Menu

العنصريّةُ وعدمُ المساواةِ في جوهر النظام الدولي!

هاني حبيب

نشر هذا المقال في العدد 34 من مجلة الهدف الإلكترونية

في وضعِ مفهومٍ جامعٍ لمصطلح العنصريّة، ثمّةَ أنماطٌ متعددةٌ إلا أنّها تكاد تتّفق على أنّ العنصريّة هي مجموعة الممارسات والقواعد التي تدعم نوعًا معيّنًا في التسلسل الهرمي يتعلّق أساسًا بنظام امتياز وعدم مساواة، والأمر هناك متعلّقٌ فقط بالفروق والامتيازات ذات الطبيعة العرقيّة أو اللون أو الجنس أو الدين، ومختلف الأنماط الأخرى، ولكن أيضًا بطبيعة التركيب الهرمي للنظام الدوليّ.

هذه الأسطر تقودنا إلى طبيعة النظام الدوليّ ومركزه وجوهره، الأمم المتّحدة، والمقصود هنا طبيعة الهياكل الهرميّة وتحديدًا مجلس الأمن والجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، حيث نشهد هذا التركيب الهرمي ذات الطبيعة العنصريّة بامتياز، للدول الكبرى في مجلس الأمن، حيث السيطرة والقوّة والنفوذ والقرار، ورشوة تغطي على هذه الهياكل تحت مسمى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث لكلّ دولةٍ ممثّلة فيها بصوت واحد، تجتمع وتناقش وتوصي، ولكن كل هذا المجتمع في الجمعية العامة، لا يساوي صوتًا واحدًا من أصوات دولة واحدة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن.

تم ملاحظة هذا الشكل العنصري لدى النظام الدولي وجوهره الأمم المتحدة منذ وقت ليس بالقصير، ولكن عندما تقدمت بعض الاقتراحات لإصلاح هذا الوضع وتهذيبه كي يصبح أقل عنصرية، تم ترشيح دولٍ كبرى أخرى إلى عضوية مجلس الأمن كاليابان، والآن ألمانيا التي تم إضافتها إلى مفاوضات الملف النووي الإيراني، والمقصود هنا أنّ أي اصلاح محتمل سيظل وفقًا لقواعد اللعبة العنصرية، أي هيكليّة القوة والسيطرة.

وقبل الأمم المتحدة، كانت هناك عصبة الأمم، التي مهدت الطريق أمام شرعنة الاستعمار البريطاني في فلسطين، من خلال تنظيمه تحت مسمى الانتداب، وهو اعترافٌ موثّقٌ على أنّ هناك أقوامًا وشعوبًا أقلّ شأنًا وقد تجلّى ذلك خاصّةً في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وفي الجوهر منها فلسطين؛ تشير إلى أنّ الانتداب هو الشكل الأمثل لشرعنة الاحتلال والتلاعب بمستقبل الشعوب. عنصرية معلنة مع أن الحديث يتجاوز دائمًا هذه الصفة المرتبطة بجوهر النظام الدولي.

إحدى تعبيرات هذه العنصرية، يتمثّل في لجوء هياكل المنظومة الدوليّة إلى ما يسمى نظام الإجراءات والعقوبات، وإذا يمكن تفهم نسبي لاتخاذ دولة ما عقوبة ضد دولة أو أشخاص آخرين، فإنّه من المستغرب أن يشكّل نظام العقوبات في الأمم المتحدة، أحد أهم الإجراءات العقابية والانتقامية في معظم الأحيان، هذا الإجراء الذي يشكّل عقوبةً جماعيةً للشعوب والمجتمعات ويتنافى جذريًّا مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ اتخذت الأمم المتحدة قرارًا بالعقوبات على العراق، بحجة الحرب على الكويت ثم الزعم بوجود أسلحة دمارٍ شامل، وانتهت حرب الكويت وتبين عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق إلا أنّ العقوبات الدولية على الشعب العراقي استمرت 27 عامًا، وما زال الشعب العراقي يعاني من جرائها.

من الخارج، يبدو النظام الدولي في مواجهة مع العنصرية وعدم المساواة، لكن البحث في جوهره يثبت أنه يشرعن العنصرية وعدم المساواة على المستوى الدولي.