Menu

المطلوب بخصوص قضية اللجوء واللاجئين الفلسطينيين

عبد الرحمن البيطار

خلال السبعين عامًا الماضية، تَحَوَّلت المخيمات المقامة في الدول العربية المحيطة بفلسطين إلى عامل ضاغط على الدول العربية المضيفة للاجئين، بدلًا من أن تكون من النواحي السياسية والأخلاقية والقانونية والاقتصادية قضية وعوامل ضاغطة على دولة الكيان الصهيوني العُنصري. فبغياب استراتيجية عربية متكاملة بخصوص قضية اللاجئين الفلسطينيين منذ نشوء هذه المشكلة في العام ١٩٤٨، وبالأخص لدى الدول العربية المضيفة للاجئين، أي الأردن (الضفتين)، وسورية، ولبنان، ومصر، والعراق، فقد تحولت المخيمات في هذه الدول الى چيتوات يعيش فيها اللاجئون، وتحول اللاجئون فيها إلى مجرد بشر يعتاشون على ما تدر به دول العالم عليهم من خلال وكالة الغوث من مساعدات مادية من جهة، وإلى بشر يعيشون على ذكرياتهم في دِيارهم التي طُرِدوا منها، ويدمنون فن الانتظار فيها بلا أفق لمدى طول انتظارهم المطلوب من جهة أُخرى.

أما الهَدَف غير المُعْلن من طي ملف اللجوء وكبته وتسكينه ورَكْنه بعيداً عن مسرح الأحداث وأجندات العمل الأساسية، فبالنسبة لدولة الكيان الصهيوني، فقد كان يَتمثل في محاولة تَذويب تلك القضية وتَمويتها ببطىء مُستندين في ذلك إلى قوة تأثير عامل الوقت والزمن وانقضاء حيوات الضحايا المباشرين لحملة التطهير العِرْقي التي نفذتها دولة الكيان الصهيوني بحق ٨٠٠ ألف فلسطيني في العام ١٩٤٨، وحولتهم بين ليلة وضحاها إلى لاجئين خارج دِيارهم واٌستولت على ممتلكاتهم المسروقة والمغتصبة ووضعتها بتصرف مهاجرين يهود استقدمت أغلبهم من "مخيمات" أوروبا والتي فُتُحت لاستقبال ضحايا الاضطهاد النازي والفاشي الأوروبي قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.

ولأن الهدف الصهيوني العُنصري يتحلق حول محاولة إماتة قضية اللاجئين وطَيِّها عبر توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلاد التي استضافتهم، أو في بلدان الشّتات، فإن مواجهة المشروع الصهيوني العُنصري يجعل من المطلوب الآن إعادة إيقاظ مارد اللجوء الفلسطيني من سباته الطويل، وضَخ الحياة في القرار ١٩٤.

وبكلمات أُخرى، المطلوب هو ضخ الحياة في قضية اللجوء واللاجئين، لمواجهة المشروع الصهيوني في تجلياته الجديدة، وإعطاء أجيال اللاجئين الشابة الأمل، وتمكينهم من الإمساك بقضيتهم، لدفن مؤامرة توطينهم خارج دِيارهم إلى الأبد، أي لوأد مؤامرة التوطين والوطن البديل مرة واحدة وإلى الأبد.

نعم، المطلوب ضَخ الحياة في قضية اللجوء واللاجئين بهدف جذب انتباه المجتمع الدولي إلى قضيتهم، ليس بصفتها قضية تشغيل وإعاشة خارج دِيارهم، وإنما إلى قضية حقوق وطنية في فلسطين وعلى ترابها الوطني؛ حقوق غير قابلة للتصرف، إلا باتجاه واحد، أي باتجاه تفعيل القرار ١٩٤ بكل حيثياته وعلى رأسها حق من غادر فلسطين طوعاً أو كرهاً في العامين ١٩٤٧ و ١٩٤٨ بالعودة إليها، وحقه في استعادة مواطنته وأملاكه فيها، وحقه كذلك في التعويض عن المعاناة التي خاضها في غيتوات/مخيمات البؤس والشقاء في الضفة الغربية، وقِطاع غزة، والأردن، وسورية، ولبنان، أو في الشّتات، وعن الأضرار التي لحقت به بسبب طرده من فلسطين، أو منعه، أو حرمانه من العودة إلى دياره فيها طيلة الفترة الممتدة من تاريخ خُروجه منها إلى أن يعود إليها. هذا دون القفز عن التركيز بأن حق الدول العربية المحيطة بفلسطين وغيرها في تلقي التعويضات عمّا لحق بها من أضرار مباشرة وغير مباشرة جرّاء إقامة المشروع الصهيوني في فلسطين، وجرّاء حملة التطهير العِرْقي التي قامت بها المُنظمات الصهيونية المسلحة ودولة الكيان الصهيوني العُنصري، وبسبب لجوء مئات الألوف من الفلسطينيين إليها وإبقاءهم على حالتهم طيلة أكثر من سبعين عاماً من اللجوء.

المطلوب، لمواجهة المشروع الصهيوني العُنصري في فلسطين، إبقاء ذاكرة المجتمع الفلسطيني والأردني والسوري واللبناني والمصري والعراقي والعربي بصفة عامة، والأوروبي والأمريكي على وجه الخصوص، والدولي بشكل عام، مشتعلة بأسباب نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبأبعاد قضية اللجوء واللاجئين الفلسطينيين ومقاومة مشاريع التوطين، والوطن البديل، وضم القدس وفرض السيادة الصهيونية العنصرية عليها.

نعم، المطلوب إبقاءها مشتعلة وتسليط الضوء بصورة يومية ومستمرة على دور دولة الكيان الصهيوني العُنصري في نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفِي تعطيلها تفعيل القرار ١٩٤ منذ صدوره في ١١ كانون الأول من العام ١٩٤٨.

المطلوب كذلك التبيان للمجتمع الفلسطيني والأردني والسوري واللبناني والمصري والعربي والدولي أن تعطيل تفعيل القرارين ١٨١ و ١٩٤ من قبل دولة الكيان الصهيوني ينزع الشرعية الدولية عنها ويفضح طابعها العُنصري، وانتهاكها للشرعية الدولية ويحولها إلى دولة مارقة خارقة بإمعانٍ وعن قصد للقانون الدولي، وبالتالي فهو يحرمها الحق في الوجود لأن تعطيل تطبيق القرارين المذكورين بالذات، والاستمرار والإمعان في ذلك هو تعطيل لشرعية وجود دولة الكيان الصهيوني ذاته؛ فقرار التقسيم هو الذي استندت عليه دولة الكيان الصهيوني في الاستحواذ على "حقها في الوجود"، وبالتالي، فإن إنكاره وإنكار تطبيق حيثياته بكليتها من قبل دولة الكيان الصهيوني، هو فعل إرادي، يحمل في طياته إنكاراً نظرياً وعملياً وفعلياً لحقها في الوجود من جهة، ولشرعية وجودها برمته من جهة أُخرى .

لماذا…؟

لأن القرار ١٨١، رغم كونه في الأصل، جائراً بحق سكان فلسطين وشعبها في تقرير مصيرهم كوحدة واحدة على أرضهم (فلسطين)، فإنه في الواقع، قرار قام على مبدأ تقسيم حق تقرير سكان فلسطين (الفلسطينيين العرب واليهود) على الكيانات الثلاثة التي أنشاؤها في فلسطين، وعلى مبدأ تقسيم فلسطين جيوسياسياً إلى ثلاثة كيانات، وعليه، فهو قرارٌ لا يقوم بتاتاً على مبدأ إلغاء أو إنكار حق تقرير الجزء الأكبر من سكان فلسطين لمصيرهم على أرضهم فلسطين، أي أنه لا يقوم على مبدأ إلغاء أو إنكار حق تقرير المصير لسكانها الفلسطينيبن العرب الذين كانوا ولا يزالون حتى اللحظة هذه يمثلون الأغلبية فيها، هذا على الرغم من أن ما يقرب من أربعة ملايين فلسطيني لا زالوا يعيشون حتى هذه اللحظة بصفة لاجئين (أي لاجئين مسجلين في سجلات الأنروا) خارج حدود فلسطين الجغرافية في چيتوات/ مخيمات خارج حدود أرض فلسطين (حوالي ٢،٥ مليون في الاْردن ، و ٦٠٠،٠٠٠ في سورية و ٤٠٠،٠٠٠ في لبنان)، في حِينِ يعيش على أرض فلسطين في هذه اللحظة أيضاً نحو ٢،٥ مليون لاجىء ( مسجل في سجلات الأنروا) من أصل نحو ٦،٥٥ مليون فلسطيني يعيشون اليوم في فلسطين .

وأيضاً، فإن قرار التقسيم رقم ١٨١ لا يقوم على مبدأ حصر تقرير المصير بيهود فلسطين فقط من سكانها والمهاجرين اليهود الذين كانوا فيها عند صدور القرار في ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧ أو هاجروا إليها بعد صدوره.

بمعنى آخر، فإن حق مواطنة سكان فلسطين في كيان لكل واحد من الكيانات الثلاثة التي تم تقسيم فلسطين إليها، هو حق حفظه قرار التقسيم وصانه بالرغم من الظلم التاريخي لهذا القرار، وحق المواطنة هذا يتضمن وبموجب أحكام قرار التقسيم نفسه الحفاظ على حقوق سكان فلسطين ومنها حقوقهم في ممتلكاتهم الخاصة وحصتهم في الممتلكات العامة لفلسطين وثرواتها الطبيعية قبل تقسيمها وبعدها.

وترجمة للكَلاّت الثلاثة (كلا للتوطين، كلا للوطن البديل، وكلا لضم القدس)، فإن المطلوب إذن، أن ننفض الغبار عن قضية اللاجئين الفلسطينيين والذي تراكم خلال سبعين عامًا من التهجير الطويل، القاسي والظالم، والاضطرار للجوء داخل أرض فلسطين وخارجها.

وأخيراً، في مواجهة مشروع إقامة دولة الأبارتهايد في فلسطين وتكريس وجودها فيها، ومحاولات دولة الكيان طَمْس قضية اللاجئين، أو التخلص منها عبر صفقة القرن، أقول، أن المطلوب ليس حل قضية اللاجئين الفلسطينيين عبر إغرائهم بالهجرة الاقتصادية من وطنهم، وعبر توطينهم خارجها، وعبر إغداق التعويضات عليهم وعلى الدول التي استضافتهم، أو تلك المُستعدة لتوطينهم فيها، ولكن المطلوب هو التمسك بالقرار ١٨١ و ١٩٤، وفي العمل على تفعيل جميع حيثيات القرار ١٩٤، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى دِيارهم التي طُرِدوا منها أو غادروها ، وإعادة ممتلكاتهم فيها لهم وفي تمكينهم من ذلك.

بهذه الطريقة فقط، يمكن دفن مؤامرة التوطين والوطن البديل وصفقة القرن، وانتزاع القدس من السيادة الصهيونية العنصرية عليها.