Menu

الأميرُ عبد القادر الجزائريّ.. بعضًا ممّا لا نعرفه!

هاني حبيب

نشر هذا المقال في العدد 35 من مجلة الهدف الإلكترونية

بينما عدّته فرنسا شكلًا من أشكالِ المصالحةِ مع الشعبِ الجزائريّ؛ رفضَ أحفادُ الأميرِ عبد القادر الجزائريّ وعمومُ الشعب الجزائريّ تشييدِ تمثالٍ لقائد الثورة الجزائريّة في بلدة إمبرازا الفرنسيّة؛ بمناسبة مرور عامٍ على استقلال الجزائر. فرنسا عدّت ذلك تكريمًا له إلّا أنّ الجزائريّين عدَّوا الأمرَ اختطافًا لتاريخ رجلٍ أسّس الدولة الجزائريّة الحديثة، وقاد ثورتها، وأنّ فرنسا التي اعتقلته قرابةَ خمسِ سنواتٍ قبل أن تقوم بنفيه إلى تركيا ثم إلى دمشق بعدما رفضت عودته إلى بلاده؛ إنّما تحاول تزويرَ دورها الاستعماريّ البغيض. ورفضُ الجزائريين لما تسمّيه فرنسا تكريمًا دفعني للبحث والتقصّي عن سيرة حياة هذا القائد ونضاله، وقد فوجئت بالكثير ممّا لا نعرفه عنه، خصوصًا في المشرق العربي.

فقد اكتشفتُ أنّ الأمير القائد كان أوّل من استخدم مصطلح القوميّة العربيّة ردًّا على التحالف الفرنسيّ مع العثمانيّين، ذلك أنّ من المعروف أنّ العثمانيّين استخدموا الدين لتسهيل احتلالهم للقارّة العربيّة، وكان الأمير القائد يدعو إلى وحدة العرب كعربٍ للمواجهة مع الاستعمار العثمانيّ ووضع الدين في هذا السياق جانبًا، كما أنّ الباحثين الفرنسيّين والمؤرّخين الذين درسوا سيرةَ حياةِ هذا الرجل اجتمعوا على إطلاق صفة سلطان العرب على هذا القائد المفكّر؛ كونه شاعرًا وأديبًا ومؤرّخًا ومثقّفًا، وقبل كلّ ذلك إنسان، عندما استحدث لائحةً خاصةً بمعاملة الأسرى في سياق قيادته للثورة الجزائريّة ضدّ الاستعمار الفرنسي، تضمن لهم حسنَ المعاملة، وتعدُّ هذه اللائحةُ أوّلَ وثيقةٍ حول الأسرى سبقت معاهدةَ جنيف الدوليّة، والباحث في التاريخ محمد الأمين بلفيت يقول: إنّ الأمير القائد واحدٌ من أصحاب "فكرة المواطنة" قبل الدين والعرق، كما لو أنهّ يدعو إلى فصل الدين عن الدولة/النظام السياسي.

وبينما كان الأمير القائد في منفاه الدمشقي؛ اندلعت في جبل لبنان عام 1860، أحداثُ عنفٍ طائفيّةٌ بين المسيحيين والدروز نتيجةَ التدخّل الفرنسيّ بدعوى حماية المسيحيين، ونشبت حربٌ أهليّةٌ، حيث عمّت الفوضى والمجازر؛ ووسط هذه الحالة المشحونة تدخّل الأمير بالتعاون مع كبار عائلات دمشق لفتح أبواب بيوتهم للاجئين المسيحيين الذين اضطروا للهرب من الحرب، وأسهم في توفير الحماية لهم للانتقال من جبل لبنان إلى جبل دمشق، ونجح في منع الجيوش الفرنسيّة من ملاحقتهم بحجّة حمايتهم، ومعظم هؤلاء أقاموا في منطقة "باب توما" في دمشق.

مؤلّفات القائد المثقّف "المواقف في التصوّف والوعظ والإرشاد"، وكاتب سيرة ذاتيّة عن عبد القادر بن محيي الدين، الذي كتبه في الأسر عام 1849، وكتاب ذكرى العاقل وتنبيه الغافل وكتبه في منفاه في مدينة بوصة التركية وكتاب "المقراض الحاد لقطع لسان منتفق الدين الإسلام بالباطل والإلحاد"، حولَ أفكارِهِ في الدين والحياة.

هناك كتبٌ ورواياتٌ بالعربيّة واللغات الأجنبيّة عن هذا القائد المتفرّد، منها ليلة الأمير الأخيرة لعبد القادر الجماعي، وحكاية عبد القادر الكاتب المستعرب لوبيك بارييل، وكتاب الأمير "مسالك أبواب الحديد" للروائي الجزائري واسيني الأعرج، ورواية ثائر من الجزائر لعبد القادر قسمية.