Menu

تحليلوارسو: الانحطاط العربي الرسمي والموقف الفلسطيني الغائب

بوابة الهدف - أحمد مصطفى جابر

زعم وزير الخارجية الأمريكي في خطاب ألقاه في الجلسة الافتتاحية في مؤتمر وارسو في بولندا، أن إيران هي أساس كل المشكلات في المنطقة، وأن "رد الفعل" تجاه إيران أمر أساسي للتعامل مع مشكلات المنطقة الأخرى.

خطاب بومبيو كان مناسبا للوزراء العرب الذين زحفوا إلى وارسو استجابة لأوامر واشنطن، وللقاء السري أو العلني مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يلتقي بعضهم به علنا، وإن كان اختار الدخول إليه من موقف السيارات، كما هو حال وزير خارجية عُمان يوسف بن علوي، الذي يبدو أن نظامه يريد التواجد على الساحة الإقليمية بثمن مجلل بالخزي والعار بعد طول غياب.

وبعضهم الآخر يلتقي سرا، ما قد تكشف عنه الأيام أو الساعات القادمة، بينما ينتظر الآخرون دورهم، لأن نتنياهو قال بعنجهية تليق بالتعامل معهم، إن جدوله مزدحم ولن يكون لديه الوقت لتلبية كافة الطلبات.

يتصرف نتنياهو كمنتصر في وارسو، هو الذي عارض الاتفاق النووي مع إيران منذ توقيعه في 2015، لذلك يعتبر هذا التجمع، المهرجان، بمثابة تتويج لدعوته "للتوحد ضد العدو المشترك" وهكذا تضيع الأنظمة العربية البوصلة، فتدخل الثعلب إلى بستانها، وتخترع عدوا وهميا متغاضية عن العدو الأساسي الذي يلعب اليوم معهم دور الحليف والصديق، ولكنها ثمن عروشهم ومناصبهم المتهاوية وبدون ذلك، كانت ستعصف بهم رياح ثورة أو انقلاب أو انتفاضة معد لها جيدا في واشنطن وفي مختبرات تغيير الأنظمة.

يجلس وزير الخارجية في النظام اليمني هشام شرف، بوقاحة إلى جانب نتنياهو، ولعل هذا ما أراده له مشغلوه في الرياض، أن يكون نوعا ما من كبش فداء لعملية التطبيع المتمادية، بل الاستسلام والخنوع الكلي، ليظهر نظام هادي ليس أكثر من دمية في يد مشغليه الاماراتيين والسعوديين، حتى في القضايا القومية الكبيرة.

ويتفاخر نتنياهو بأنه سيلتقي الوفد السعودي، وهذا ليس مفاجئا كلنا لاننسى مصافحة الوزير السعودي مع يعلون في مؤتمر ميونخ 2015، واللقاءات السعودية الصهيونية لم تعد سرية ولم تعد أخبارا عاجلة على كل حال.

وبينما يزعمون أن المهرجان يهدف لعزل إيران، فإن الهدف الاستراتيجي الثانوي، هو تصفية القضية الفسلطينية أو انضمام الدول العربية إلى ركب مشروع التصفية الذي يقوده ترامب.

فهل سينجح هذا المهرجان في عزل إيران؟ أم أنه لن يكون أكثر من سيرك كما وصفته طهران، يهدف فقط إلى تشويه سمعتها لدى دول تصنفها أصلا كعدو؟

على الأغلب وكما أجمعت الصحافة الصهيونية لن يكون هذا المهرجان أكثر من أداة انتخابية جديدة لنتنياهو وسط التضييق السياسي والقانوني عليه في الكيان، لن يقدم هذا المهرجان إذا سوى مزيد من الدعاية الانتخابية لوزير الخارجية الصهيوني –نتنياهو نفسه- عبر إخبار ناخبيه أنه قادر على اختراق العالم العربي، ولكن كل شخص في العالم يعرف أن هذا الأمر ليس جديدا، فقد فعله بيريز ورابين وحتى شارون وزغيرهم وكانت النتيجة دائما أن التطبيع يخرج رأسه من جحره ثم ينزوي بفعل مقاومة الشعوب العربية وصمودها في مواجهته.

بالتالي لايمكن القول أن نتنياهو يسعى لتجنيد تحالف عسكري، بعد إن استخدم كلمة "ملحماة" في الحديث عن الجهود المشتركة، وهي كلمة عبرية تعني الحرب، ثم تراجع وزعم إنه قصد الجهود المشتركة، هذه الصرخة الحربية التي ألقى بها للصحفيين مباشرة بعد لقائه بن علوي، وكيف زور مكتبه الترجمة بعد ذلك.

وأخيرا في ظل هذا الانحطاط السياسي العربي غير المسبوق، بل ربما الأصح القول أنه ليس جيددا، تغيب الكثير من الدول المحترمة عن وارسو، وترفض أن تخضع للإرادة الأمريكية الصهيونية، ولكن جيسون غرينبلات، لايجرؤ على مهاجمة تركيا ، و ألمانيا وفرنسا ، بل يندد بالمقاطعة الفلسطينية، التي جعلها سلوك الأنظمة العربية الأضعف، والأكثر تلقيا للوم، ويزعم غرينبلات أن مقاطعة الفلسطينيين للمؤتمر "تعيق محاربة إيران"، هذا أمر جيد يحسب للسلطة الفلسطينية على الأقل، ولكن ما هو مطلوب يتجاوز ذلك بكثير، المطلوب الآن التصدي لهجوم كبير على القضية الفسلطينية، سيندلع من وارسو، وللأسف لم يشي سلوك الفصائل الفلسطينية في موسكو بالحد الأدنى من الإيفاء بمتطلبات الصمود في وجه هذه الهجمة وبالذات طرفي الانقسام، ما يعني أن على الشعب الفلسطيني الآن أن يقف بنفسه ربما ليواجه هذا الهجوم، تاركا الفصائل في دائرة الخصومة والانحسار.