Menu

في ذكرى العدوان الصهيوني على قطاع غزة عام 2014: فصائل المقاومة حققت انتصاراً تكتيكياً بنكهة استراتيجية

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

يستذكر شعبنا الفلسطيني وأبناء أمتنا العربية هذه الأيام تصدي فصائل المقاومة الفلسطينية وأبناء شعبنا للعدوان الصهيوني على قطاع غزة الذي بدأ في الثامن من يوليو/ تموز 2014، واستمر(51) يوماً، وحمل اسم "الجرف الصامد"، وفي ذاكرتهم النصر الذي حققته المقاومة  بصمودها وبقتالها الأسطوري الذي أذهل العدو الصهيوني، ودفع مختلف مستوياته الأمنية والسياسية والإعلامية، للاعتراف بفشل الحرب العدوانية على قطاع غزة في تحقيق أي من أهدافها. ولا نبالغ إذ نقول؛ أن الانتصار الذي تحقق في تلك المرحلة هو انتصار تكتيكي بنكهة استراتيجية، وفقاً لما يلي:

أولاً: لأن المقاومة الفلسطينية، أذاقت العدو طعم الهزيمة المرة بصواريخها المصنعة محلياً  والمتطورة، المقدمة لها من أطراف محور المقاومة (سوريا، إيران، حزب الله)، والتي دكت القدس وتل أبيب وحيفا ونهاريا ونتانيا والخضيرة وبئر السبع وديمونة، وجميع المغتصبات في فلسطين المحتلة.

ثانياً: لأن المقاومة، نقلت من اللحظة الأولى المعركة إلى داخل مناطق العدو الصهيوني، سواء عبر صواريخها، أو عبر الإنزال خلف خطوط العدو، من خلال الأنفاق الهجومية والاستراتيجية، وأجبرت خمسة ملايين إسرائيلي، على المبيت في الملاجئ على مدى 51 يوماً، وفرضت على المستوطنين في جميع المستوطنات المحيطة في قطاع غزة مغادرة هذه المستوطنات، ناهيك أن صواريخ المقاومة عزلت الكيان الصهيوني عن العالم أكثر من مرة؛ جراء القصف المتكرر لمطار اللد "بن غوريون".

ثالثاً: لأن المقاومة كما حزب الله، في انتصاره في حرب تموز 2006 - وعلى حد تعبير أحد قادة المقاومة – ضربت "نظرية الأمن القومي الإسرائيلي" في الصميم؛ القائمة على التفوق النوعي، وبقاء العمق الإسرائيلي الديمغرافي والاقتصادي، آمن أثناء الحروب، وأن تكون الحرب خاطفة، وأن تتحكم (إسرائيل) بالمعركة ومساحتها؛ غير أن المقاومة أخذت زمام المبادرة وشرعت بتحطيم كل هذه العناصر السابقة.

رابعاً: لأن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة – ورغم الخلل في موازين القوى - خلقت توازناً للرعب، كسر مفاعيل الردع الإسرائيلي، وذلك من خلال الاستمرار في القصف المطرد لمواقع العدو الديموغرافية والاقتصادية في أرجاء فلسطين المحتلة كافة، محدثة خسائر كبيرة في صفوف جيش العدو وفي اقتصاده.

خامساً: لأن المقاومة، نجحت منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي الذي أطلق عليه العدو مسمى "الجرف الصامد" في إفشال عامل المفاجأة العسكري الإسرائيلي، وتمكنت من موقعها الدفاعي الهجومي، من إذهال العدو بمفاجآتها العسكرية الصاروخية والقتالية خلف خطوطه العسكرية، ما يعني أن المقاومة رغم حالة الهدنة والهدوء النسبية على خطوط القتال منذ عام 2012، إلا أنها كانت تعمل بصمت، وتراكم من خبراتها التدريبية والقتالية والتسليحية، استعداداً لمثل هذه المنازلة وغيرها مع العدو الصهيوني.

سادساً: لأن المقاومة أفشلت رهانات كل من المجتمع الدولي والنظام العربي الرسمي على تصفية المقاومة الفلسطينية، بعد أن منحا العدو الصهيوني الوقت الكافي لذلك، ولأن المقاومة سددت ضربة قاضية لهذه الرهانات، بعد أن أفشلت أهداف العدو في تجريد المقاومة من سلاحها، وفي تدمير سلاحها الصاروخي وتدمير منظومة أنفاقها.

لقد باتت مستويات العدو السياسية والإعلامية تعترف بفشل حرب "الجرف الصامد" في تحقيق أي من أهدافها، ما دفع البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" آنذاك، لتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الفشل، في حين ذهبت العديد من الأوساط الإعلامية، إلى حد الاعتراف بنصر المقاومة وهزيمة (إسرائيل) في تلك الحرب، ولم يغير من واقع صورة الهزيمة، ما سبق وأن ردده رئيس وزراء العدو "بنيامين نتنياهو"، بأنه دمر (30) في المائة من الأنفاق، ونسبة كبيرة من مخازن الصواريخ، في محاولة بائسة منه للتحايل على الرأي العام الإسرائيلي. لكن هذه الصورة الوردية للانتصار الذي يعود في جوهره للصمود الأسطوري الذي أبداه الشعب الفلسطيني في القطاع الأشم، ولقدرته الهائلة على الصبر والتحمل (ما يزيد عن 2200 شهيد وعن عشرة آلاف جريح)، هذه الصورة تأثرت سلباً جراء ثلاث حقائق صعبة ومؤلمة، جعلت انتصارات المقاومة في تلك اللحظة السياسية،  مجرد مدخلات بدون مخرجات:

الحقيقة الأولى: أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي صاغته المخابرات المصرية ووافقت عليه فصائل المقاومة مضطرة – والماء يملأ أفواهها – لم يرتقِ لمستوى الانتصارات والإنجازات العسكرية سالفة الذكر، ولم يرقَ لمستوى صمود الأهل وتضحياتهم في قطاع غزة. فهذا الاتفاق رغم أنه نص على فتح المعابر لإدخال المساعدات ومواد الاعمار وعلى السماح للصيد بعمق ستة أميال بحرية، إلا أنه أجل التفاوض والبت في القضايا الرئيسية، ليصار إلى التفاوض عليها بعد شهر من تاريخ وقف إطلاق النار (المطار، الميناء، عمق الصيد البحري بمسافة 12 ميلاً، إلغاء المنطقة العازلة في الشريط الزراعي الشرقي لقطاع غزة والمتاخم لمناطق 1948، الممر الآمن بين الضفة والقطاع، وإطلاق سراح أسرى صفقة شاليط، وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى قبل اتفاقات أوسلو) وتأجيل التفاوض على القضايا الرئيسية آنذاك – من واقع الخبرة في مفاوضات أوسلو وأخواتها على مدى (21) عاماً– يعني تأجيلها إلى الأبد، وفي الذاكرة كيف تم تأجيل التفاوض على قضايا "الاستيطان والقدس واللاجئين" التي ظلت دون حل حتى اللحظة الراهنة، ونراها تحسم يومياً لصالح العدو الصهيوني، خاصةً بعد طرح صفقة القرن الصهيو أميركية، من خلال التهويد المطرد للقدس والاستيطان المطرد، ومصادرة الأرض في عموم الأراضي المحتلة، ومن خلال الرفض المستمر للتعاطي مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار الأممي رقم 194 باعتباره خطاً أحمر. وبدون الخوض في تفاصيل وقف إطلاق النار ، الذي جرى إبرامه في الثامن والعشرين من شهر آب / أغسطس 2014 برعاية المخابرات المصرية، يمكن القول من واقع المقارنة بينه وبين اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2012، بأن الاتفاق الأخير شكل خطوة للوراء عن الاتفاق الأول، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

1-    وقف إطلاق النار في 28-8- 2014 ربط واشترط الاستمرار في فتح المعابر، بين قطاع غزة والكيان الصهيوني، باستقرار الأوضاع الأمنية على الأرض "أي بوقف المقاومة"، بحيث بات بوسع (إسرائيل) أن تفتعل أي حادث، لتبرير وقف التسهيلات، في حين أن شرط "استقرار الأوضاع الأمنية" لم يرد في مبادرة 2012.

2- مبادرة وقف إطلاق النار عام  2014 نصت على وقف استهداف المدنيين، ما يعني السماح للعدو الصهيوني باستهداف رجال وكوادر وقادة المقاومة، بينما مبادرة 2012 نصت على وقف استهداف الأشخاص "سواء كانوا مدنيين أو عسكريين" .

3- مبادرة 2012 نصت على وقف الأعمال العدائية من قبل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في البر والبحر والجو، بينما مبادرة 2014 أضافت "عبارة وقف الأعمال العدائية تحت الأرض" والمقصود بهذه الإضافة "الأنفاق الحربية الفلسطينية"، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن تضمين المبادرة عبارة "وقف الأعمال العدائية"؛ من قبل الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني تعني المساواة بين الاحتلال والمقاومة، من زاوية توصيف المقاومة ضد الاحتلال بأنها أعمال عدائية.

الحقيقة الثانية: أن فريق أوسلو هو من تسيد مفاوضات وقف إطلاق النار، معيداً الاعتبار للمفاوضات العبثية، وذلك من خلال ما يلي:

1-    اشتراط النظام المصري أن يترأس الوفد الفلسطيني في مفاوضات وقف إطلاق النار آنذاك قيادي أوسلوي من السلطة الفلسطينية، حيث تم تعيين "عزام الأحمد" عضو اللجنة المركزية لحركة فتح رئيساً للوفد.

2-    اشتراط أن يكون المرابطين على معبر رفح من الجانب الفلسطيني من حرس الرئاسة في السلطة الفلسطينية.

3-    أن رئيس السلطة الفلسطينية هو من أعلن وقف إطلاق النار من جانب المقاومة في قطاع غزة، رغم عدم وجود أي علاقة له بالتصدي للعدوان، ورغم رفضه وكل الملتزمين بخطه السياسي لنهج الكفاح المسلح.

4- من خلال تضمين الديباجة في المبادرة، عبارة متعلقة "بالالتزام بتحقيق ما يسمى بالسلام بالمنطقة"، دون الإتيان حتى على  ذكر مرجعية الشرعية الدولية ، ما فتح الطريق الاستكشافية آنذاك لقيادة السلطة الفلسطينية، للعودة للمفاوضات العبثية، من خلال إرسالها فريق إلى واشنطن، مهمته التباحث مع الإدارة الأمريكية، بشأن وضع جدول زمني للمفاوضات لتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراض المحتلة.

الحقيقة الثالثة: أن القيادة البرغماتية المتنفذة لحركة حماس، نسبت في حينه النصر الذي حققته المقاومة في عامله الخارجي، لدول معادية لنهج المقاومة ومرتبطة بعلاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني( قطر وتركيا). كان ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس "خالد مشعل في 28-8-2014 في الدوحة" حول نتائج العدوان الصهيوني على قطاع غزة تحت عنوان: "شعبٌ يصنع نصره" الذي تجاهل فيه  حقيقة جوهرية، وهي أن انتصار المقاومة في عامله الموضوعي يعود لحلف المقاومة بحلقاته الثلاث (سوريا، إيران، حزب الله)، وهذا التجاهل والإنكار لدور محور المقاومة، سهل مهمة القوى المتآمرة في النظام العربي الرسمي، في منع المقاومة من تحقيق إنجازات سياسية، ترقى لمستوى الإنجازات الميدانية وشكل ضربة معنوية لكتائب القسام، التي تعرف وتعترف بحقيقة الحلفاء الذين زودوها  وزودوا بقية فصائل المقاومة بكل ما يلزمهم من صواريخ وعتاد عسكري وموقف سياسي، وكان يفترض ببقية الفصائل الفلسطينية التي ثمنت دور محور المقاومة، في صنع الانتصار أن تتصدى سياسياً لهذا التزييف المكشوف، وأن تعلن بوضوح – كما أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – عن الدور المركزي لكل من سوريا وإيران وحزب الله في صنع الانتصار.