Menu

عن الوحدة في زمن التشظي

بوابة الهدف الإخبارية

غزة _ بوابة الهدف

استخلص التاريخ كما ذاكرة الشعوب قيم وأحكام أعطاها أهمية خاصة، من أبرزها تلك القيم التي عظمت من دور الوحدة والانسجام الوطني والمجتمعي في تحقيق الاهداف والانجازات الوطنية. بالمقابل فإن معظم التجارب الثورية أكّدت على ضرورة مواجهة الطروحات السلبية والتيارات الرجعية والخيانية، وتجذير الانتماء الحقيقي لمصلحة الجماهير في مواجهة أعداء الشعوب والمتماهين معهم.

في عالمنا العربي يجادل الكثيرون وخصوصًا من قوى السلطة بضرورة الوحدة على حساب دعاوى التغيير المحقة، ويجري استخدام هذا الطرح لإسكات كل صوت نقدي، وإخماد كل تحرك لمواجهة الانحرافات الخطيرة للجماعات السلطوية، وهو ما يخلق تحدٍ من نوع خاص امام أي قوة تقدمية، فمن جهة هناك ضرورة حاسمة للوحدة في مرحلة المواجهة مع المستعمر، وتجنب الصراع الداخلي والتشظيات الخطرة في الموقف والهوية، وهناك كذلك ضرورة صراعية تفرض مواجهة كل محاولة لفرض الاستسلام على الشعوب قد تنحاز لها بعض القوى الانتهازية والشرائح المرتبطة مصلحيا مع المستعمر، والمستفيدة غالبا من مواقعها في السلطة والنظم السياسية، ومما يعقّد هذه الحالة هو انتحال عديد من القوى الرجعية والتكفيرية وايضا تلك المرتهنة للمستعمر صفة مشاريع التغيير والثورة.

إنّ الاخلاص للجماهير والانحياز لحقوقها يدفع نحو البحث الجاد عن تبني و ترجمة الإرادة الشعبية في التغيير، وفهم ديناميات تشكلها، وتقصي الأولويات الجماهيرية التي ينعكس تحقيقها على واقع الشعوب، وهو ما يقود لضرورة تحديث النظرية الثورية لدى القوى التقدمية العربية، بما يفي بضرورات المواجهة مع مشاريع التفتيت والتقسيم الاستعمارية الموجهة ضد شعوبنا وبلادنا، ويبني لوحدة حقيقية للهوية والبلاد.

إنّ الخلاف والصراع السياسي والمجتمعي هو أداة ضرورية لتصويب المسارات والسياسات، ولكن الإشكال اليوم يتمثل في اصطناع الهويات الطائفية للخلاف، وتهميش وقتل السياسة وتشكل جماعات المصالح الضيقة والانتهازية، التي تحيل الخلاف السياسي لادوات وبنى انقسامية.

الحد الأدنى من شروط البقاء اليوم، هو تقدم تلك القوى المنحازة للشعوب وحقوقها بمشاريعها للتغيير السياسي والمجتمعي، مشروع تغيير يحفظ ثوابت الوجود ووحدة الهوية ويجرّم الانقلاب على الذات الجمعية، ويعمل لأجل تأطير ناجع لنقاط الخلاف والصراع الديموقراطي الداخلي.