Menu

تسويق الوهم

نبيل سالم

كل الخطط ومحاولات التسوية التي قدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بشأن البحث عن تسوية سلمية للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، على مدار عشرات السنين، لا يمكن وصفها إلا تكراراً للأفكار «الإسرائيلية» المعروفة، كما أنها تبدو متشابهة لدرجة أنها مجرد صور طبق الأصل لوجهات النظر «الإسرائيلية»، وأنها لا تختلف عن بعضها سوى في الصياغة، في أحسن الأحوال.

ومن يتابع المشاريع والمقترحات التي قدمتها واشنطن لحل الصراع يرَ بكل وضوح أنها تركز على جملة من الأهداف التي لم تعد خافية على أحد، وإن كانت الولايات المتحدة تسوق مبادراتها تحت شعارات ولافتات، لا تسعى من خلالها إلا إلى شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بل وإفراغ المنطقة من الفلسطينيين، رغم كل هذه السنين التي انقضت على انطلاق المشروع الاستعماري «الإسرائيلي»، بهدف توطينهم في البلدان التي اضطرهم الاحتلال «الإسرائيلي» إلى اللجوء إليها، في مؤامرة باتت واضحة ومكشوفة للجميع.

ولأنها ترغب في تسويق مبادرتها الأخيرة للسلام، تحاول الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، استخدام ورقة المساعدات المالية للفلسطينيين لتحسين أوضاعهم الحياتية، متجاهلة أن سوء الأوضاع الاجتماعية للشعب الفلسطيني، سببه فقط الاحتلال «الإسرائيلي» لبلادهم، والذي يعد آخر الاحتلالات في العالم.

ونلاحظ مما تكشف من الخطة الأمريكية للسلام، وما تسرب عنها مؤخراً، أنها ليست سوى محاولة لشراء القبول الفلسطيني والعربي بها، مقابل ملايين أو مليارات الدولارات، متجاهلة عن قصد الأسباب السياسية والوطنية للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، وتصويره على أنه صراع تمليه الأسباب الاقتصادية فقط، في محاولات لإخفاء المخططات الأمريكية والغربية عامة، لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن إقاماتهم في البلدان العربية، وغيرها، لتأمين الأجواء «لإسرائيل» والحفاظ على قوتها باعتبارها رأس جسر للمشاريع الاستعمارية كلها في المنطقة.

ومؤخراً، تحدثت صحف عربية عن مساع أمريكية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول عربية، من بينها الأردن، و مصر ولبنان، بعد قرار واشنطن وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، (الأونروا)، وهو ما دعا كلاً من الأردن ولبنان للإعراب عن رفضهما للخطة الأمريكية.

وبحسب المصادر المطلعة، سواء في الجانب الأردني، أو الفلسطيني، فإن إدارة ترامب تعمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتضغط على العديد من الدول العربية، من خلال التسهيلات الاقتصادية مقابل قبولها بإنهاء ملف اللاجئين، مقابل تقديم واشنطن حزمة مساعدات اقتصادية ضخمة. 

وقد قوبلت مساعي الولايات المتحدة برفض لبناني أيضاً، بسبب ما يتركه من آثار سلبية في لبنان، والقضية الفلسطينية أيضاً.

ونقل عن مصادر رسمية لبنانية قولها إن موقف لبنان الرسمي يرفض أي استثمار على حساب قضية ​فلسطين،​ وحقوق ​الشعب الفلسطيني​ بالعودة الى أرضه، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها ​ القدس ​ الشريف. ورغم ما يعانيه لبنان من أزمة اقتصادية خانقة فإنه «لن يقايض على ثوابته غير القابلة للتصرف، وفي مقدمها رفض ​التوطين​ الذي سيقاومه مع الفلسطينيين، بكل أساليب ​المقاومة​ المشروعة».

وإزاء ما تقدم، ومع الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها أكثر من مدينة فلسطينية، وعربية، على الخطة الأمريكية، يبدو أن كل المغريات والرشى لن تنجح في تطويع الشعب الفلسطيني كي يقبل بالخطة الأمريكية، التي لم تقدم، ولن تقدم شيئاً حقيقياً للسلام في المنطقة، بمقدار ما هي محاولات أمريكية لشراء الاستسلام الفلسطيني بمليارات الدولارات، وهو ما لن يحدث أبداً، لاسيما وأن الشعب الفلسطيني اختبر النوايا الأمريكية على مدى سنوات الصراع الطويلة، وبات على قناعة بأن ما تفعله واشنطن ليس إلا تسويقاً للوهم لخدمة المصالح «الإسرائيلية» الاستعمارية في المنطقة.