Menu

قراءة في توصية مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية

حاتم استانبولي

خاص - بوابة الهدف

 

 

أثارت توصية مدعي عام المحكمة الجنائية الدولي كريم خان بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه غالانت وثلاث قادة من حماس إسماعيل هنية والسنوار والضيف، ثورة في البيت الأبيض والخارجية الأميركية بدعوى ارتكابهم جرائم تصل إلى الإبادة الجماعية.

الغضب الأميركي جاء على لسان الرئيس بايدن الذي وقف في البيت الأبيض مدافعاً شرساً عن جرائم إسرائيل التي وصفها أنها ليست إبادة جماعية ولا يمكن مساواة حماس بدولة إسرائيل وأضاف أن الولايات المتحدة تشارك إسرائيل جهودها في القضاء على حماس.

وصرح وزير خارجية البيت الأبيض أن توصية مدعي عام المحكمة الدولية مخزية أما رئيس مجلس النواب فقد ذهب أبعد في تهديد مدعي عام وقضاة المحكمة إذا تجرأوا وأصدروا مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزراءه.

أما نتنياهو فقد تلفظ بكلمات تحمل عبارات مسيئة وحمل تهديداً ضمنياً في عبارته كيف تجرؤ على إصدار هكذا توصية في مخاطبته لكريم خان.

وأضاف المتهم نتنياهو أن إسرائيل دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها وهو نسي أن إسرائيل مصنفة حسب القانون الدولي على أنها دولة احتلال.

دولة الاحتلال هي الشكل الأبرز لمفهوم إرهاب الدولة بكل مؤسساتها وإسرائيل كونها دولة استيطانية إحلالية فهي تمارس الإرهاب بكل مؤسساتها العسكرية والمدنية والدينية والقضائية التي تشرع علناً قتل الفلسطينيين منذ ٧٦ عاماً. ودولة إسرائيل الإرهابية لا تملك الحق في الدفاع عن النفس ضد الشعب الفلسطيني المحتل الذي يملك الحق القانوني في الدفاع عن نفسه بكل الوسائل. هذا الحق في الدفاع عن النفس مقر في ميثاق الأمم المتحدة تحت عنوان حق تقرير المصير للشعوب الرازحة تحت الاحتلال.

دولة إسرائيل هي أول من شرع عملية الاغتيال الميداني للأطفال والفتيات بدعوى النية في ارتكاب اعتداء بدون محاكمة أو أدلة في تناقض مع جوهر القانون الجنائي وهي ترتكب جرائمها على أساس ديني وقومي. هذه الجرائم التي تغطى من قبل الجهاز القضائي للاحتلال.

الفلسطينيون منذ ٧٦ عاماً وهم يخضعون لقانون الطوارئ العسكري الذي هو في الجوهر قانون الطوارئ البريطاني ما قبل ١٩٤٨ وطورته إسرائيل بحيث يسمح لها بارتكاب جرائم العقاب الجماعي من اعتقال وهدم منازل وسرقة محتويات وأملاك الفلسطينيين أثناء المداهمات وحجز أقارب المشتبه بهم وتعذيبهم حتى تسليم أنفسهم.

كل هذه الممارسات المنهجية اليومية تندرج تحت عنوان جرائم ضد الإنسانية يرتكبها الاحتلال الإرهابي.

توصية مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إذا ما أقرت فإنها تفتح الأبواب من أجل محاكمة كافة الحكومات التي دعمت جرائم الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي كمؤسسات وأفراد وتعطي الحق للعائلات الفلسطينية برفع دعاوى جرمية ضد أفراد وضباط ووزراء إسرائيل والحكومات التي دعمتها بالسلاح الذي استخدم في إبادة الفلسطينيين.

التوصية بحد ذاتها هي انتصار قضائي جزئي (بالرغم من مساواة الضحية بالجلاد) لا يمكن للمحكمة تبرير رفضه وهي التي اتخذت قراراً سريعاً بحق الرئيس فلاديمير بوتين بدعوى احتلال أوكرانيا وارتكاب جرائم غير مؤكدة في حين أن إسرائيل هي مصنفة حسب القانون الدولي دولة احتلال.

الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين وخاصة الأطفال والنساء منهم هي جرائم ترتكب على الهواء مباشرة ويفتخر بها الجنود الإسرائيليون ناهيك عن تصريحات وزير الدفاع ووزير الأمن الإسرائيلي بضرورة العقاب الجماعي وإذا تطلب الأمر استخدام السلاح النووي لمحو غزة والذي دعم هذا التصريح عضو مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي غراهام مما أعطى دعماً معنوياً لِممارسات المستوطنين لمهاجمة قافلات المساعدات من أجل حصار المدنيين الفلسطينيين ومنع عنهم الدواء والماء والغذاء في تطبيق عملي لسياسات وزير الدفاع الإسرائيلي ووزير الأمن والمالية.

قضاة الجنائية الدولية لا يمكنهم تجاهل توصية المدعي العام كريم خان. فيضع الرفض المحكمة أمام تساؤل عام دولي حول دورها وأخلاقياتها القضائية وأنها تخضع للضغوط السياسية من قبل البيت الأبيض ومجلس نوابه وشيوخه الذين هددوا باتخاذ عقوبات ضد المدعي العام وقضاة المحكمة. هذه التصريحات تعطي مؤشرات على أن السياسيين الأميركيين وفي مقدمتهم الرئيس بايدن ووزير خارجيته ورئيس برلمانه لا يعيرون أية أهمية للمنظومة القضائية المختصة وهم معها ضد روسيا والصين وصربيا و السودان وضدها عندما يتعلق الأمر بأفعال إجرامية معلنة ومؤكدة بالصوت والصورة والنية المعلنة مسبقاً لقادة إسرائيل ومستوطنيها الصهاينة.

هم يريدون محكمة العدل والجنايات الدولية أدوات طيعة لسياسات واشنطن وإسرائيل يملون عليها فحوى قراراتها وبهذا يسقطون الثقة بالمنظومة القضائية الدولية والمحلية صاحبة الاختصاص في النظر بالجرائم والقضايا.

الأخلاقية السياسية هي مصطلح يعبر عن مفهوم العدالة والمساواة وإذا سقطت هذه الأخلاقية في المؤسسة القضائية فسوف يحكم العالم الطغاة والمستبدون ونعود إلى عالم تتحكم فيه قانون الغاب.

الشعب الفلسطيني جدير بأن يُنْصف وأن تتحقق العدالة الغائبة عنه منذ ٧٦ عاماً.

اعتقال قادة ومناضلي الشعب الفلسطيني هي مناسبة لتحويل محاكمتهم إلى محاكمة الاحتلال وداعميه من أجل كشف جرائمهم التي ارتكبت منذ ما قبل جريمة النكبة الآلاف منهم يقبعون في سجون الاحتلال الصهيوني ومنهم الآلاف يقتلون على الشكل والهوية والاشتباه بالنية.

الشعب الفلسطيني يخضع لعملية منهجية للإبادة الجماعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية منذ أكثر من ١٠٠ عام ساهمت بها بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة ونظمهم التابعة في المنطقة.

قاعات محكمة الجنائية لن ترهب القادة الفلسطينيين إذا حكمتها الأُسُس القانونية القضائية بعيداً عن التسييس والترهيب وسيخرج الاحتلال الصهيوني الإحلالي الإسرائيلي وداعميه مجرماً ضد الإنسانية لكون جرائمه المرتكبة موصوفة من حيث النية بقرار الحركة الصهيونية بإقرار أن فلسطين وطن قومي لهم وقرار وعد بلفور التي مهدت لتنفيذه اتفاقية سايكس بيكو ومن حيث أدوات الجريمة المنظمات الإرهابية الصهيونية الهاغاناه وشتيرن التي كانت شكلت البنية الأساسية للجيش الإسرائيلي والوسائل الإرهابية التي استخدمتها عبر ارتكاب جرائم إبادة ومجازر جماعية بي القرى الفلسطينية وأبرزها دير ياسين وكفر قاسم وغيرها والتي استمرت حتى يومنا هذا في الضفة الغربية وغزة في محاكاة ما ارتُكب من جرائم قبل جريمة النكبة وبعدها.

نعم لتطبيق العدالة القضائية والإنسانية النزيهة فهذه لن ترهب مناضلي الحرية .