Menu

"اعرف عدوّك".. أم تطبيعٌ إعلاميّ؟!

هاني حبيب

لعلّ أحد أخطر ظواهر التطبيع مع دولة الاحتلال، التطبيعُ الإعلامي، ذلك أنّه يُهيئ الأرضية والمقدّمات الضرورية للتطبيع السياسي بين النظام العربي ودولة الاحتلال، والتطبيع الشعبي والجماهيري بين الشعوب العربية والدولة الصهيونية، لذلك نلحظ أنّ التطبيع الإعلامي اتّخذ أشكالًا جديدة متجددة، من خلال زيارات الوفود، والمؤتمرات، والمشارَكة في الأعمال الدرامية والتجارية على المنصات الإعلامية الإسرائيلية، والمشاركة في التعليقات على منشورات الصفحات العبرية، والتواصل مع قادة الاحتلال الناطقين الإعلاميين الرسميين باسمه، وأشكال لا تُحصى من عملية الاتصال التطبيعي مع الاحتلال.

بعض أشكال هذا التطبيع ربما تتم نتيجة لجهل البعض بمخاطر هذه العملية الاتصالية، ودون إدراكٍ منه لما يقوم به، أو تقوم به مؤسسة ما، جزءًا لا يتجزأ من العملية التطبيعية مع الاحتلال، لكن هذا الجهل لا يوفر أي مبرر، خاصة بعد التنبيه إلى هذه المخاطر، بالاستمرار بالعملية التطبيعية بصرف النظر عن النوايا!

 في هذا السياق، نرى أنه من الضروري ملاحظة إحدى أقدم وأخطر عمليات التطبيع الإعلامي، والتي تتعلق بإعادة نشر مقالات وآراء كتاب إسرائيليين وأخبار إسرائيلية منقولة ومترجمة من العبرية إلى العربية، كاملة، في وسائل الإعلام العربية، خاصة الإعلام العربي المكتوب والمرئي والإذاعي. فمنذ بضعة سنوات وتحت شعار بريء وصادق أحيانًا، يأتي هذا النسخ والترجمة والنشر، وهو "اعرف عدوّك"، والملاحظ هنا، أن وسائل الإعلام والكتاب وأصحاب الرأي في إسرائيل يأخذون بالاعتبار أن وسائل الإعلام العربية والفلسطينية منها على وجه الخصوص تقوم بإعادة النشر، لذلك هناك رسالة إعلامية لا تقتصر على المتلقي الإسرائيلي، بل هي موجهة أيضًا وفي كثير من الأحيان للمتلقي العربي، لذا فإن وسائل إعلامنا تروج من حيث تدري أو لا تدري للرواية الإسرائيلية الخاضعة للرقيب الأمني الإسرائيلي.

بالتأكيد، فإنّ التعرف على العدو وطريقة تفكيره وخططه وإستراتيجيته أمورٌ بالغة الأهمية بالنسبة لنا في عملية المواجهة والصراع معه، لذلك فإننا لسنا ضد، بل نُطالب بعرض وجهات النظر الإسرائيلية مع- وبالضرورة- قراءة نقدية تُفنّد الرواية والآراء والأخبار، حتى تصل المتلقّي العربي روايتنا العربية الفلسطينية التي تدحض رواية العدو التي تستهدف النفاذ إلى العقل الفلسطيني والعربي!