأخلاقية لجيش "إسرئايل" هي العقيدة نفسها "لسياسيي إسرائيل": الدم الفلسطيني ليس مهما، وكلما قتلت فلسطينيين أكثر كلما كان لديك فرصة لتصعد في لائحة استطلاعات الرأي، وحتى الآن يتفوق نتنياهو.