Menu

مناورة "الركن الشديد" برهنت على وحدة القيادة ووحدة الخطة والميدان ووجهت رسائل لكل من يهمه الأمر

عليان عليان

خاص بوابة الهدف

المناورة التي أنجزتها فصائل المقاومة مؤخراً، والتي شاركت فيها الأذرع العسكرية لأثني عشر فصيلاً من ضمنها "كتائب القسام، وسرايا القدس ، وكتائب أبو علي مصطفى وكتائب المقاومة الوطنية، وألوية الناصر صلاح الدين، وأطر عسكرية كانت تنتمي "لحركة فتح" سابقاً، تشكل حدثاً نوعياً وفريداً من نوعه في تاريخ صراع المقاومة مع العدو الصهيوني. هذه المناورة، أقلقت العدو الصهيوني، بمختلف مؤسساته  العسكرية والاستخبارية  والإعلامية، من زوايا عديدة، وبات العدو في ضوء النتائج التي أسفرت عنها، يحسب للجبهة الجنوبية ألف حساب، في حال حدوث أية مواجهة قادمة بين الأذرع العسكرية للمقاومة وقوات الاحتلال، ناهيك أن العدو بات يدرك جيداً، أن هنالك تكامل ما بين المقاومة في الشمال "حزب الله" والمقاومة في الجنوب "قطاع غزة"، وأن الضفة الغربية حبلى بالمفاجآت، رغم نهج التنسيق الأمني المذل الذي جعل من السلطة الفلسطينية وكيلاً أمنياً للاحتلال، تصرف عليه من الأموال أكثر مما تصرف على وزارة التربية والتعليم – على حد تعبير سابق للدكتور نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح-.

المناورة راكمت على تجارب سابقة في مواجهة العدوان

صحيح أن فصائل المقاومة، أنجزت تنسيقاً عسكرياً يعتد به في مواجهة ثلاث حروب عدوانية رئيسية شنها العدو على القطاع في الأعوام 2008، 2012، 2014، وصحيح أن هذه الفصائل وثقت من هذه العلاقات التنسيقية فيما بينها في مرحلة مسيرات العودة التي كشفت القدرات الجماهيرية للمقاومة، ودورها في التصدي للمؤامرات التي تحدق بالقضية الفلسطينية منذ بدايات الإعلان عن صفقة القرن التصفوية، لكن هذه المناورة راكمت على التجارب السابقة وحققت نقلة نوعية في بعد المواجهة من عدة زوايا أبرزها:

أولاً: أن المقاومة في قطاع غزة،أصبحت  تستند إلى مرجعية غرفة عمليات مشتركة حقيقية تمثل فيها كافة الفصائل، ومهمة هذه "الغرفة  المرجعية"، صوغ تكتيكات المواجهة مع العدو إن على صعيد الرد الجزئي على تحرشات العدو، أو الرد الشامل في حال تحول هذه التحرشات إلى حرب شاملة، والذي ينطوي على قصف عمق الكيان بصواريخ بعيدة المدى بحيث تطال تل أبيب وحيفا وبئر السبع والقدس والمستوطنات الصهيونية في المنطقة (ج) من الضفة على النحو الذي حصل عام 2014 عندما دكت صواريخ المقاومة "مستوطنة كفار عتصيون" بين بيت لحم والخليل.

ثانياً: أن هذه المناورة نجم عنها –وفق أنباء وتقارير صحفية- تشكيل دائرة للسيطرة والتحكم في إطار غرفة العمليات المشتركة،مهمتها: أن تكون أداة تنفيذية مهمة، لضمان السيطرة والتنسيق خلال العمليات العسكرية والأمنية، بحيث تتولى الربط الكامل بين الوحدات المكلفة بتنفيذ مهام مشتركة مع بعضها، كما يقع عليها عبء إدارة تلك العمليات وتوفير أفضل وأنسب الوسائل لتحقيق النجاح.ومن ضمن مهام هذه الدائرة أيضاً: تحديد مدايات الضربات الصاروخية في كل مرحلة من مراحل القتال، وكيفية المزج بين القتالين العصابي والكلاسيكي، وتحديد دور قوات النخبة كل ذلك في إطار أية مواجهات قادمة، تأخذ صفة الحرب بين قطاع غزة وقوات العدو. يضاف إلى ذلك الحفاظ على خطوط الاتصال بين القيادة العسكرية والوحدات الميدانية، على النحو الذي أنجزه حزب الله في مواجهة العدوان الإسرائيلي في تموز 2006.

ثالثاً: هذه المناورة حققت وحدة حقيقية، بين فصائل المقاومة على الصعيد العسكري الميداني إن على صعيد تحديد المواقع المحددة لكل فصيل في المواجهة، أو على صعيد تشكيل سرايا قتالية تضم مقاتلين من مختلف الفصائل، كما أنها أكدت على أن تكون الأسلحة المتطورة في متناول جميع المقاتلين من مختلف الفصائل.

رابعاً: أن هنالك بعد سياسي يحكم هذه المناورات، ألا وهو بعد إعلاء راية المقاومة العسكرية المستندة إلى رفض جذري لاتفاقات أوسلو والنهج السياسي والأمني المرتبط به، من قبل جميع الفصائل المشاركة في هذه المناورة.

خامساً: أن هذه المناورة حاكت مواجهة محتملة وقادمة على صعيد البر والبحر، وحاكت كيفية مواجهة إنزالات للعدو في البر والبحر، وكيفية اختراق خطوط العدو عبر الأنفاق العسكرية وإنجاز إنزالات " أرضية" خلف خطوط العدو "تفشل تفوقه الجوي، ناهيك أنه استخدمت في هذه المناورة   الطائرات المسيرة، الذخيرة الحية بما فيها صواريخ "الكورنيت" المضادة للدبابات، والصواريخ المطورة بعيدة المدى، التي انطلقت مسافات بعيدة فوق البحر ما حقق إرباكاً للعدو وتقديراته، بشأن مخزون الأسلحة بمختلف أنواعها الموجودة بحوزة فصائل المقاومة.

أهمية المناورة في هذه المرحلة

لقد انطوت المناورة على أهمية فائقة في هذه المرحلة من عدة زوايا:

1-أنها كشفت عن جاهزية قتالية عالية المستوى، لدى تشكيلات المقاومة في مختلف المراحل،  وخاصةً في هذه المرحلة الانتقالية، بين انتهاء مدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتسلم خلفه السلطة في العشرين من الشهر الجاري، وما تحمله هذه الفترة من احتمالات شن حرب عدوانية  أمريكية وإسرائيلية تطال مختلف محاور محو المقاومة، بمشاركة من قبل  دول التتبيع المتصهينة.

2- أنها كشفت عن وحدة وطنية ميدانية متحققة على أرض الواقع، مستندةَ (أولاً) إلى توافق سياسي رافض لنهج التسوية، ومستندة (ثانياً)إلى احتضان جماهيري لمشروع المقاومة ولفت انتباه المراقبين أن الفصائل وضعت راياتها الفصائلية جانباً، واتخذت من العلم الفلسطيني رايةً موحدة، ومن الكوفية شعاراً ناظماً للجميع.

3- أن هذه المناورة راكمت على مفاعيل الردع السابقة، وكشفت عن قوة الردع الفلسطينية الكبيرة في مواجهة الاحتلال، رغم الخلل الهائل جداً في ميزان القوى.

4- أنها شكلت "كياً لوعي المستوطنين" في المغتصبات الصهيونية، خاصة عشرات المستوطنات  الموجودة في غلاف قطاع غزة، مثل مغتصبة "سديروت" التي يسكنها ( 50 ) ألف مستوطن، ومستوطنة آف شالوم، ومستوطنة مفكيعيم ومستوطنة كيسوفيميم وغيرها من المستوطنات في النقب،  فالمستوطنون لم يعودوا يثقوا بوعود نتنياهو بتأمين الأمن والحماية لهم من صواريخ المقاومة، وسبق أن نظموا حركات احتجاجية ضد حكومة العدو لتقصيرها في توفير الحماية لهم .. الخ.

رسائل لكل من يهمه الأمر

لقد انطوت هذه المناورة على عدة رسائل موجهة لمختلف الأطراف نذكر منها:

1-رسالة موجهة للعدو الصهيوني، مفادها أن مناورة السهم الأحمر التي تحاكي هجوماً في الشمال وآخر في الجنوب ، لن تفت في عضد المقاومة الفلسطينية في القطاع، وأنه سيدفع غالياً ثمن أي عدوان قادم، وأن العمق الصهيوني سيكون في متناول ضربات المقاومة الصاروخية، وأن جنوده سيكونون فريسة سهلة لكمائن القتل ،وللوقوع في فخ الأسر بعد إنجاز هذه المناورات وما انطوت عليه من مفاجآت.

2- رسالة أخرى موجهة لكل الأطراف العدوة  والصديقة، بأن المقاومة في قطاع غزة جزء لا يتجزأ من محور المقاومة، خاصةً بعد كشف جملة من الأسرار العسكرية على هامش الذكرى السنوية الأولى لاغتيال كل من الجنرال قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"، ومن ضمنها وصول أكثر من عشر بواخر محملة بمختلف الأسلحة من إيران للمقاومة في قطاع غزة، ووصول كميات كبيرة من صواريخ "كورنيت" التي حصل عليها حزب الله من سورية إلى قطاع غزة، بعد موافقة الرئيس بشار الأسد على إرسالها للقطاع، ناهيك أن سورية وفرت برامج تطوير للصواريخ في غزة، تم إيصالها للفصائل من قبل الجنرال سليماني  بطرق مختلفة.

3-رسالة موجهة لإدارة ترامب وهي على وشك الرحيل، بأن قطاع غزة لن يكون لقمة سائغة إذا ما فكر بإعطاء الضوء الأخضر ل نتنياهو لشن ضربة على قطاع غزة، وأن القطاع سيتكامل في الرد على العدوان الصهيو أميركي -في حال حصوله – مع بقية أطراف محور المقاومة.

4-رسالة واضحة وصريحة موجهة لقيادة السلطة الفلسطينية، بأن نكوصها وتراجعها عن مخرجات مؤتمر الأمناء العامين، وعودتها لاتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني، لن يفت في عضد المقاومة، وأنها ماضية في نهجها المقاوم، ما يعري قيادة هذه السلطة أمام الجماهير الفلسطينية، ويضغط على حركة فتح أن تحدد موقفها من نهج رئيسها الذي هو رئيس حركة فتح،فإما أن تتماهى معه، أو أن تنحاز لمحور المقاومة وتضع حداً لخط "الأسرلة" الذي يمثله البعض في السلطة.

5- رسالة موجهة للدول الخليجية والعربية الأخرى التي اندلقت على التطبيع مع العدو الصهيوني وتحالفت معه من موقع التبعية، بأن تطبيعها لن يؤثر في معنويات وجاهزية المقاومة، وأن هذا التطبيع المذل، منح المقاومة حافزاً أكثر على صعيد التسلح والاستعداد للمواجهة، ناهيك أنه سهل مهمتها في رسم استراتيجية المواجهة، بعد تحقق الفرز السياسي الذي كشف بوضوح عن أطراف معسكر الأصدقاء، وأطراف معسكر الأعداء بغض النظر عن اللغة التي يتحدثون بها.

لقد راقبت أجهزة استخبارات العدو، وأجهزة رصده، ووسائط إعلامه، هذه المناورة غير المسبوقة لفصائل المقاومة، ولفت انتباهها إلى أن أزمة وباء كورونا لم تشغل المقاومة عن الحفاظ على يقظها وعن الحفاظ على جاهزيتها القتالية، وأدركت أيضاً أن هذه المناورة تستهدف التأثير بقوة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. كما لفت انتباهها، إلى أن المناورة كانت واسعة،وتحاكي مواجهة عسكرية، وفي سياقها أُطلقت الصواريخ نحو البحر محاكاة لقصف العمق الإسرائيلي في أي مواجهة، وتشكلت لديها قناعة بأن الجبهة الجنوبية "جبهة القطاع" هي الأخرى قادرة على أن تجعل قوات الاحتلال واقفة على "رجل ونصف" كما هو الحال مع قواتها في الشمال.