Menu

المصطلحات: وغموض غير بناء!

هاني حبيب

نُشر هذا المقال في العدد 17 من مجلة الهدف الرقمية

ما بين "تعليق" و "تجميد" و"إلغاء" تداولت وسائل الإعلام تصريحات المسؤولين في كل من إسرائيل والإمارات العربية والولايات المتحدة حول "خطة الضم"؛ الفروقات تبدو غير ذات أهمية بنظر البعض، حيث يتم تداولها ببساطة دون تدقيق بين مصطلح وآخر، إمّا نتيجة لعدم الفهم أو بهدف التعتيم والتغييب والخداع في كل الحالات، فإن نتنياهو وضع حدًا لهذا الخلاف؛ إلاّ أنه فتح لنا نافذة لقراءة ضرورة الدقة في استخدام المصطلح، خاصة من قبل الساسة والإعلاميين.

يفصل بين قطاع غزة ومستوطنات فلسطين المحتلة عدد من الاستحكامات العسكرية وأبراج المراقبة والدشم الاسمنتية والأسلاك الشائكة وحقول الألغام، كما هو الأمر عليه في الحدود الحربية، غير أنّ هذا الخط الفاصل يطلق عليه "السياج الأمني"، فيما يتعلق بالجزء المحيط في قطاع غزة، وإيحاءات السياج هنا ليس لها إلاّ معنى واحد ومغزي محدّد لا علاقة له بعسكرة هذا الخط، ذلك أنّ السياج ليس حدودًا ولا استحكامات عسكرية مزودة بكل وسائل المراقبة تحت الأرض وفوقها، ولكن السياج هو ما يحيط بالحظائر لفصل الحيوانات والطيور عن القطاعات الأخرى، بينما هذا الخط العسكري الفاصل وعلى الجانب الآخر منه فتسمى المنطقة "بغلاف غزة". هذا بالنسبة للمستوطنات والمستوطنين والفرق بين السياج والغلاف له دلالاته الواضحة التي لا يريد البعض الوقوف عندها؛ فالمصطلح هنا واضح مع أنه مخادع وموحي وما زال مستخدمًا لدى الساسة والإعلاميين دون التفكير بتأثيراته.

وعندما يتم ذكر القرار 242 بشأن التسوية بالشرق الأوسط عام 1967، نتذكر على الفور قصة "أل التعريف" والفرق بين النص الانجليزي صاحب "أل التعريف" والنص الفرنسي بدونها ويبدو الأمر كما لو أنه مجرد فرق في الترجمة؛ إلاّ أن الأمر على خلاف ذلك، إذ من المعروف بعد صدور أي قرار من مجلس الأمن، فإنه يعتمد نصًا واحدًا، لهذا القرار بغية التحديد الدقيق لمضمونه؛ إلاّ أنّ الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للقرار 242، فقد اعتمد مجلس الأمن القرار بنصيه المختلفين وذلك بهدف بالغ الأهمية، إذ تم تبني هذا القرار بالإجماع رغم الخلافات بين أعضاء مجلس الأمن، ذلك أن كل دولة اختارت النص المناسب لها لتستند إليه في تنفيذ القرار، وهو الأمر الذي ساهم في تملص اسرائيل من الوفاء بالتزاماته.

قصة "أل التعريف" كانت واضحة ومقصودة ومتداولة؛ إلاّ أن قصة صدور هذا القرار استنادًا إلى الفصل السادس، وليس استنادًا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فإنها كانت ولا تزال الأكثر إثارة، فقد تبين أن نقاشات الأطراف العربية حول مشروع القرار لم تلحظَ هذا الأمر، ويبدو حسب العديد من الآراء أنّ بعض هؤلاء، إن لم يكن كلهم، لم يدركوا الفرق بين الفصلين؛ إما نتيجة لعدم إطّلاعهم الكافي أو ربما لعدم الاهتمام والتركيز على الألفاظ والمعاني والمضامين في نص القرار نفسه، وحسب بعض الشروحات، فإن الفصل السادس يوصي بينما الفصل السابع يلزم باستخدام عدة أدوات من بينها العقوبات وربما القوة لتنفيذ القرار.

 يؤكد القرار 242 الاعتراف بإسرائيل وبحدود أمنة لها بينما يتعامل مع القضية الفلسطينية، كأنها قضية لاجئين، والمثير في هذا السياق أن كافة القرارات اللاحقة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة تضع في مقدمتها الاستناد إلى هذا القرار ،والأكثر غرابة وإثارة ربما حد الاستهجان والإدانة تأكيد معظم الساسة لدينا على ضرورة تطبيقه والعودة إليه بين الحين والآخر، مع التأكيد على أنه حتى لو تم تنفيذ هذا القرار في سياق الاستناد إلى النص الفرنسي، فإنه يكرس دولة الاحتلال وضرورة توفير الأمن لها، في حين يتعامل مع القضية الفلسطينية، ليست كقضية حقوق، بل كقضية إنسانية.