Menu

"الدنيبر" ورواياتُ الحربِ والسلام

هاني حبيب

آخر مقال كتبه الراحل الصحفي الفلسطيني الكبير هاني حبيب لمجلة الهدف

في سياقِ الأحداثِ الجاريةِ في أوكرانيا، والأخبارِ التي تنقلُ مجرياتِ الحرب؛ يتردّدُ كثيرًا "نهر الدنيبر" ممّا دفعني إلى مراجعة مطالعاتي الأدبيّة التي أوردت هذا النهر في سياق أحداث مختلف الروايات التي قرأتها في شبابي؛ ذلك أنّني كنت مولعًا بالأدبِ الروسيّ قبل الثورة البلشفيّة، ثمّ الروايات السوفياتيّة التي تناولت الحربين العالميّتين: الأولى والثانية، فذاكرتي ما تزالُ رغمَ ضعفِها تعودُ إلى هذا النهر الذي تكرّرت أحداث مختلف الروايات، في أنّه يشكّل أحد معالم أحداثها.

وتعدّ معركة الدنيبر، ليس فقط وفقًا للروايات التي قرأتها، ولكن أيضًا وفقًا لروايات المؤرّخين، إحدى أهم معارك الحرب العالميّة الثانية، فبعد أن تمكّن الجيش السوفياتي من صدّ هجوم هتلر عقبَ معركة كورسك، قرّر بناء خطٍّ دفاعيٍّ محضٍ لوقف التقدّم السوفياتي، حيث حشد الجيش الأحمر؛ خمسة جيوشٍ للدفاع عن الجسور والمواقع حتّى لا تصل جيوش هتلر إلى النهر، واستمرّت المعارك ثلاثةَ أشهر؛ تمكّن الجيش الأحمر في نهايتها من دحر الألمان، بعد مقتل 400 ألف جندي سوفياتي، في حين خسر جيش هتلر 300 ألف جندي، إلا أنّ الدنيبر ليس مجرّد معركة، وليس حربًا جاريةً لها ما بعدها، لكنّه أيقونةُ أحداث الروايات العظيمة، في آداب روسيا القيصريّة، وفي الروايات التاريخيّة والتوثيقيّة لمجريات الحرب العالميّة والجيش الأحمر.

الروائيُّ الروسيُّ الأشهر ليو تولستوي صاحب رواية الحرب والسلم في ثلاثة أجزاء، التي يعدّها كبارُ الكتّاب ومؤرّخو الأدب؛ إلياذة العصور الحديثة؛ أشخاص الرواية كما أحداثها، مرّت في أجزاء الرواية المختلفة بنهر الدنيبر، في مناقشة ذات أبعادٍ اجتماعيّةٍ وسياسيّةٍ في قراءةٍ لتحوّلاتِ المجتمع الروسي أثناءَ الغزو الفرنسيّ، أمّا الروائيُّ الروسيُّ نيقولاي غوغول؛ فعرّج على نهر الدنيبر في روايته الرومانسيّة الشهيرة تاراس بولبا، التي تحوّلت إلى فيلم.

قبل عامين توفّي آخر روائيٍّ سوفياتي، عالج في رواياته العديدة الحرب العالميّة الثالثة، إنّه الروائيّ يوري بونداريف، حيث اتّسمت رواياته بالواقعيّة الاشتراكيّة التي كانت سائدةً في تلك الحقبة، لكن واقعيّة رواياته لم تكن إلا نتاج مشاركته العمليّة أثناءَ خدمتِهِ في الجيش الأحمر، بعد أن أسهم في معركة ستالينجراد، وعبّر مع الجيش الأحمر نهر الدنيبر التي أدّت إلى تحرير كييف من القوّات الألمانيّة، وتحرير ما بات يعرف بتشيكوسلوفاكيا، من بين رواياته الثلج الحار، والحدود، والهدوء، والشاطئ، والنسيان، ومعظمها تحوّل إلى أفلامٍ سينمائيّة، إلّا أنّ أهمّ روايةٍ تناولت الحرب الطويلة بين روسيا وأوكرانيا عبرَ عقودٍ طويلة، هي روايةُ الدون الهادئ لميخائيل شولوخوف، الذي حاز بفعلها على جائزة نوبل عام 1965، وهي روايةٌ طويلةٌ في أربعة أجزاء؛ كتبها شولدخوف وهو في سنّ الثالثة والعشرين، حيث تمَّ التشكيك بكتابته لهذه الرواية في هذا السنّ المبكّر، مع ذلك تبيّن لاحقًا أنّه الكاتبُ الحقيقيُّ للرواية، وهو في منطقة روستوف على حدود ما بات يُعرف مؤخّرًا بجمهوريّة لوغانسك، أمّا الرواية فهي ملحمةٌ عن تاريخ التوتّرات الذي يعيش على ضفاف نهر الدنيبر.