Menu

كيف نواجه أنفسنا؟

بوابة الهدف الإخبارية

صفقة القرن - التطبيع.jpg

منذ أن أعلن دونالد ترامب عن خطته (صفقته) التي تحمل توقيع بنيامين نتنياهو بالكامل والذي رافقه في مؤتمر الإعلان عنها، ونحن نؤكد كفلسطينيين رفضنا لها وهذا موقف مطلوب دون أدنى شك. لكن: هل هذا كل ما يمكن فعله لمواجهتها ومواجهة استحقاقاتها التي طالما قلنا بأنها (أي الصفقة) تهدف إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية والإجهاز على حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية؟!

قد يذهب البعض إلى أننا قمنا بما هو مطلوب منا بما أعلناه من موقف في وجه الصفقة وأصحابها، دون أن يدقق هذا البعض بأننا أمام واقع لا يحتمل الكثير من الخطابات السياسية والشعارات والمطالبات؛ كوننا لسنا أمام سجال فكري على الورق، بل اشتباك وجودي – مصيري في الواقع وعليه، حيث يعمل العدو باستمرار على إخراج النسق الاجتماعي الفلسطيني والعربي عمومًا منه، وهنا بالضبط موقع الصفقة الأمريكية الصهيونية التي يجب أن نرتقي لمستوى مواجهتها الفعلية، وليس الاكتفاء بالمناهضة الدعوية والشعاراتية، كما جرى ويجري منذ لحظة الإعلان عنها، وهذا هو الاختبار الحقيقي لمستوى جدية القول بالمواجهة والتصدي لها وإفشالها.

وهنا يحضر سؤال: كيف نواجه أنفسنا؟

سؤال قد يبدو بسيطًا.. نعم، لكنه في المضمون يحمل مترتبات تاريخية عميقة، سواء لجهة المخططات والهزائم والمحطات المفصلّية التي مرت بها قضيتنا منذ ما قبل عام 1948 وما بعده، رغم حجم التضحيات الكبيرة والجسيمة التي قُدمت على مذبح حريتنا واستقلالنا، أو لجهة المهام المباشرة المطلوبة للاستجابة لمقتضيات احتدام الصراع في لحظة تاريخية تُهيئ للمشروع الأمريكي الصهيوني ظروفًا فلسطينية وعربية ودولية؛ تجعله أكثر اندفاعًا وتقدمًا من ذي قبل، ربطًا بأن الصراع كما رسمته الصفقة – لمن لا يعلم أو لا يعرف – يدور حول الوجود نفسه، وعليه، فإننا لا نحتمل نتائج المغامرة بجواب خطأ لا ينحصر في المستوى النظري وكتقدير سياسي خاطئ، بل سيمتد حتمًا إلى الواقع العملي، والذي له ربطًا بطبيعة الصراع، معنى واحدًا هو تهديد الوجود نفسه.

لذلك، فإننا لا نملك ترف الخطأ، لأننا لسنا في وضع القادر على تحمل كُلفته، طالما أنه يمس الوجود نفسه، حيث يعيدنا كل ما سبق إلى ضرورة امتلاك الرؤية الصائبة للصراع بيننا وبين العدو الصهيوني وحلفائه، وبأنه يدور حول كل الأرض وكل الوجود برمته، ومع عدو استيطاني اقصائي احلالي، وعليه، فإنه لن يقبل حتى أن تُقدم له "ضحيته" أكثر من ثلثي أرضها، ليقيم دولته عليها، بل هو يريد كل الأرض لشعبه المختار من الرب لها.. فلا مكان للأغيار عليها، سوى أن يكونوا حطابين وسقائين.

هنا، وفي سياق مواجهة أنفسنا، تبدو الحاجة للتذكير بأن خصوصية الصراع مع العدو الصهيوني تعود لطبيعته، بوصفه صراع يقوم منذ البداية على قاعدة النفي والنفي المضاد، وبناء عليه، فإننا لا نتحدث عن إعلان مواقف أو شعارات سياسية، بل عن جوهر الصراع وأساسه الموضوعي والمادي والأيديولوجي، الذي يتطلب منا أن نقوم بتغطية مساحته في الواقع العملي انطلاقًا من رؤية تعيد الاعتبار إلى جوهر وطبيعة الصراع بما هو صراع وجودي- مصيري، يتطلب منا اشتقاق سياسات دفاعية وهجومية في آن، تترجم إلى ممارسة عملية، بديلًا للمواقف الانتظارية الحالية.

فإذا كنا نقول بخيار المواجهة/المقاومة الشاملة في مواجهة الصفقة ومشروعها التصفوي، فإن ذلك يتطلب منا ديناميكية عالية في تحديد خياراتنا وإنجازها، بما يُمكّن حركتنا الوطنية من الإمساك بزمام المبادرة والارتقاء إلى مستوى المجابهة التاريخية الراهنة.